ارشيف من :آراء وتحليلات

بين مصر وإيران... تصاعد القلق الإسرائيلي

بين مصر وإيران... تصاعد القلق الإسرائيلي
أنظار العالم مشدودة إلى إيران وخليج هرمز وسوريا لشدة ما تقرع حولها طبول الحرب الإقليمية أو الدولية. لكن من عادة التاريخ أن يفاجئ وأن تأتي مفاجآته من النوع الثقيل بالتداعيات. إذ ها إن طبول الحرب تقرع كلامياً وفعلياً بين "إسرائيل" ومصر.

كلامياً في التصريحات: المشير الطنطاوي يهدد بكسر أقدام كل من يقترب من الحدود. والتصريحات المضادة: بدأت ترتفع في "إسرائيل" أصوات تقول بأن مصر بلد دكتاتوري، أي إنهم يضعونها على اللائحة نفسها التي يضعون عليها بلداناً تثير غضب "إسرائيل" وغيرها من مكونات معسكر الشر الأميركي.

ولكن أيضاً في التطورات الميدانية: مصرياً، على عدة خطوط متوازية من التظاهرات المطالبة بإلغاء اتفاقية كامب دافيد، والتي توجت بمظاهرة العريش، وبعودة مصر إلى موقعها الطبيعي في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلى تلك التي تستنكر السياسات السعودية تجاه مصر، مروراً بالهزة التي أحدثها النشاط غير المشروع الذي تمارسه الجمعيات والمنظمات غير الحكومية برعاية وتوجيه من الولايات المتحدة...

وفي هذا السياق، تحدثت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن تغير طرأ على السياسة المصرية وتمثل بفتح الحدود مع قطاع غزة وتحسن العلاقات مع إيران الأمر الذي أثار مخاوف الإسرائيليين لما يحمله ذلك من تهديدات أمنية تشكل خطراً على السلام بين الدولتين.

وقد ترافقت هذه التطورات مع سلسلة عمليات التفجير التي استهدفت خط نقل الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني والتي انتهت بإلغاء عقود تصدير هذه المادة من الجانب المصري.

صحيح أن مسؤولين إسرائيليين حاولوا التخفيف من خطورة التطور الأخير واعتبروه مجرد إجراء تجاري بلا تداعيات سياسية، في حين اعتبره مسؤولون إسرائيليون آخرون قراراً ذا خلفيات سياسية.

أياً يكن الأمر، فإن جميع هذه التطورات تمخض عنها جو لم يغب عنه الضجيج العسكري. فقد عقد المصريون صفقة لشراء دبابات ثقيلة من الولايات المتحدة. كما قام الجيش المصري بإجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في سيناء بعد أن كان من غير المسموح للوجود الأمني المصري في سيناء أن يتجاوز بضع مئات من رجال الشرطة المكلفين، بشكل أو بآخر، بحراسة الحدود الإسرائيلية... وبعد أن كانت المناورات العسكرية المصرية قد اقتصرت خلال العقود الأخيرة على تلك التي تجري تحت جناح الجيش الأميركي.

ومن جهتها، تحدثت تقارير إسرائيلية عن ضرورة إعادة تشكيل الفيلق الجنوبي الذي تم حله بعد اتفاقية كامب دافيد، وإرسال سبع فرق عسكرية لتتمركز قبالة الحدود مع مصر. وكل ذلك بالترافق مع القرار الإسرائيلي ببناء جدار على طول الحدود بارتفاع خمسة أمتار.

كل ذلك كان كافياً لأن يقوم الإسرائيليون بإبلاغ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ووزيري خارجيته وحربيته، هيلاري كلينتون وليون بانيتا، باحتمال حدوث صدام عسكري في سيناء بينهم وبين مصر.

والأكثر أهمية من كل ذلك، أن هذه التطورات دفعت وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، إلى الحديث عن أن مصر باتت تثير قلق "إسرائيل" أكثر مما يثيره الملف النووي الإيراني، وخصوصاً أن مصر هي أكبر بلد عربي تمتد بينه وبين "إسرائيل" حدود بطول 400 كم.

كما دفعت رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس إلى تغيير اللهجة الإسرائيلية المعروفة في التجني والتحريض على إيران. فقد استبعد غانتس أن تقرر إيران صنع قنبلة نووية ووصل به الأمر إلى حد وصف المسؤولين الإيرانيين بالعقلانية!

هل تتجه مصر فعلاً نحو العودة إلى مقدم المسرح العربي لا سيما على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟ ذلك يبدو حتمياً لأن مصر لا يمكن لها إلا أن تنتهي إلى اختيار ما هو أفضل لشعبها، بعد أن أمضت، منذ نهاية الفترة الناصرية، حوالي أربعين عاماً من الارتهان للسياسات الأميركية ـ الإسرائيلية التي ألحقت بها أضراراً كبيرة وشكلت نقطة من الأكيد أنها الأكثر سواداً في كامل التاريخ المصري.

وهل تتجه مصر نحو السير في الفلك الإيراني، على ما يقوله مسؤولون إسرائيليون؟ ذلك ليس صحيحاً لأن مصر، بشخصيتها المميزة، لا يمكن لها ذلك، لأنها ستنتهي إلى اختيار ما هو أفضل لشعبها، أن تسير في غير فلك نفسها بوصفها بلداً عريقاً وحريصاً على انتمائه العربي والإسلامي وعلى التزامه بقضايا التحرر.

والأكيد، في ظل هذه الاعتبارات، أن المسيرة الرشيدة لتاريخ المنطقة والعالم تقتضي من مصر وإيران وسائر بلدان المنطقة أن تتضامن وتلتقي وتسير جنباً إلى جنب نحو تحقيق طموحات شعوب المنطقة، وهي طموحات لا يمكن إلا أن تلتقي مع طموحات جميع الشعوب الشغوفة بالاستقلال والتحرر في شتى أنحاء العالم.

عقيل الشيخ حسين
2012-04-27