ارشيف من :آراء وتحليلات

تونس... لهيب الأسعار يواكب لهيب الشارع

تونس... لهيب الأسعار يواكب لهيب الشارع
تونس ـ روعة قاسم

سجّل في تونس خلال الفترة الماضية ارتفاع كبير في اسعار السلع الغذائية ترافق مع لهيب الشارع المطالب للحكومة بتنفيذ تعهداتها التي رفعتها من اجل تحقيق التنمية العادلة وتشغيل آلاف الشباب المعطلين عن العمل.

حراك شعبي

لقد شهدت بعض محافظات البلاد التي "نالت حظها" من التهميش خلال فترة حكم بن علي، حراكا شعبيا لافتا منذ اسابيع. ففي ولاية تطاوين الواقعة في أقصى الجنوب التونسي خرج الأهالي وممثلون عن جمعيات شبابية للتظاهر في شوارع مدينتهم مطالبين الحكومة بتنفيذ التعهدات التي قطعتها في السابق، وقد بدأوا اضرابا رسميا عاما للضغط على المسؤولين للبدء بتنفيذ مشروع "غاز الجنوب" الذي كانت قد وعدت به دولة قطر خلال زيارة وزير خارجيتها العام الماضي الى تونس. حيث أكد الوزير القطري على دعم الحكومة التونسية من خلال بعث العديد من المشاريع التي لم تر النور الى الآن ولم يتم وضع الحجر الأساس لأي منها. ويشار إلى أن القروض القطرية التي منحت للدولة التونسية كانت بنسب فائدة مرتفعة جدا تفوق نسب الفائدة للقروض الأوروبية وقروض البنك الدولي، وهي ستثقل كاهل المواطن التونسي، ويبدو من خلالها أن أصدقاء الفريق الحاكم في تونس من حكام الدوحة راغبون في استغلال الوضع الاقتصادي المزري للتونسيين لمزيد من الربح وغايتهم ليست المساعدة.

تونس... لهيب الأسعار يواكب لهيب الشارع

مشهد الاعتصامات والتظاهرات التي باتت الخبز اليومي للتونسيين في شتى المناطق يتكرر أيضا في الولايات الأخرى. ففي جندوبة (اقصى الشمال) نفذ المعطلون عن العمل وقفات احتجاجية للمطالبة بالتعجيل في الإعلان عن المناظرات المزمع القيام بها، وأيضا إعادة النظر في المقاييس التي اعتمدتها الحكومة لاختيار المرشحين للوظائف العمومية، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار مدى كفاءة المرشح او شهاداته العلمية، انما الأولوية تعطى لمن لديه وضع اجتماعي خاص، وأن يكون ذووه وأقاربه من شهداء الثورة. ورغم تهليل البعض لهذه الشروط "الاجتماعية" في اختيار موظفي السلك العمومي، الا ان خبراء في الاقتصاد حذروا من ان هذه السياسة قد تدفع الى توظيف غير المؤهلين والأكفاء ما يؤثر سلبا على سير العمل الإداري الذي يتطلب الأخذ بعين الاعتبار الكفاءة العلمية قبل اي شيء آخر.

ارتفاع الأسعار

فالمواطن التونسي يقف اليوم بين مطرقة "غلاء الأسعار" وسندان "لهيب" الشارع الذي لم يهدأ بعد، ما دفع الخبراء الاقتصاديين إلى إطلاق صيحة فزع من هذه الاعتصامات التي تؤثر سلبا على عجلة الاقتصاد وتسهم في هروب رؤوس الأموال والاستثمارات التي تبدو تونس في أمسّ الحاجة إليها لتجاوز آلام مخاض الانتقال الديمقراطي الصعب.

وبالتزامن مع هذه الحركية، سجل خلال الفترة الماضية أيضا ارتفاع في أسعار اللحوم والخضر برره المسؤولون في الحكومة بأنه ناجم عن قيام التجار برفع اسعار بعض السلع من دون التقيد باللوائح الرسمية التي تقرها وزارة التجارة. وحينما سئل وزير التجارة عن هذه الظاهرة قال ان الحل لتخفيض الأسعار هو قيام المواطنين بالقطيعة مع بعض المواد والسلع لدفع التجار الى العودة للمسار الصحيح. وبالفعل فقد نفذ المواطنون خلال الأسبوع الماضي إضرابا عن شراء اللحوم الحمراء وقطيعة مع "الفلفل"، وباتت هذه الحملة حديث الشارع ودفعت العديد الى التهكم والتذمر عن عجز المسؤولين المعنيين عن دفع التجار الى الالتزام بلائحة الأسعار الرسمية من خلال إرسال وزارة التجارة لمراقبيها.

واعتبر البعض انه يتم دفع التونسيين الى الدخول في سجالات حول "الشريعة " و"النقاب" وفتح معركة وهمية بين "الحداثيين" و"الإسلاميين" في حين ان المعركة الحقيقية وما دفع الى قيام ثورة "14 جانفيي" هو الوضع الاقتصادي المتردي وسياسة التهميش التي طالت الولايات الداخلية لتونس. والبوعزيزي الذي أحرق نفسه ليشعل نار الثورات العربية في 17 ديسمبر/ كانون الأول لم يقدم على هذا الفعل دفاعا عن المبادئ الحداثية او الشريعة او النقاب، إنما من اجل الاحتجاج على البطالة التي عانى منها رغم تحصيله شهادات علمية.
2012-04-30