ارشيف من :آراء وتحليلات
الانتخابات النيابية والرئاسية في مهب المتغيرات
سركيس ابو زيد
جلسات المناقشة البرلمانية وما لحقها من حملات سياسية طرحت مصير الانتخابات النيابية المقبلة. الموقف السياسي الوحيد الذي أعلنته المعارضة في هذه الجلسات وما تبعها يفيد بأن القبول بإجراء الانتخابات مشروط من قبلها بشرطين: عدم إقرار قانون النسبية وتغيير الحكومة الحالية. ويضاف أمر ثالث هو أقرب الى موقف مبدئي ويتعلق بموضوع السلاح وجرى إسقاطه على الانتخابات بطريقة استفزازية: لا انتخابات في ظل السلاح.
هذا التوجه يعني من جهة إعطاء إشارة البدء في مرحلة إسقاط الحكومة بانتظار التوقيت السياسي الملائم، والسقف الزمني الأقصى هو الانتخابات المقبلة.
ويعني من جهة ثانية أن احتمال عدم إجراء الانتخابات بات مدرجاً على لائحة الاحتمالات والخيارات للمرحلة المقبلة.
الثقة المتجددة بالحكومة لم تلغ الاهتزازات السياسية في معسكري الحكومة والمعارضة
من جهة الحكومة، نشهد استمرار الخلافات بين مكوناتها، مما يتطلب احتواء التباينات مع الرئيس ميشال سليمان على جبهة الانفاق الحكومي، ومع النائب وليد جنبلاط على جبهة قانون الانتخابات، ومع الرئيس ميقاتي على جبهة النأي. وهذا الثلاثي يشكل محور التيار الوسطي في الحكومة الذي يظهر احياناً ترنحه وتردده.
من جهة المعارضة، نشهد انهماكها بلملمة الآثار السياسية لجلسات المناقشة للانطلاق في وضع ترتيبات المرحلة المقبلة الفاصلة عن الانتخابات على المستويين التنظيمي والسياسي، باتجاه إعادة هيكلة إدارتها والتحضير لإسقاط الحكومة. وهنا تبرز الزيارات التي يقوم بها الرئيس فؤاد السنيورة الى أمين الجميل وسمير جعجع وهي تعكس حجم الاهتزاز السياسي الحاصل في داخلها، مما استوجب تدخلاً عاجلاً لمعالجته.
ولإرباك الحكومة، طرحت الأقلية أسماء متعددة للحكومة البديلة (تكنوقراط – حيادية – غير سياسية) لكن الهدف واحد وهو إسقاطها حتى لا تشرف على الانتخابات.
فكرة حكومة انتقالية طرحت على الرئيس نجيب ميقاتي لكن تشكيلها غير وارد راهنا، خصوصاً بعد تجديد الثقة بحكومته، وهي تشير الى أن وراء الاقتراح "ألف لغم ولغم"، منها كما تعدده اوساط ميقاتي الآتي:
- هي محاولة غير بريئة ومكشوفة، للخلاف بين ميقاتي والفريق المؤتلف معه في الحكومة.
- تجربة التحالف السابقة، وتولي ميقاتي حكومة حيادية في العام 2005 وعدم ترشحه للانتخابات النيابية، بناء لرغبة "تيار المسقبل" آنذاك، كانت مخيبة وتعرض فيها ميقاتي للطعن في الظهر أكثر من مرة.
- من يضمن سهولة تشكيل الحكومة وعدم وقوع البلد في فراغ حكومي فترة طويلة؟
فإذا كانت الحكومة الانتقالية بصيغها المتعددة، غير قابلة للتحقق راهناً فإن الاقلية تنتظر التوقيت المناسب والظروف الإقليمية والدولية الملائمة. وفي الانتظار يتركز موقف 14 آذار على ما يلي:
- عدم إطلاق معركة إسقاط حكومة ميقاتي لأن البديل عنها غير جاهز بعد. اذ تصطدم بواقع الأكثرية النيابية بسبب التزام جنبلاط حتى الآن بتفاهماته مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وبقائه ضمن المعادلة والأكثرية الحالية.
- فتح معركة إسقاط الحكومة في حال تجاوزت الخطوط الحمر وأجرت تعيينات أمنية وقضائية حساسة، أو وضعت قانون انتخابات جديد قائم على "النسبية".
- فتح ملف التغيير الحكومي عند اقتراب موعد الانتخابات النيابية عبر طرق سياسية متنوعة منها بالتوافق مع الفريق الوسطي في الحكومة الحالية
وفي ظل أزمة سورية طال أمدها، فتحت قوى 14 آذار معركة الحكومة على نار خفيفة وعلى مراحل، وباشرتها تحت عنوان التغيير بالتراضي وليس الإسقاط بالقوة. والملف الحكومي يصلح على سبيل المناورة
لمقايضته بملف قانون الانتخابات( إبقاء الحكومة مقابل إبقاء قانون الـ 60 معدلاً)، لكنه بالتأكيد يصلح لملء الفترة السياسية الفاصلة عن الانتخابات النيابية عبر طرح يبدو "جذاباً ومسالماً" في مظهره الحيادي
لكنه في الواقع يجد صعوبة في أن يشق طريقه الى التنفيذ في هذه المرحلة وبالتالي هو يستعمل لإحراج الحكومة وتعميق تناقضاتها.
بين استراتيجية "الانتظار" واستراتيجية "الهجوم"
يدعو صقور 14 آذار الى إعادة النظر في سياسة مهادنة الحكومة والتواطؤ على إبقائها بحجة الحفاظ على الاستقرار، والعودة الى الشارع للتعبئة والتحريض بعد الانكفاء والاسترخاء الذي أصابه وشمل محطات أساسية سنوية (احتفالا 14 شباط و14آذار) وبرز توجه واضح لدى "المتطرفين" إلى ضرورة الخروج من حالة "اللاقرار" ووضع خطة واستراتيجية سياسية تنطلق من إسقاط الحكومة الحالية وربط لبنان بالتحولات العربية. لكن التوجه عند قيادات 14 آذار الواقعية ما زال يميل الى التروي والتريث وتفضيل استراتيجية الانتظار على استراتيجية "الهجوم"، حتى جلاء ما سيؤول إليه الوضع في سوريا أولاً وانتظار محطة
الانتخابات النيابية.
كانت قوى 14 آذار تعطي أولوية قصوى للأحداث السورية والرهان على سقوط النظام، ما سيؤدي حسب زعمها الى سقوط تلقائي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. لكن هذا التقييم طرأ عليه تعديل مع بروز مؤشرات متزايدة الى إطالة أمد الأزمة السورية مما ادى الى تقديم الاستحقاقات والملفات الداخلية التي برز فيها الوضع الحكومي والانتخابات النيابية المقبلة.
الهدف الأساسي لقيادة 14 آذار هو الفوز بانتخابات 2013 وتفادي أخطاء العام 2009 وتأمين أكثرية ثابتة غير خاضعة لتقلبات ومفاجآت. وبعد تمرير هذا الإستحقاق بنجاح وحصول 14 آذار على الأكثرية النيابية، تخطط لإجراء تغيير جذري عن أدائها السابق بهدف الإقدام على انقلاب عملي عبر الخطوات التالية:
- تشكيل حكومة من لون واحد وعدم تكرار تجربة حكومة الوحدة الوطنية. وحتى لا تقع في مشكلة التمثيل الشيعي، تعمل على إعطاء أهمية لشيعة 14 آذار وحجز مقاعد نيابية لهم على لوائحها.
- الإتيان برئيس جديد للمجلس النيابي2013 غير الرئيس نبيه بري.
- أن يكون الموقف من سلاح حزب الله حازماً فلا تغطية ولا شرعية للسلاح في البيان الوزاري.
- انتخاب رئيس جديد للجمهورية 2014 من صقور الموارنة والأرجح سمير جعجع.
وهكذا ظهرت الاستراتيجية السياسية لقوى 14 آذار وبالخط الأحمر العريض:
- لا قانون انتخابات على أساس النسبية
- لا انتخابات في ظل الحكومة الحالية
- لا حوار مع حزب الله إلا بعد الانتخابات وعلى أساس أن السلاح هو عنوان الحوار وهدفه
إذا حصل ما يؤدي الى عدم إجراء الانتخابات في موعدها، وإذا أدى السباق الانتخابي المحموم الى إعادة إنتاج الصراع على الحكومة وسلاح حزب الله في ظل إصرار قوى 14 آذار على عدم إجراء الانتخابات في ظل الواقع الراهن، فإن تعطيل الانتخابات سيؤدي الى تمديد المجلس والتمديد سينسحب على كل الوضع وعلى كل المراكز: الرئيس سليمان، حكومة ميقاتي، قائد الجيش، نبيه بري في رئاسة المجلس.
وسيكون هذا تمديداً للأزمة وتفادياً للوقوع في فراغ شامل وفوضى قاتلة، ولا تنتهي هذه الأزمة إلا بـ"طائف جديد"، أي تسوية سياسية جديدة أو بـ"اتفاق دوحة جديد"، أي تسوية ظرفية وانتقالية.
وهكذا الوضع في لبنان صار محكوماً باستحقاقين:
- الأول يتعلق بالوضع في سوريا. وهو الحدث الأساسي والمحوري الذي على ضوئه تتحدد أشياء كثيرة. وقد ثبت على ارض الواقع صحة مقولة وحدة المسار والمصير.
- الثاني يتعلق بالانتخابات النيابية في العام 2013 . وهذا حدث لا يقل أهمية لأنه يعيد رسم الخارطة السياسية والمعادلة في الحكم ويحدد الأحجام والأوزان للقوى والزعامات السياسية.
وبين شد الحبال السياسية والانزلاق الى الفوضى، المواطن العادي يترقب بحذر.