ارشيف من :آراء وتحليلات

الولايات المتحدة وحلفاؤها وعملاؤها... عندما يتكلمون عن "الشرعية"!

الولايات المتحدة وحلفاؤها وعملاؤها... عندما يتكلمون عن "الشرعية"!
عندما تقرر دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والمملكة السعودية والإمارة القطرية وغيرها من "أصدقاء سوريا" المزعومين... أن الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد شرعيته، فإن ذلك يشكل ـ على أقل تقدير ـ فضيحة لا تدانيها فضيحة.

خصوصاً عندما يتهمونه ظلماً بقتل محتجين سلميين لا ذنب لهم غير التظاهر من أجل الديموقراطية في حين أن ما يجري في سوريا، وهذا أمر باتت تعترف به جميع المرجعيات الدولية، هو مواجهة بين الدولة السورية وجماعات مسلحة منها تنظيم القاعدة وحشود من المرتزقة وعناصر أجهزة الاستخبارات القادمين من خارج البلاد.

عشرات من هؤلاء المرتزقة والعناصر الذين يحملون جنسيات فرنسية وبريطانية وليبية وأفغانية وتركية تم اعتقالهم حتى الآن من قبل السلطات السورية.

أما الـ 150 طناً من الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي كانت مرسلة إلى المتمردين والدخلاء في سوريا والتي تم ضبطها مؤخراً على متن باخرة، من قبل الجيش اللبناني، فإنها تشهد على الكميات الكبيرة من الأسلحة (منها ما هو إسرائيلي) التي يتم إرسالها إلى سوريا من قبل أولئك الذين يزعمون حماية الشعب السوري من رئيسه المتهم زوراً بأنه قد فقد شرعيته.

عن أية شرعية يتكلمون؟ من الواضح، بالنظر إلى طبيعة أعداء سوريا، أن الشرعية التي يتكلمون عنها لا يمكن أن تكون تلك التي تقوم على معايير الحقيقة والحقوق والعدل والحرية الفعلية.

الولايات المتحدة وحلفاؤها وعملاؤها... عندما يتكلمون عن "الشرعية"!

إنها إذاً تلك التي تفرضها قوى غربية كبرى مثقلة بتاريخها الاستعماري وبسياساتها الحالية المسؤولة عن جميع الشرور التي تحيق اليوم بالبشرية، بما فيها شعوب بلدان الغرب.

إنها تمتلك أكبر الترسانات الحربية التقليدية وغير التقليدية، وتنشر في أنحاء العالم جيوشها وقواعدها العسكرية التي سحقت أكثر من مرة بلداناً وشعوباً لا لشيء إلا لأنها تسعى إلى التحرر من نير الاحتلال والاستغلال. ولهذا، فإن تلك القوى الغربية هي آخر من يحق له الكلام عن الشرعية.

عن طريق مؤسسات مالية كصندوق النقد والبنك الدوليين، فرضت تلك القوى سياسات اقتصادية أدت بمعظم بلدان العالم الثالث إلى أوضاع بائسة على جميع الصعد. ولهذا، فإنها هي بالذات من يفتقر إلى الشرعية.

تلك القوى فقدت أيضاً كل شرعية عندما أطلقت العنان للرأسمالية المتوحشة ولمصالح البنوك الكبرى والشركات العابرة للقارات التي أفضت إلى دمار اقتصادات بلدان الغرب وفرضت على شعوبه تدابير تقشفية مفتوحة على كوارث اجتماعية من كل نوع.

بدورها، قطعت تركيا سريعاً مع الطلاء الخفيف الذي أعطى لسياساتها شكلاً ظاهرياً هو شكل الدولة الحريصة على المصالح الحقيقية لشعبها ولشعوب المنطقة. وها هي الآن تطلب الحماية من حلف الناتو رداً على هجمات مزعومة يشنها عليها الجيش السوري؟!.

أما بالنسبة لأشباه دول كالمملكة السعودية والإمارة القطرية، فإنها تدين بكل وزنها لا إلى شرعية معروفة أو معترف بها، بل إلى كونها تقدم خدمات لسياسات القوى الغربية وتمتلك ثروات بفضل "رسالتها" كدول مصدرة للنفط.

بلدان تحكمها، بعيداً عن أي دستور، مشيئة بعض المشايخ والأمراء والملوك العرب الذين لا يستطيع أحدهم أن يقرأ بشكل صحيح ثلاثة أسطر مكتوبة بالعربية، ولا يعرفون غير التثاؤب في مؤتمرات كتلك التي تعقدها الجامعة العربية لشدة ما ينتظرون نهاية الاجتماع ليعودوا إلى ملاهيهم التي جعلتهم هُزأة العالم.

يدّعون أنهم يقودون الشعوب العربية نحو الديموقراطية والكرامة والازدهار، ويمارسون لهوهم وترفهم أمام أعين ملايين العرب الذين يقدم بعضهم على الانتحار في الساحات العامة لأنهم لا يمتلكون ما يدرأون به عن أنفسهم بطشة الجوع.

وفي ظروف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، يشيحون بوجوههم عن قضايا كالقضية الفلسطينية، ويقيمون علاقات مودة، مباشرة وغير مباشرة، مع الكيان الصهيوني الذي يضيف كل يوم فصولاً جديدة إلى مآسي الشعب الفلسطيني "الشقيق".

شعورهم المصطنع بالعربية يستيقظ لا ضد إيران التي كانت تجعلهم يرتجفون خوفاً عندما كان الشاه يقوم بوظيفته كشرطي في خدمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بل ضد إيران الإسلامية التي تمد لهم يدها وتدعوهم إلى المشاركة في إقامة منطقة عربية ـ إسلامية مستقلة بعيداً عن الرضوخ للنفوذ الأجنبي.

أما مواقفهم تجاه سوريا، فإنها تملى عليهم من قبل التحالف الإسرائيلي ـ الغربي الذي يسعى إلى معاقبة سوريا، البلد العربي الذي أفشل عملية الاستسلام التي رسمت في كامب دايفد، والذي دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، والذي يشارك بشكل فعال مع إيران وروسيا والصين وغيرها من بلدان العالم الثالث في إرساء شرعية جديدة هي شرعية الانتقال من عالم القطبية الأميركية ـ الإسرائيلية الواحدة إلى عالم التعددية القطبية الأكثر تلاؤماً مع طموحات الشعوب.

تلك هي الشرعية الحقيقية. شرعية الشعوب الشغوفة بالحرية الحقيقية. شرعية سوريا ورئيسها. الدليل القاطع هو في كون سوريا ورئيسها يثيران غضب قوى الشر المتمثلة بالولايات المتحدة وحلفائها وعملائها.

عقيل الشيخ حسين
2012-05-02