ارشيف من :آراء وتحليلات
الكويت... القراءة الخليجية الأخرى
بغداد ـ عادل الجبوري
تشير مجمل التحركات والمواقف الكويتية حيال العراق الى قراءة مختلفة الى حد كبير عن عموم القراءات الخليجية للواقع العراقي، التي ما زالت محكومة بعُقد وإشكاليات تطغى عليها النيات السلبية على حسابات المصالح المتبادلة، والقواسم المشتركة، والواقعيات المطلوبة.
الزيارة الاخيرة لوفد كويتي كبير ترأسه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح عكست رغبة الكويت في فتح مختلف الملفات العالقة والعمل على اغلاقها بدلا من تعليقها. قد تكون المهمة صعبة على الرغم من وجود توجهات جادة ونيات حسنة من قبل كلا الطرفين، والصعوبة تكمن في عدة عوامل، لعل من بينها:
ـ القدر الكبير من التعقيدات التي تمتاز بها الملفات والقضايا العالقة بين العراق والكويت، من قبيل ملف الديون والتعويضات التي دفع منها العراق حتى الان 34 مليار دولار، وبقي في ذمته 12 مليار دولار، وملف المفقودين، وملف ميناء مبارك الكبير، وملف ترسيم الحدود وفق قرارات مجلس الامن الدولي والحقول النفطية المشتركة، وكذلك ملف خروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ـ وجود ضغوط خارجية مستمرة على الكويت، وخصوصا من أطراف خليجية، لثنيها عن اتخاذ اية خطوات لإغلاق ملفات الخلاف مع العراق واصلاح العلاقات معه ودفعها الى الامام، وهذه الضغوط منطلقة من حسابات ونزعات ضيقة الافق وذات طابع طائفي ـ مذهبي بالدرجة الاساس.
ـ وجود جماعات ضغط (لوبيات) داخلية في مجلس الامة الكويتي، وفي بعض الاوساط السياسية واوساط المال، والمؤسسات الاعلامية والثقافية تعمل باستمرار على خلط الاوراق وتأزيم الامور للحؤول دون حصول اي تقدم في مسيرة العلاقات العراقية ـ الكويتية، وهي دائما ما تعمل على نبش الماضي واستحضار كل سلبياته.
ولا يجد المراقب صعوبة في العثور على نقاط وصل وترابط بين جماعات الضغط الداخلية، وبعض الاطراف الخارجية المشار اليها في النقطة الثانية.
ـ في الوقت ذاته، فإنه في العراق توجد جهات تتبنى نفس نهج جماعات الضغط الكويتية، وربما كان ارتباطها بنفس الاطراف الخارجية يجعلها تتحرك وفق اجندات مماثلة، مستغلة فضاء الحرية السياسية والاعلامية التي وفرتها طبيعة النظام السياسي الديمقراطي الجديد في العراق، فضلا عن غياب الضوابط والقيود، وغياب المعايير الواضحة لتشخيص المصالح الوطنية بعيدا عن الحسابات والنزعات الشخصية والحزبية الضيقة.
ـ إلى ذلك هناك الحاجز النفسي الكبير الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الكويتي جابر الحمد الصباح عند لقائه الوفد الاعلامي الكويتي الذي زار العراق مؤخرا بقوله "الكويت تدعم كافة الاتصالات والعلاقات الاقتصادية والشعبية والاعلامية مع الشعب العراقي لإزالة الحاجز والعائق النفسي الذي يعتبر اكبر الحواجز"، والحاجز النفسي ليس بالشيء الغريب، ارتباطا بغزو نظام صدام للكويت وما رافقه من ممارسات وافعال مشينة، وقبله دعم الكويت الكبير لنظام صدام.
وبينما تصاعدت حدة الازمة بين العراق والكويت العام الماضي على خلفية شروع الاخيرة بالخطوات العملية لانشاء ميناء مبارك الكبير، وكادت الامور تصل الى نقطة اللاعودة، حيث لعبت عوامل وعناصر التأزيم السياسية والاعلامية في كلا البلدين دورا سلبيا، وراحت تصب المزيد من الزيت على النار، برزت توجهات ومحاولات جادة لاحتواء ذلك التصعيد، ساهمت نوعا ما في نزع فتيل الازمة ـ ان صح التعبير ـ وجاءت القمة العربية الاخيرة التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد اواخر شهر اذار/ مارس الماضي لتمثل اختبارا لطبيعة ومسارات العلاقات العراقية ـ الكويتية.
وهنا، فإن حضور امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الى بغداد مترئسا وفد بلاده، اطلق رسالة بالغة الاهمية لطبيعة التوجه الكويتي حيال العراق، مثلما كان التمثيل السعودي والقطري المنخفض في القمة رسالة من نوع اخر، وكذلك الحضور الاماراتي والبحريني. ومجيء وفد كويتي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء بعد اقل من شهرين على زيارة الامير، وقبلها زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لدولة الكويت، وقبلها زيارة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر الحمد الصباح، يعكس رغبة وجدية ملموسة بتفعيل التفاهمات، وترجمة ما تم الاتفاق والتوافق عليه الى واقع عملي على الارض.
ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان وفدا كويتيا برئاسة نجل الأمير ووزير الدولة لشؤون الديوان الاميري ناصر الاحمد الصباح كان قد زار اقليم كردستان قبل اسابيع قلائل لتعزيز فرص وامكانيات استثمار رؤوس الاموال الكويتية في السوق العراقية الواعدة، اضف الى ذلك ان الوفد الاعلامي الكويتي الذي زار العراق مؤخرا وضم وزراء ونوابا سابقين دعا صراحة الى انضمام العراق لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال ايجاد منظومة اقليمية اقتصادية لدول شمال الخليج، ولا شك ان ذلك لا يمكن له ان يتحقق اذا لم تكن العلاقات السياسية على ما يرام، وتكون المشاكل والازمات قد وجدت طريقها الى الحل.
واللافت ان بعض الجهات في داخل العراق وخارجه حاولت الاصطياد في الماء العكر من خلال اطلاقها تسريبات تفيد بأن العراق سيوفر فرصا استثمارية لشركات من جنسيات محددة ويستثني جنسيات اخرى، اي انها ارادت ان تقول ان الحكومة العراقية ستفتح الابواب امام الشركات الكويتية وتوصدها امام الشركات السعودية والقطرية وشركات من دول خليجية اخرى، وهذا ما دفع الامين العام لمجلس الوزراء العراقي علي العلاق الى التأكيد بـ "ان استثمارات شركات دول الخليج في العراق مرحب بها والحكومة العراقية تشجعها بشكل عام".
إن ما يشجع على بناء علاقات عراقية ـ كويتية جيدة، تساهم في تعزيز فرص الاستقرار في منطقة كانت دوما ـ وما زالت ـ مضطربة وعرضة للهزات والزلازل السياسية، وحتى العسكرية، ما يشجع على ذلك هو ان الكويت بعيدة نوعا ما عن دائرة الاستقطابات الطائفية والمذهبية، والاصطفافات السياسية القائمة في اطار لعبة المحاور، وتبحث عن بيئة آمنة تجنبها ازمات مثل تلك التي تعرضت لها بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتمتلك علاقات ايجابية الى حد كبير مع مختلف القوى السياسية العراقية، فضلا عن ذلك فإنها على ما يبدو استشعرت الاثار والنتائج السلبية ـ بل والكارثية ـ التي ترتبت على الانسياق وراء مشاريع واجندات دولية خطيرة وغير مجدية، مثل دعم نظام صدام في حربه ضد ايران على مدى ثمانية اعوام، في مقابل ذلك فإن العراق هو الاخر يسعى الى بناء علاقات اقليمية ودولية مع مختلف الاطراف، قائمة على مبدأ التعايش السلمي وتحكيم القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة.
السياسات الواقعية، واحترام خصوصيات الاخر، وبناء الثقة، هذه هي المداخل الرئيسية والمهمة لتصحيح المسارات الخاطئة، والكويت باتت تدركها وتتفهمها وتقدّر اهميتها اكثر من ذي قبل، وأكثر بكثير من معظم اشقائها الخليجيين، الذين، رغم المتغيرات الكبرى التي اجتاحت المنطقة والعالم العربي عموما، لم تغادر اذهانهم نظريات المؤامرة والافق الضيق والانغلاق.
ومن الطبيعي جدا ان لا تعود المياه الى مجاريها وتضمحل وتتلاشى كل تراكمات ومخلّفات المراحل السابقة خلال وقت قصير، لكن توافر النيات الحسنة والارادات الصادقة من قبل كلا الطرفين لطيّ صفحات الماضي، وحل كل المشاكل والازمات العالقة بمنطق عقلاني، ورؤية حكيمة، ومنهج واقعي، من شأنه ان يفتح آفاقا رحبة امام العراق والكويت على السواء.
تشير مجمل التحركات والمواقف الكويتية حيال العراق الى قراءة مختلفة الى حد كبير عن عموم القراءات الخليجية للواقع العراقي، التي ما زالت محكومة بعُقد وإشكاليات تطغى عليها النيات السلبية على حسابات المصالح المتبادلة، والقواسم المشتركة، والواقعيات المطلوبة.
الزيارة الاخيرة لوفد كويتي كبير ترأسه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح عكست رغبة الكويت في فتح مختلف الملفات العالقة والعمل على اغلاقها بدلا من تعليقها. قد تكون المهمة صعبة على الرغم من وجود توجهات جادة ونيات حسنة من قبل كلا الطرفين، والصعوبة تكمن في عدة عوامل، لعل من بينها:
ـ القدر الكبير من التعقيدات التي تمتاز بها الملفات والقضايا العالقة بين العراق والكويت، من قبيل ملف الديون والتعويضات التي دفع منها العراق حتى الان 34 مليار دولار، وبقي في ذمته 12 مليار دولار، وملف المفقودين، وملف ميناء مبارك الكبير، وملف ترسيم الحدود وفق قرارات مجلس الامن الدولي والحقول النفطية المشتركة، وكذلك ملف خروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ـ وجود ضغوط خارجية مستمرة على الكويت، وخصوصا من أطراف خليجية، لثنيها عن اتخاذ اية خطوات لإغلاق ملفات الخلاف مع العراق واصلاح العلاقات معه ودفعها الى الامام، وهذه الضغوط منطلقة من حسابات ونزعات ضيقة الافق وذات طابع طائفي ـ مذهبي بالدرجة الاساس.
ـ وجود جماعات ضغط (لوبيات) داخلية في مجلس الامة الكويتي، وفي بعض الاوساط السياسية واوساط المال، والمؤسسات الاعلامية والثقافية تعمل باستمرار على خلط الاوراق وتأزيم الامور للحؤول دون حصول اي تقدم في مسيرة العلاقات العراقية ـ الكويتية، وهي دائما ما تعمل على نبش الماضي واستحضار كل سلبياته.
ولا يجد المراقب صعوبة في العثور على نقاط وصل وترابط بين جماعات الضغط الداخلية، وبعض الاطراف الخارجية المشار اليها في النقطة الثانية.
ـ في الوقت ذاته، فإنه في العراق توجد جهات تتبنى نفس نهج جماعات الضغط الكويتية، وربما كان ارتباطها بنفس الاطراف الخارجية يجعلها تتحرك وفق اجندات مماثلة، مستغلة فضاء الحرية السياسية والاعلامية التي وفرتها طبيعة النظام السياسي الديمقراطي الجديد في العراق، فضلا عن غياب الضوابط والقيود، وغياب المعايير الواضحة لتشخيص المصالح الوطنية بعيدا عن الحسابات والنزعات الشخصية والحزبية الضيقة.
ـ إلى ذلك هناك الحاجز النفسي الكبير الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الكويتي جابر الحمد الصباح عند لقائه الوفد الاعلامي الكويتي الذي زار العراق مؤخرا بقوله "الكويت تدعم كافة الاتصالات والعلاقات الاقتصادية والشعبية والاعلامية مع الشعب العراقي لإزالة الحاجز والعائق النفسي الذي يعتبر اكبر الحواجز"، والحاجز النفسي ليس بالشيء الغريب، ارتباطا بغزو نظام صدام للكويت وما رافقه من ممارسات وافعال مشينة، وقبله دعم الكويت الكبير لنظام صدام.
وبينما تصاعدت حدة الازمة بين العراق والكويت العام الماضي على خلفية شروع الاخيرة بالخطوات العملية لانشاء ميناء مبارك الكبير، وكادت الامور تصل الى نقطة اللاعودة، حيث لعبت عوامل وعناصر التأزيم السياسية والاعلامية في كلا البلدين دورا سلبيا، وراحت تصب المزيد من الزيت على النار، برزت توجهات ومحاولات جادة لاحتواء ذلك التصعيد، ساهمت نوعا ما في نزع فتيل الازمة ـ ان صح التعبير ـ وجاءت القمة العربية الاخيرة التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد اواخر شهر اذار/ مارس الماضي لتمثل اختبارا لطبيعة ومسارات العلاقات العراقية ـ الكويتية.
وهنا، فإن حضور امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الى بغداد مترئسا وفد بلاده، اطلق رسالة بالغة الاهمية لطبيعة التوجه الكويتي حيال العراق، مثلما كان التمثيل السعودي والقطري المنخفض في القمة رسالة من نوع اخر، وكذلك الحضور الاماراتي والبحريني. ومجيء وفد كويتي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء بعد اقل من شهرين على زيارة الامير، وقبلها زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لدولة الكويت، وقبلها زيارة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر الحمد الصباح، يعكس رغبة وجدية ملموسة بتفعيل التفاهمات، وترجمة ما تم الاتفاق والتوافق عليه الى واقع عملي على الارض.
ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان وفدا كويتيا برئاسة نجل الأمير ووزير الدولة لشؤون الديوان الاميري ناصر الاحمد الصباح كان قد زار اقليم كردستان قبل اسابيع قلائل لتعزيز فرص وامكانيات استثمار رؤوس الاموال الكويتية في السوق العراقية الواعدة، اضف الى ذلك ان الوفد الاعلامي الكويتي الذي زار العراق مؤخرا وضم وزراء ونوابا سابقين دعا صراحة الى انضمام العراق لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال ايجاد منظومة اقليمية اقتصادية لدول شمال الخليج، ولا شك ان ذلك لا يمكن له ان يتحقق اذا لم تكن العلاقات السياسية على ما يرام، وتكون المشاكل والازمات قد وجدت طريقها الى الحل.
واللافت ان بعض الجهات في داخل العراق وخارجه حاولت الاصطياد في الماء العكر من خلال اطلاقها تسريبات تفيد بأن العراق سيوفر فرصا استثمارية لشركات من جنسيات محددة ويستثني جنسيات اخرى، اي انها ارادت ان تقول ان الحكومة العراقية ستفتح الابواب امام الشركات الكويتية وتوصدها امام الشركات السعودية والقطرية وشركات من دول خليجية اخرى، وهذا ما دفع الامين العام لمجلس الوزراء العراقي علي العلاق الى التأكيد بـ "ان استثمارات شركات دول الخليج في العراق مرحب بها والحكومة العراقية تشجعها بشكل عام".
إن ما يشجع على بناء علاقات عراقية ـ كويتية جيدة، تساهم في تعزيز فرص الاستقرار في منطقة كانت دوما ـ وما زالت ـ مضطربة وعرضة للهزات والزلازل السياسية، وحتى العسكرية، ما يشجع على ذلك هو ان الكويت بعيدة نوعا ما عن دائرة الاستقطابات الطائفية والمذهبية، والاصطفافات السياسية القائمة في اطار لعبة المحاور، وتبحث عن بيئة آمنة تجنبها ازمات مثل تلك التي تعرضت لها بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وتمتلك علاقات ايجابية الى حد كبير مع مختلف القوى السياسية العراقية، فضلا عن ذلك فإنها على ما يبدو استشعرت الاثار والنتائج السلبية ـ بل والكارثية ـ التي ترتبت على الانسياق وراء مشاريع واجندات دولية خطيرة وغير مجدية، مثل دعم نظام صدام في حربه ضد ايران على مدى ثمانية اعوام، في مقابل ذلك فإن العراق هو الاخر يسعى الى بناء علاقات اقليمية ودولية مع مختلف الاطراف، قائمة على مبدأ التعايش السلمي وتحكيم القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة.
السياسات الواقعية، واحترام خصوصيات الاخر، وبناء الثقة، هذه هي المداخل الرئيسية والمهمة لتصحيح المسارات الخاطئة، والكويت باتت تدركها وتتفهمها وتقدّر اهميتها اكثر من ذي قبل، وأكثر بكثير من معظم اشقائها الخليجيين، الذين، رغم المتغيرات الكبرى التي اجتاحت المنطقة والعالم العربي عموما، لم تغادر اذهانهم نظريات المؤامرة والافق الضيق والانغلاق.
ومن الطبيعي جدا ان لا تعود المياه الى مجاريها وتضمحل وتتلاشى كل تراكمات ومخلّفات المراحل السابقة خلال وقت قصير، لكن توافر النيات الحسنة والارادات الصادقة من قبل كلا الطرفين لطيّ صفحات الماضي، وحل كل المشاكل والازمات العالقة بمنطق عقلاني، ورؤية حكيمة، ومنهج واقعي، من شأنه ان يفتح آفاقا رحبة امام العراق والكويت على السواء.