ارشيف من :آراء وتحليلات
لبنان من "حلقة الانتظار " ... الى "حافة الفوضى"
سركيس ابوزيد
عديدة هي المؤشرات التي تفضح الوضع اللبناني وتكشف انه غير صحي وعلى درجة كبيرة من الاحتقان: سجال سياسي وتوتر طائفي في اكثر من منطقة وملف، الحوادث الأمنية متنقلة بين المناطق (سفن الأسلحة، والأحداث الحدودية، توترات طرابلس، والاشتباكات المسلحة، تصاعد الحركات المطلبية في الشارع في ظل أزمة اقتصادية تصاعدية وخطر محدق بالأمن الاجتماعي...) هذا الوضع بات يهدد فعلا بضرب "الاستقرار" العامل الأساسي في بقاء هذه الحكومة واستمرارها بعدما تحولت الى شبه حكومة تصريف أعمال، في ظل أسباب وعوامل أبرزها:
الأول يتعلق بالوضع السوري الذي انتقل من مرحلة التطورات الدراماتيكية والرهان على سقوط النظام الى مرحلة التكيّف مع أزمة طويلة يصبح فيها الحدث السوري "روتينيا" في المنطقة والعالم... وهذا المنحى في الأزمة السورية يرفع نسبة المخاطر الأمنية على لبنان، ويحمل الأطراف اللبنانيين على عدم الاستمرار في سياسة الانتظار والترقب، والانتقال الى سياسة الاستنفار لتحسين المواقع وتجميع الأوراق...
الثاني يتعلق باستحقاق الانتخابات النيابية والرئاسية الذي فتح الصراع الداخلي على مداه خصوصا وأنه يدور بين مشروعين وفريقين وسيكون حاسما في تحديد الأحجام وميزان القوى ويفتح المجال واسعا أمام إعادة خلط الأوراق السياسية وإعادة رسم خارطة التحالفات...
لذلك بدأ مبكرا موسم المهرجانات. وقد انطلقت معركة الانتخابات قبل أوانها...
في جونية، أعطى العماد ميشال عون إشارة البدء في المعركة الانتخابية في مهرجان حاشد هو الأول من نوعه وحجمه منذ عودته الى لبنان، وكان في الواقع بمثابة عودة التيار الوطني الحر الى الشارع وعودة "الروح" إليه بعدما اقتصرت أنشطته على "عشاوات في المطاعم ولقاءات في قاعات مقفلة"...
من الواضح أن عون يتصرف على أساس أن انتخابات العام 2013 هي انتخابات حاسمة ومفصلية وكما لو أنها آخر انتخابات يخوضها ويريد أن يتوّ ج بها حياته السياسية عبر تأكيد زعامته وتجديد حيازته لأكبر كتلة نيابية تعطيه مفتاح الموقف المسيحي في الانتخابات الرئاسية...
في مهرجان جونية الانتخابي، رفعت صورة عون والبطريرك بشارة الراعي تحت شعار "ربيع لبنان الآتي"، لتظهر تفاهم الرابية مع يكركي على عكس صورة الانتخابات السابقة التي حملت جعجع الى مرتبة الابن المدلل للبطريرك السابق صفير. وقد فتح عون ناره السياسية في اتجاهين:
اتجاه النائب وليد جنبلاط في أعنف هجوم ضده يعكس تعذر قيام تحالف انتخابي بينهما... وفي اتجاه الرئيس ميشال سليمان الذي اتهمه عون بتعطيل الدولة...
وفي ساحة الشهداء وسط بيروت، أطلق تيار المستقبل باكورة مهرجاناته الانتخابية. تحدث الرئيس سعد الحريري عبر الشاشة مركزا على الانتخابات النيابية المقبلة قائلا: "تفصلنا عن الانتخابات النيابية سنة مصيرية. ستقولون بكل بساطة: الشعب يريد إسقاط النظام". وهذا الشعار سبق وطرحه سمير جعجع من خلال دعوته لاسقاط النظام الديكتاتوري حسب زعمه. مما يشير بان 14 اذار تستهدف الانقلاب على الدولة وليس اصلاحها فقط.
3 - ومن صوفر حدد وليد جنبلاط عنوانا لمعركته الانتخابية:" نواجه بملء ارادتنا وقناعتنا في صناديق الاقتراع التحدي الكبير بأن نكون أو لا نكون".
هذه الحركة الانتخابية الناشطة تؤشر الى اشتداد التوتر السياسي والنفسي في المرحلة المقبلة وفق خط تصاعدي كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية التي يتعاطى معها الجميع على أساس أنها معركة مفصلية حاسمة، معركة حياة أو موت، ولذلك ستكون قاسية وحامية وكل وسائل الهجوم والدفاع مُباحة فيها... ولكن ثمة تخوف من تصريحات 14 اذار الداعية لاسقاط النظام احيانا واحيانا اخرى تهديدها بعدم اجراء الانتخابات . فهل يحتكمون الى الانتخابات وصناديق الاقتراع لتحديد موازين القوى والأحجام، وبالتالي إبقاء الصراع في إطاره السياسي وعدم نقله الى الشارع...؟
الثالث، يتصل بالوضع داخل الحكومة وسط أزمة ثقة بين أطرافها وتبادل
اتهامات وانتقادات: ... ولكن ميقاتي بدأ يتلمس ويستشعر خطورة الانقسام الحكومي على وضع وإنتاجية وقابلية حكومته للاستمرار، ولذلك بدا التلويح بورقة الاستقالة من اجل وضع الجميع امام ضرورة مراجعة الحسابات واتخاذ القرارات الحاسمة... وتسريع عمليات الاحتواء.
الرابع، تعكس أوساط قريبة من الرئيس نجيب ميقاتي حال استياء من مواقف تيار المستقبل حياله في الفترة الأخيرة والتي بلغت حدا غير مسبوق من التهجم الشخصي عليه رغم كل ما فعله وقدمه من إيجابيات منذ تسلمه رئاسة الحكومة.
وتلمح هذه الأوساط الى انتقال ميقاتي باتجاه مواجهة خصومه بدلا من الاستمرار في المهادنة التي اعتبرها المستقبل "ضعفا".
ومن الاسباب التي دفعته الى رفع نبرته:
الارباكات الأمنية المتكررة التي تنعكس سلبا على وضع طرابلس، والمحاولات المستمرة للعبث بالاستقرار الذي يتخذه ميقاتي شعارا وعنوانا لحكومته في كل لبنان، فإذا به يفاجأ بأن هناك من يعمل ليل نهار على هزّ الاستقرار في بيته، وعلى استهدافه شخصيا في أكثر من مناسبة.
لقد تبين لرئيس الحكومة أن كل ما قام به لتحييد نفسه عن الصراع السياسي، وعدم دخوله في أي كيدية أو تصفية حسابات على مدار عشرة أشهر، لم يحفظه له "تيار المستقبل"، بل على العكس فقد استغل هدوءه وانفتاحه، وذهب يستثمر هذه الهدنة من طرف واحد ويلعب في طرابلس، من أجل تحويل المدينة الى منصة لتصفية حساباته.
وفي هذا الإطار، كان رئيس الحكومة يحرص على عدم فتح تحقيقات مالية بشأن مرحلة حكم السنيورة بين عامي 2005-2009 ، وإبقاء الموظفين المحسوبين على تيار "المستقبل" في الإدارات العامة، بعيداً عن أي استهداف. كما كان يحرص كذلك على عقد لقاءات دورية مع السنيورة في السرايا الحكومية بعيداً من الإعلام، وإن الأخير كان في كل زيارة تقريباً، يجتمع بالأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، ما أثار استغراب بعض المقربين من ميقاتي واستياءهم. فهل يتجه ميقاتي الى المواجهة لانقاذ طرابلس التي حولها فريق 14 اذار الى صندوق بريد يحمل رسائل داخلية وسورية ومنها اسقاط ميقاتي في عقر داره واسقاط الجيش في فيحائه واسقاط دمشق في طرابلس الشام.
هل يهرب ميقاتي من المواجهة فيستقيل ام ينقذ الحكومة وطرابلس من الفوضى؟.