ارشيف من :آراء وتحليلات
النجف خارج ميدان الثقافة الإسلامية حتى 2020!
بغداد ـ عادل الجبوري
في شهر آب/ اغسطس من عام 2008، وافق وزراء الثقافة في الدول الإسلامية الأعضاء في المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والفنون (الايسسكو) خلال اجتماعهم في العاصمة الأذربيجانية ـ باكو على اعتبار مدينة النجف عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2012.
وفي مطلع شهر ايار/مايو الجاري 2012، قرر مجلس الوزراء العراقي إلغاء مشروع النجف عاصمة للثقافة الاسلامية، وتأجيله الى عام 2020، أي بعد ثمانية اعوام، وتحويل 40 مليار دينار من الميزانية التي كانت مخصصة للمشروع الى مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 الذي أقره وزراء الثقافة العرب في العام الماضي.
ومنذ وقت مبكر بدا واضحا التناقض بين الجهات الرسمية بشأن تأجيل أو عدم تأجيل المشروع، فبينما نفت وزارة الثقافة في الثالث من شباط/فبراير الماضي الأنباء التي تحدثت عن إلغاء مشروع النجف عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2012، مؤكدة أنها ماضية بالمشروع ولا يوجد أي شيء يدعو إلى إلغائه، أكدت لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية، بعد أربعة أسابيع أن الحكومة طالبت بكتاب رسمي منظمة المؤتمر الإسلامي بتأجيل الاحتفاء بالنجف عاصمة للثقافة الاسلامية!.
لماذا غابت ـ او غيبت ـ النجف عن المشهد الثقافي للعالم الاسلامي؟... كلام كثير قيل في هذا الشأن، لا يمكن الجزم بصحته كاملا، ولا يمكن في الوقت ذاته دحضه وتفنيده جملة وتفصيلا. ومن بين ما قيل:
ـ ان اجندات خارجية وقفت وراء إلغاء مشروع النجف، انطلقت من حسابات طائفية مذهبية، وفي هذا الخصوص كشف رئيس اللجنة الحكومية المكلفة للتحضير للمشروع محمد عايد الموسوي عن وجود صفقة بين بغداد والرياض لإلغاء المشروع مقابل إيجاد تمثيل دبلوماسي للسعودية في العراق.
ورغم عدم وجود ادلة على ما ذهب إليه الموسوي، إلا ان طبيعة الحراك الذي سبق القمة العربية الأخيرة بين بغداد والرياض يعزز أقواله.
ـ من بين ما تداولته بعض الاوساط السياسية والثقافية في بغداد والنجف، ان من بين فعاليات مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية اقامة مهرجانات تتضمن مظاهر لا تتناسب مع قدسية المدينة وهويتها الدينية، وهذا ما تحفّظ عليه وعارضه بعض كبار رجال الدين والمؤسسات الدينية واعتبروه خطاً احمر.
واعتبرت بعض المصادر ان إحالة الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة ذي التوجه الاسلامي جابر الجابري على التقاعد بقرار من مجلس الوزراء كانت بسبب تحذيراته الجادة من بعض فعاليات المشروع التي نقلها الى مراجع الدين والعلماء هناك.
ـ لعل الصراع والتنافس السياسي الحاد بين الفرقاء السياسيين العراقيين، والذي اتخذ في الكثير من الأحيان طابعا مذهبياً طائفياً، ربما كان له اثر بمقدار معين في عرقلة المشروع وإلغائه، ويقول رئيس اتحاد الادباء في النجف فارس حرام، ان "الغاء مشروع النجف تقف وراءه صراعات الاحزاب السياسية وليس البنى التحتية أو غير ذلك من الأمور التي لم تكتمل، وهنالك رأي في النجف يقول بأن بعض النوازع المناطقية داخل الحكومة العراقية وداخل نسيج السياسيين العراقيين، هذه النوازع هي التي ربما ادت الى ان تتم المطالبة بتأجيل المشروع".
ـ عامل اخر طرح بقوة، وهو الفساد الاداري والمالي الذي يعد من أبرز وأخطر الظواهر في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام في عام 2003. ويشير عضو مجلس محافظة النجف الاشرف خالد الجشعمي الى "ان سبب الغاء مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2012 يعود لعدة أسباب، أبرزها الفساد الاداري والمالي الذي يشوب بعض مشاريع المهرجان كالفندق الخاص بالمشروع، والذي رصد له مبلغ (37) مليار دينار، وقصر الثقافة الذي رصد له مبلغ يقارب (92) مليار دينار، وان الخبراء والفنيين اكدوا ان المشاريع المتحققة لا توازي حجم المبالغ التي رصدت لها، وأن فيها فسادا ماليا كبيرا وهي تستحق نصف ما رصد لها".
هذه العوامل المشار اليها، قد تبدو معقولة ومبررة ومقبولة الى حد كبير، بيد أنه من حق المرء ان يتساءل، انه منذ اقرار النجف عاصمة للثقافة الاسلامية في صيف عام 2008 مرت حوالي اربعة اعوام، ألم تكن كافية لتهيئة الأمور المطلوبة لكي تطل النجف على العالم الاسلامي بحلة زاهية تتناسب مع ثقلها ومكانتها العلمية وتاريخها الفكري والثقافي الزاخر بالمآثر والانجازات، وقدسيتها الدينية؟.
بلا شك ان اربعة اعوام فترة طويلة جدا، وتكفي لانجاز الشيء الكثير والكبير، ولكن لا يمكن لأدنى شيء ان يتحقق اذا كانت الخطط والرؤى والتصورات والافكار الصائبة غائبة بالكامل، والخلافات والاجندات الخاصة والحسابات الضيقة والنزعات الشخصية حاضرة بقوة، ناهيك عن انعدام التوجهات الجادة.
واذا افترضنا ان قدرا من الارتباك والتلكؤ قد حصل في هذا الجانب او ذاك من متطلبات المشروع، فهذا يسوغ تأجيله عام او عامين، او ثلاثة اعوام في أبعد التقادير، وليس ثمانية اعوام، ليبدو ان هناك اجندة تريد تمييع وتذويب المشروع، وبالتالي رميه في احد ادراج الاهمال والنسيان.
ان تأجيل ـ او بعبارة اخرى فشل مشروع النجف عاصمة للثقافة الاسلامية لعام 2012 ـ يشير بوضوح كبير إلى تأجيل وفشل مماثل لمشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية العام المقبل. فأوضاع وظروف بغداد ليست افضل من ظروف وأوضاع النجف، بل هي في جوانب غير قليلة ـ سياسية وأمنية وخدمية ـ أسوأ منها، والى الان لم يبق من العام 2013 سوى سبعة شهور ولا توجد أية مؤشرات حقيقية وواضحة وملموسة على الشروع العملي للتهيؤ والاستعداد المطلوبين.
لو كانت النجف قد حضرت في ميدان الثقافة الاسلامية هذا العام، لتفاءلنا بحضور بغداد في ميدان الثقافة العربية العام المقبل!.
في شهر آب/ اغسطس من عام 2008، وافق وزراء الثقافة في الدول الإسلامية الأعضاء في المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والفنون (الايسسكو) خلال اجتماعهم في العاصمة الأذربيجانية ـ باكو على اعتبار مدينة النجف عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2012.
وفي مطلع شهر ايار/مايو الجاري 2012، قرر مجلس الوزراء العراقي إلغاء مشروع النجف عاصمة للثقافة الاسلامية، وتأجيله الى عام 2020، أي بعد ثمانية اعوام، وتحويل 40 مليار دينار من الميزانية التي كانت مخصصة للمشروع الى مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 الذي أقره وزراء الثقافة العرب في العام الماضي.
ومنذ وقت مبكر بدا واضحا التناقض بين الجهات الرسمية بشأن تأجيل أو عدم تأجيل المشروع، فبينما نفت وزارة الثقافة في الثالث من شباط/فبراير الماضي الأنباء التي تحدثت عن إلغاء مشروع النجف عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2012، مؤكدة أنها ماضية بالمشروع ولا يوجد أي شيء يدعو إلى إلغائه، أكدت لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية، بعد أربعة أسابيع أن الحكومة طالبت بكتاب رسمي منظمة المؤتمر الإسلامي بتأجيل الاحتفاء بالنجف عاصمة للثقافة الاسلامية!.
لماذا غابت ـ او غيبت ـ النجف عن المشهد الثقافي للعالم الاسلامي؟... كلام كثير قيل في هذا الشأن، لا يمكن الجزم بصحته كاملا، ولا يمكن في الوقت ذاته دحضه وتفنيده جملة وتفصيلا. ومن بين ما قيل:
ـ ان اجندات خارجية وقفت وراء إلغاء مشروع النجف، انطلقت من حسابات طائفية مذهبية، وفي هذا الخصوص كشف رئيس اللجنة الحكومية المكلفة للتحضير للمشروع محمد عايد الموسوي عن وجود صفقة بين بغداد والرياض لإلغاء المشروع مقابل إيجاد تمثيل دبلوماسي للسعودية في العراق.
ورغم عدم وجود ادلة على ما ذهب إليه الموسوي، إلا ان طبيعة الحراك الذي سبق القمة العربية الأخيرة بين بغداد والرياض يعزز أقواله.
ـ من بين ما تداولته بعض الاوساط السياسية والثقافية في بغداد والنجف، ان من بين فعاليات مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية اقامة مهرجانات تتضمن مظاهر لا تتناسب مع قدسية المدينة وهويتها الدينية، وهذا ما تحفّظ عليه وعارضه بعض كبار رجال الدين والمؤسسات الدينية واعتبروه خطاً احمر.
واعتبرت بعض المصادر ان إحالة الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة ذي التوجه الاسلامي جابر الجابري على التقاعد بقرار من مجلس الوزراء كانت بسبب تحذيراته الجادة من بعض فعاليات المشروع التي نقلها الى مراجع الدين والعلماء هناك.
ـ لعل الصراع والتنافس السياسي الحاد بين الفرقاء السياسيين العراقيين، والذي اتخذ في الكثير من الأحيان طابعا مذهبياً طائفياً، ربما كان له اثر بمقدار معين في عرقلة المشروع وإلغائه، ويقول رئيس اتحاد الادباء في النجف فارس حرام، ان "الغاء مشروع النجف تقف وراءه صراعات الاحزاب السياسية وليس البنى التحتية أو غير ذلك من الأمور التي لم تكتمل، وهنالك رأي في النجف يقول بأن بعض النوازع المناطقية داخل الحكومة العراقية وداخل نسيج السياسيين العراقيين، هذه النوازع هي التي ربما ادت الى ان تتم المطالبة بتأجيل المشروع".
ـ عامل اخر طرح بقوة، وهو الفساد الاداري والمالي الذي يعد من أبرز وأخطر الظواهر في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام في عام 2003. ويشير عضو مجلس محافظة النجف الاشرف خالد الجشعمي الى "ان سبب الغاء مشروع النجف عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2012 يعود لعدة أسباب، أبرزها الفساد الاداري والمالي الذي يشوب بعض مشاريع المهرجان كالفندق الخاص بالمشروع، والذي رصد له مبلغ (37) مليار دينار، وقصر الثقافة الذي رصد له مبلغ يقارب (92) مليار دينار، وان الخبراء والفنيين اكدوا ان المشاريع المتحققة لا توازي حجم المبالغ التي رصدت لها، وأن فيها فسادا ماليا كبيرا وهي تستحق نصف ما رصد لها".
هذه العوامل المشار اليها، قد تبدو معقولة ومبررة ومقبولة الى حد كبير، بيد أنه من حق المرء ان يتساءل، انه منذ اقرار النجف عاصمة للثقافة الاسلامية في صيف عام 2008 مرت حوالي اربعة اعوام، ألم تكن كافية لتهيئة الأمور المطلوبة لكي تطل النجف على العالم الاسلامي بحلة زاهية تتناسب مع ثقلها ومكانتها العلمية وتاريخها الفكري والثقافي الزاخر بالمآثر والانجازات، وقدسيتها الدينية؟.
بلا شك ان اربعة اعوام فترة طويلة جدا، وتكفي لانجاز الشيء الكثير والكبير، ولكن لا يمكن لأدنى شيء ان يتحقق اذا كانت الخطط والرؤى والتصورات والافكار الصائبة غائبة بالكامل، والخلافات والاجندات الخاصة والحسابات الضيقة والنزعات الشخصية حاضرة بقوة، ناهيك عن انعدام التوجهات الجادة.
واذا افترضنا ان قدرا من الارتباك والتلكؤ قد حصل في هذا الجانب او ذاك من متطلبات المشروع، فهذا يسوغ تأجيله عام او عامين، او ثلاثة اعوام في أبعد التقادير، وليس ثمانية اعوام، ليبدو ان هناك اجندة تريد تمييع وتذويب المشروع، وبالتالي رميه في احد ادراج الاهمال والنسيان.
ان تأجيل ـ او بعبارة اخرى فشل مشروع النجف عاصمة للثقافة الاسلامية لعام 2012 ـ يشير بوضوح كبير إلى تأجيل وفشل مماثل لمشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية العام المقبل. فأوضاع وظروف بغداد ليست افضل من ظروف وأوضاع النجف، بل هي في جوانب غير قليلة ـ سياسية وأمنية وخدمية ـ أسوأ منها، والى الان لم يبق من العام 2013 سوى سبعة شهور ولا توجد أية مؤشرات حقيقية وواضحة وملموسة على الشروع العملي للتهيؤ والاستعداد المطلوبين.
لو كانت النجف قد حضرت في ميدان الثقافة الاسلامية هذا العام، لتفاءلنا بحضور بغداد في ميدان الثقافة العربية العام المقبل!.