ارشيف من :آراء وتحليلات
حريق الشمال يمتد... ولبنان ساحة حصرية لمقاتلة سوريا!
اعتُـُقل شادي المولوي بتهمة الانتماء الى شبكة واسعة لتهريب السلاح الى سوريا، فتحولت طرابلس أو بعض احيائها إلى ساحة قتال تخوضه جماعات مسلحة مع جبل محسن او مع الجيش اللبناني، والحصيلة نحو عشرة قتلى وعشرات الجرحى.
قـُتل الشيخ احمد عبد الواحد على حاجز للجيش في حلبا بالشمال في ملابسات يُفترض ان توضحها قيادة الجيش من خلال التحقيق العسكري الجاري، فقـُطعت الطرقات بين طرابلس وبيروت وبين صيدا وبيروت وفي العاصمة نفسها، وفي البقاعين الغربي والاوسط. وكان الرد ليلاً باقتحام مركز حزب التيار العربي في بيروت، والحصيلة قتيلان على الاقل وعدد من الجرحى ودمار ...
وما بين هذين المشهدين الامنيين، اعلان مفاجئ من ثلاث دول خليجية ليس بينها السعودية (!) ولم تشاركها دول غربية، عن دعوة رعاياها الى مغادرة لبنان فوراً!
هكذا ينبئ المشهد الأمني عن تصاعد في مناخ الضغط على لبنان، والرسالة واحدة : دفع الجيش للانكفاء عن لعب أي دور أمني في الشمال، إفساحاً في المجال امام الجماعات التي تحمل السلاح من دون ضوابط للتحرك من دون أي إزعاج، بهدف إنشاء نوع من القاعدة الخلفية للمعارضة السورية، بعدما دخلت تركيا في مساومات وهي تحسب مصالحها مع روسيا وايران بميزان الذهب.
في موسم الحديث عن الثورة السورية، يراد للبنان ان يتوقف عن مصادرة أي شحنة سلاح يؤتى بها بحراً ويتم تهريبها عبر الأراضي اللبنانية الى سوريا. الامر السعودي واضح ومعلن: تسليح المعارضة السورية واجب، كما يقول وزير الخارجية السعودي. والمسؤولون القطريون الذي يلتزمون هذه الايام بصيام ملحوظ عن الكلام اكدوا فيما مضى ان التسليح ضروري لتحقيق الفوز في المعركة الاقليمية الدائرة للقبض على موقع "بلاد الشام".
النجاحات التي حققها الجيش اللبناني أخيراً في تضييق الخناق على عمليات تهريب السلاح مثلت إزعاجاً للعديد من الاطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في هذا المشروع الاقليمي. وبات مطلوباً من وجهة نظر هذه الاطراف تهديد لبنان في سياحته على ابواب الصيف والتشكيك بالجيش وقيادته الى حد المطالبة بتغيير قائد الجيش او تشكيل جيش موازٍ.
لا ندري اذا كان هؤلاء يعون ما يقولون ويفعلون. سياسة النأي بالنفس التي خطّها الرئيس نجيب ميقاتي لا تعجبهم، ولو انها تدير الظهر لسوريا في المحافل الدولية. وامتناع الاطراف اللبنانية المتحالفة مع سوريا عن تسيير تظاهرات تأييدٍ لنظامها، في مقابل التظاهرات التي يسيّرها المعارضون اللبنانيون للنظام السوري، لا يعني شيئاً لهؤلاء الذين يريدون إدخال لبنان قهراً في معركة إسقاط النظام (سبحان الله ، ما أشبه اليوم بالأمس: نتذكر بعض السياسيين اللبنانيين الذين دعوا في العام 1976 الى اسقاط "نظام حافظ الاسد"...).
من يريد المغامرة بلبنان؟ كان "لبنان اولاً" بالنسبة لهم، لكنه لم يعد كذلك الآن، لأن التضحية بالبلد تهون أمام الحسابات السياسية والاقليمية، خاصة بعدما رأت القوى الاقليمية ذات النعمة انه لا بد من لبنان ممراً لإنهاك النظام في سوريا عن طريق شحنات الاسلحة والمقاتلين من تونس وليبيا و... وصولاً الى افشال خطة انان وتحضير "المجتمع الدولي" لتدخل عسكري.
من قال إن اميركا او غيرها ســتـُقدم على تدخل عسكري لأن بعض الانظمة العربية يريد ذلك ؟ من قال إن هذه المخاطرة لن ترتدّ بأسوأ العواقب على تركيبة لبنان الهشة في ظل انعدام متزايد لمناعته الوطنية؟ من قال إن نشر السلاح بهذه الصورة الواسعة لن يشيع الفوضى الامنية في طرابلس قبل غيرها؟
بعض الدول العربية لم تتعلم درساً من تجربة "المجاهدين" في افغانستان الذين غذتهم بالمال والسلاح والمقاتلين العرب، فنشأت بذور القاعدة التي تدعو للاطاحة بهذه الانظمة. والأكيد ان بعض الجماعات اللبنانية لا تزال تستطيب الدخول في مشاريع اقليمية لأن ذلك قد يكون فرصة للعودة الى السلطة من الباب العريض.
لكن هناك أمراً لا يبشر: تيار المستقبل لن يستطيع السيطرة على المجاميع المسلحة التي تخرج عن كل ضابطة سياسية وتتنافس في الانخراط بمعارك غير محسوبة العواقب. والسعودية بما تملك من نفوذ مدعوة الى "عقلنة" هذا المشهد الفالت في لبنان لأن تسعيره من شأنه ان يُضعف كل الانجازات التي حققتها ابتداء من اتفاق الطائف لعام 1989. لندعُ أن يعي العرب مسؤولياتهم قبل "خراب البصرة": آمين.
علي عبادي
قـُتل الشيخ احمد عبد الواحد على حاجز للجيش في حلبا بالشمال في ملابسات يُفترض ان توضحها قيادة الجيش من خلال التحقيق العسكري الجاري، فقـُطعت الطرقات بين طرابلس وبيروت وبين صيدا وبيروت وفي العاصمة نفسها، وفي البقاعين الغربي والاوسط. وكان الرد ليلاً باقتحام مركز حزب التيار العربي في بيروت، والحصيلة قتيلان على الاقل وعدد من الجرحى ودمار ...
وما بين هذين المشهدين الامنيين، اعلان مفاجئ من ثلاث دول خليجية ليس بينها السعودية (!) ولم تشاركها دول غربية، عن دعوة رعاياها الى مغادرة لبنان فوراً!
هكذا ينبئ المشهد الأمني عن تصاعد في مناخ الضغط على لبنان، والرسالة واحدة : دفع الجيش للانكفاء عن لعب أي دور أمني في الشمال، إفساحاً في المجال امام الجماعات التي تحمل السلاح من دون ضوابط للتحرك من دون أي إزعاج، بهدف إنشاء نوع من القاعدة الخلفية للمعارضة السورية، بعدما دخلت تركيا في مساومات وهي تحسب مصالحها مع روسيا وايران بميزان الذهب.
في موسم الحديث عن الثورة السورية، يراد للبنان ان يتوقف عن مصادرة أي شحنة سلاح يؤتى بها بحراً ويتم تهريبها عبر الأراضي اللبنانية الى سوريا. الامر السعودي واضح ومعلن: تسليح المعارضة السورية واجب، كما يقول وزير الخارجية السعودي. والمسؤولون القطريون الذي يلتزمون هذه الايام بصيام ملحوظ عن الكلام اكدوا فيما مضى ان التسليح ضروري لتحقيق الفوز في المعركة الاقليمية الدائرة للقبض على موقع "بلاد الشام".
النجاحات التي حققها الجيش اللبناني أخيراً في تضييق الخناق على عمليات تهريب السلاح مثلت إزعاجاً للعديد من الاطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في هذا المشروع الاقليمي. وبات مطلوباً من وجهة نظر هذه الاطراف تهديد لبنان في سياحته على ابواب الصيف والتشكيك بالجيش وقيادته الى حد المطالبة بتغيير قائد الجيش او تشكيل جيش موازٍ.
لا ندري اذا كان هؤلاء يعون ما يقولون ويفعلون. سياسة النأي بالنفس التي خطّها الرئيس نجيب ميقاتي لا تعجبهم، ولو انها تدير الظهر لسوريا في المحافل الدولية. وامتناع الاطراف اللبنانية المتحالفة مع سوريا عن تسيير تظاهرات تأييدٍ لنظامها، في مقابل التظاهرات التي يسيّرها المعارضون اللبنانيون للنظام السوري، لا يعني شيئاً لهؤلاء الذين يريدون إدخال لبنان قهراً في معركة إسقاط النظام (سبحان الله ، ما أشبه اليوم بالأمس: نتذكر بعض السياسيين اللبنانيين الذين دعوا في العام 1976 الى اسقاط "نظام حافظ الاسد"...).
من يريد المغامرة بلبنان؟ كان "لبنان اولاً" بالنسبة لهم، لكنه لم يعد كذلك الآن، لأن التضحية بالبلد تهون أمام الحسابات السياسية والاقليمية، خاصة بعدما رأت القوى الاقليمية ذات النعمة انه لا بد من لبنان ممراً لإنهاك النظام في سوريا عن طريق شحنات الاسلحة والمقاتلين من تونس وليبيا و... وصولاً الى افشال خطة انان وتحضير "المجتمع الدولي" لتدخل عسكري.
من قال إن اميركا او غيرها ســتـُقدم على تدخل عسكري لأن بعض الانظمة العربية يريد ذلك ؟ من قال إن هذه المخاطرة لن ترتدّ بأسوأ العواقب على تركيبة لبنان الهشة في ظل انعدام متزايد لمناعته الوطنية؟ من قال إن نشر السلاح بهذه الصورة الواسعة لن يشيع الفوضى الامنية في طرابلس قبل غيرها؟
بعض الدول العربية لم تتعلم درساً من تجربة "المجاهدين" في افغانستان الذين غذتهم بالمال والسلاح والمقاتلين العرب، فنشأت بذور القاعدة التي تدعو للاطاحة بهذه الانظمة. والأكيد ان بعض الجماعات اللبنانية لا تزال تستطيب الدخول في مشاريع اقليمية لأن ذلك قد يكون فرصة للعودة الى السلطة من الباب العريض.
لكن هناك أمراً لا يبشر: تيار المستقبل لن يستطيع السيطرة على المجاميع المسلحة التي تخرج عن كل ضابطة سياسية وتتنافس في الانخراط بمعارك غير محسوبة العواقب. والسعودية بما تملك من نفوذ مدعوة الى "عقلنة" هذا المشهد الفالت في لبنان لأن تسعيره من شأنه ان يُضعف كل الانجازات التي حققتها ابتداء من اتفاق الطائف لعام 1989. لندعُ أن يعي العرب مسؤولياتهم قبل "خراب البصرة": آمين.
علي عبادي