ارشيف من :آراء وتحليلات

النجف بعد أربيل ... الخلاف هو الخيار

النجف بعد أربيل ... الخلاف هو الخيار
بغداد ـ عادل الجبوري
يشير الإجتماع الأخير لعدد من القوى والشخصيات السياسية في منزل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر في حي الحنانة بمدينة النجف الأشرف الى أربع حقائق، تبدو لمن يتأمل فيها، خطيرة للغاية، وهي:

أولا: ان الأزمة السياسية في العراق سائرة نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة بوتائر متسارعة.
ثانيا: غياب فرص وامكانيات الحلول الواقعية التي من شأنها وضع حد للأزمة ـ او الازمات ـ المتلاحقة.
ثالثا: بروز ظاهرة التفكك والتشظي لدى مختلف القوى والكيانات السياسية.
رابعا: اتساع مستوى الخلافات والتقاطعات، الذي وصل الى كبار القيادات والزعامات السياسية العراقية، بحيث باتت الحاجة ملحة ـ بنظر البعض ـ لتدخل قوى خارجية بطريقة ما.
اجتماع النجف الذي جاء مكملا لاجتماع أربيل الخماسي واستمرارا له، شارك فيه إضافة الى الصدر، قياديون من " القائمة العراقية" في مقدمتهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وقياديون من "التحالف الكردستاني"، من بينهم القياديان في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هوشيار زيباري وروز نوري شاويس، والقياديان في "الاتحاد الوطني الكردستاني" برهم صالح وفؤاد معصوم، ورئيس حزب "المؤتمر الوطني" احمد الجلبي، والنائب المستقل الشيخ صباح الساعدي، وشخصيات سياسية اخرى.
والرسالة التي اطلقها اجتماع النجف الى رئيس الوزراء نوري المالكي و"ائتلاف" دولة القانون، كانت واضحة للغاية، ومفادها أن امام الأخير مهلة اسبوع لفعل شيء ملموس، واذا كانت رسالة المجتمعين قد وجهت الى "التحالف الوطني" بواسطة الجلبي طالبة عرض بديل عن المالكي، فإنها في الواقع موجهة الى الأخير وائتلافه، ولا سيما ان طرفا رئيسيا من "التحالف الوطني" شارك في الاجتماع، بل انه كان المبادر والمضيف والمحرك، ألا وهو "التيار الصدري".

النجف بعد أربيل ... الخلاف هو الخيار

لم يعد خافيا التوجه الجاد من قبل قوى سياسية كبيرة ومؤثرة في المشهد السياسي العراقي، نحو كسر الجمود وإحداث تغييرات يعتد بها، وقد اخذت القناعة تتبلور بأن كسر الجمود وإحداث التغييرات لا يمكن له ان يتحقق الا من خلال تنحي ـ او تنحية ـ المالكي وتكليف شخص اخر يختاره "التحالف الوطني" بمهمة رئاسة الحكومة، وقد راحت التكهنات تشغل حيزا غير قليل في وسائل الاعلام عن الاشخاص المحتملين لخلافة المالكي، مثل رئيس "تيار الاصلاح الوطني" ابراهيم الجعفري، والقيادي في "المجلس الاعلى الاسلامي العراقي" عادل عبد المهدي، ورئيس حزب "المؤتمر الوطني" احمد الجلبي، والقيادي في التيار الصدري قصي السهيل وربما اخرين.

ولا شك في ان تسارع وتيرة الحراك الذي اشار اليه بوضوح لقاء اربيل ومن ثم لقاء النجف، جعل ائتلاف المالكي يتوقف كثيراً فيما يمكن ان تؤول إليه الامور ويتمخض عنه الضغط المتعدد الجوانب والاتجاهات، وبحث افضل السبل والخيارات لتجنب خيار سحب الثقة واسقاط الحكومة من تحت قبة البرلمان.

بيد ان تزايد الضغط على المالكي لا يمثل كل المشهد، فهناك التفكك والتشظي الذي بات يعد واحدا من أبرز مظاهر العملية السياسية، فالاكراد ـ حزبا الطالباني والبرزاني ـ مختلفون حول جملة من المسائل من بينها آلية التعاطي مع الحكومة الاتحادية في بغداد والمالكي، و"القائمة العراقية" تعيش خلافات وتتجاذبها ارادات واجندات متعددة، و"التحالف الوطني" فضلا عن كونه يشتمل على عنوانين يفتقران الى التجانس والانسجام وهما "الائتلاف الوطني" و"ائتلاف دولة القانون"، يفتقد الى الرؤى الموحدة في داخل كل واحد منهما، وابسط دليل على ذلك ان التيار الصدري ذهب الى اجتماع اربيل، واستضاف اجتماع النجف، بينما بقي شركاؤه الآخرون وابرزهم المجلس الاعلى بعيدين بمسافة معينة عن تفاعلات الأحداث هناك، وحتى بالنسبة لائتلاف "دولة القانون" تنقل اوساط مطلعة وجود حالة تململ من قبل البعض ـ لا سيما المستقلين ـ من طريقة حزب الدعوة بزعامة المالكي في التعامل مع الازمة القائمة.

وعلى ضوء الحقائق الاربع المشار اليها آنفا، يتحدث مراقبون، ومحافل سياسية في أكثر من مكون عن عدة سيناريوهات محتملة للأزمة السياسية، من تلك السيناريوهات:
السيناريو الاول: رفض المالكي قرارات اجتماعي أربيل والنجف بمساندة ودعم التحالف الوطني، وفي هذه الحالة فإن اطراف اجتماعي اربيل والنجف ممثلون بـ"القائمة العراقية" و"التحالف الكردستاني" و"التيار الصدري" يتقدمون الى مجلس النواب بطلب سحب الثقة عن المالكي أو الحكومة بكاملها، فإذا نجحوا ستكون امامهم مهمة البحث عن بديل، وهذا امر تكتنفه الكثير من الصعوبات والعراقيل.

السيناريو الثاني: موافقة "التحالف الوطني" على البحث عن بديل للمالكي من بين صفوفه، وهنا تبرز اسماء عديدة تتنافس على المنصب، كما أشرنا آنفا، مثل الجعفري وعبد المهدي والجلبي والسهيل، الى جانب ذلك فإن ائتلاف دولة القانون يمكن ان يطرح مرشحين للمنصب اذا اقتنع ان تنحي المالكي امر لا بد منه، والمرشحون المحتملون لدولة القانون هما القياديان في حزب الدعوة حيدر العبادي وعلي الاديب، ونائب رئيس الوزراء الحالي حسين الشهرستاني.

النجف بعد أربيل ... الخلاف هو الخيار

السيناريو الثالث: تكليف رئيس الجمهورية لرئيس القائمة العراقية ـ الكتلة البرلمانية الثانية ـ اياد علاوي بتشكيل الحكومة في حال فشل "التحالف الوطني" بالاتفاق على مرشح بديل عن المالكي خلال المدة الدستورية، وهذا السيناريو يبدو بعيدا الى حد كبير وفق معطيات الواقع الراهن.
السيناريو الرابع: يقوم المالكي، ووفق السياقات الديمقراطية بطلب الى البرلمان لعرض الثقة به، وفي حال حصل ذلك، وعلى فرض عدم تصويت نواب التيار الصدري له اضافة الى نواب العراقية وربما التحالف الكردستاني، فإن نواب التحالف الوطني والمستقلين وبعض الكتل التي ترغب أن يكون لها دور في العملية السياسية ستصوت له، وهذا يعني اما تجديد الثقة بالمالكي او سحب الثقة عنه، ما يؤدي الى بقاء الامور على حالها لعدة شهور أياً كان الخيار النهائي.

السيناريو الخامس: الانقلاب العسكري الذي يطيح بكل اطراف العملية السياسية وتشكيل حكومة انقاذ وطني، من الممكن ان تقوم بتقسيم العراق الى دويلات على اساس قومي وطائفي ومذهبي ومناطقي، وهذا السيناريو هو الابعد، لأن ظروف العراق الحالية رغم ما فيها من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار، إلا انها لا تمثل ارضيات مناسبة للانقلابات العسكرية.

كل واحد من السيناريوهات الانفة الذكر ـ عدا الاخير ـ لا يمكنها ان تحدث تغييرا دراماتيكيا سريعا، بل انها تحدد مسارات جديدة، وخيارات بديلة، مع ابقاء الوضع على حاله لفترة من الزمن، لأن الحكومة الحالية ستبقى تدير الامور باعتبارها حكومة تصريف اعمال. وطبيعي ان الحديث عن سيناريوهات واحتمالات متعددة يعني ان الاوضاع السياسية العامة في البلاد تسير من سيئ الى اسوأ، وان فرص الحل والانفراج آخذة بالانحسار والتلاشي، وان الخلاف بات ـ وسيكون ـ سيد الموقف، وان رحيل المالكي يمثل انتهاء جولة والشروع بجولة او جولات اخرى من الصراعات والمفاوضات والمساومات العقيمة بين فرقاء لم يهيئوا حتى الان أرضيات ومساحات كافية للتفاهم والتوافق على إدارة دولة واقعها معقد وشائك، بصيغ ديموقراطية حقيقية تحتكم الى الدستور لا الى املاءات الامر الواقع.
2012-05-24