ارشيف من :آراء وتحليلات
لماذا ترهيب 14 آذار للجيش؟
حسين حمية
بعد زيارة جيفري فيلتمان له في الأول من أيار الماضي، سأل النائب وليد جنبلاط بعد أيام معدودات (في 7 أيار) باحتفال قدامى الاشتراكيين، "عن أي جيش يتحدثون في غياب خطة دفاعية واضحة، وفي جعبتهم رئيس مدولب وقائد معلّب، ماذا نفعل؟". حينها لم يكن من رابط بين الزيارة والسؤال الجنبلاطي، وبلغت السذاجة عند البعض الذي غاب عنه العذر لهذا الهجوم المفاجئ على العماد جان قهوجي، أنْ ردّه إلى توجس الزعيم الدرزي من طموحات رئاسية للأول، تؤهله تقاسم زعامة الشوف التي تفرّد فيها لحوالى 35 عاما من دون منازع.
لكن تفقّد السيناتور الصهيوني جو ليبرمان لمنطقة الشمال حينها، أشار إلى الوجهة التي ينحو إليها السؤال المذكور، وهو الجيش، والتهمة معروفة، وهي إعاقة المؤسسة العسكرية لقيام منطقة "آمنة" للمعارضة السورية المسلحة في الشمال، فوجود هذه المنطقة بات ملحا لتقصير عمر مهمة كوفي أنان إلى أدنى مدة زمنية، وفي الوقت نفسه يمكّن المتربصين بالدولة السورية من الالتفاف على القرار 2043 لمساعدة المعارضة المذكورة على تعويض خسائرها في مواجهة الجيش العربي السوري.
حجبت الأحداث التي تلت 7 ايار الماضي (توقيف شادي المولوي وحادثة الكويخات) الصلة الممدودة بين السؤال الجنبلاطي المأخوذ من زيارة ليبرمان وبين الحملة المتصاعدة منذ أيام على الجيش اللبناني، لكن لا يمكن إخفاء الغابة بالإصبع، لأن التصويب لم يتوقف عن الجيش، لتتولى 14 آذار المهمة، بالتوازي مع حملة عسكرة شاملة لمناطق في الشمال قام بها ما يسمى "الجيش السوري الحر"، وصلت إلى حد تسيير دوريات على الحدود اللبنانية ـ السورية.
سابقا، وبعد أشهر على اندلاع الاضطرابات في سوريا، تولى سفراء غربيون التهويل على قائد الجيش بالمحكمة الجنائية الدولية، في حال التعرض للمعارضين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، وكان هؤلاء السفراء يريدون ضمنا منع الحكومة اللبنانية من تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقات الثنائية مع دمشق، غير أن انكشاف تسرّب عناصر من تنظيم القاعدة من خلال معبر عرسال، أحرج الحكومات الغربية وأجبرها على تخفيف ضغوطها على المؤسسة العسكرية.
بعد رفض الجيش التركي والحكومة الأردنية السماح بإقامة مناطق عازلة في اراضيهما لاعتبارات تتعلق باستقرار ووحدة أراضي البلدين، لم يعد أمام المراهنين على إسقاط الرئيس بشار الأسد، سوى استباق مهمة أنان، وإزاحة الجيش اللبناني عن الحدود الشمالية لتسليمها للمعارضة السورية المسلحة.
عملية إبعاد الجيش عن الشمال دخلت حيز التنفيذ، خصوصا الشق المتعلق بتأليب الأهالي هناك على المؤسسة العسكرية، فقد تكفلت "الانتفاضة السلفية" في كل من طرابلس وعكار تحت شعار فارغ هو استهداف "أهل السنّة والجماعة" بإيجاد بيئة نابذة (بخلاف الحاضنة) للجيش الوطني، في حين بقي الشق الآخر من هذه العملية، حيث يقع على عاتق قوى 14 آذار تنفيذه.
خلال الأيام المقبلة ستنكشف تباعا خطة 14 آذار لتسليم الشمال اللبناني لما يسمى "الجيش السوري الحر"، وهي تقوم على مناورات رخيصة منها استخدام انتخابات الرئاسة المقبلة أو ابتزاز الحكومة بمشروع مرسوم تمديد ولاية قائد الجيش جان قهوجي لثلاث سنوات أخرى، غير أن ما تعوّل عليه هذه الخطة، هو إنهاك المؤسسة العسكرية أو ترهيبها بقصد شلّها عن عملها وتدجينها لتتآلف مع المخططات الإقليمية وتحديدا الخليجية للانقضاض على النظام السوري من وراء ظهر مهمة أنان.
ليس مستبعدا بحسابات من قاموا بخطف الزوار اللبنانين (هناك حسابات أخرى)، قيام انتفاضة أهلية في مناطق معينة تؤدي إلى استنزاف طاقات الجيش لتهدئتها، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيف تواجده في المناطق الأخرى وخصوصا الشمال، لكن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتزام الناس بطريقة مدهشة بدعوته للانضباط، أسهما في تعطيل هذا السيناريو الفوضوي وأبقيا الحراك السياسي للطرف الآخر تحت مجال الضوء والرؤية.
من هنا، سيكون التركيز على ترهيب المؤسسة العسكرية، فإذ كان الغرب أحجم عن استخدام عصا المحكمة الجنائية بوجه قيادة الجيش لحسابات تتعلق بالموقف الروسي والتزامه الظاهري بخطة أنان، بدأت قوى 14 آذار تعد العدة لاستخدام القضاء اللبناني وبالأخص المجلس العدلي لتطويع الجيش وترهيب ضباطه وعناصره.
فبالإضافة إلى ما صدر عن اجتماع مجلس المفتين والمجلس الشرعي الأعلى في دار الفتوى بعد نزوله عند شروط فؤاد السنيورة، لجهة اعتبار حادثة الكويخات جريمة موصوفة والمطالبة بإحالتها على المجلس العدلي، أطلق فارس سعيد الناطق الرسمي باسم 14 آذار اثناء تعزيته بالشيخ أحمد عبد الواحد تهديدا يصب في الاتجاه نفسه، وهو توعُّد فريقه للبنانيين بإطلاق انتفاضة ثانية على غرار "انتفاضة الاستقلال"، هي انتفاضة العدالة.
من المفارقات التي فرضها فريق 14 آذار على اللبنانيين، هي أن جميع الدول المحيطة بسوريا (وتركيا والأردن والعراق) اتخذت ما يكفي من التدابير والإجراءات بما يجنبها ويلات الاضطراب السوري، وشاركت جيوش هذه البلدان بفاعلية إلى جانب قياداتها السياسية لمعالجة تداعيات هذا الاضطراب، إلا أن في لبنان ما حدث هو العكس تماما، وكان الأولى بالحكومة اللبنانية أن تعلن منطقة الشمال منطقة عسكرية لإعطاء الجيش والأجهزة الأمنية المرونة الكافية لضبط الحدود وتجنيب لبنان أخطار الانفلات الأمني على الجانب الآخر.
الأنكى من هذا، تأتي خطة 14 آذار لتعبيد الطريق لهذا الانفلات للنفاذ إلى الداخل اللبناني، ومطالبة هذا الفريق بإحالة حادثة الكويخات إلى المجلس العدلي، وإعدام (كما فعل خالد ضاهر) الضباط والعسكريين بطريقة شعبوية، ليس تهديدا للسلطة العسكرية، بل تذويبها في السلطة القضائية والتعامل معها على أنها ضابطة عدلية يقودها القضاة ويرسم ضوابطها المحامون... ويبقى سؤال جنبلاط: عن أي جيش يتحدثون؟
بعد زيارة جيفري فيلتمان له في الأول من أيار الماضي، سأل النائب وليد جنبلاط بعد أيام معدودات (في 7 أيار) باحتفال قدامى الاشتراكيين، "عن أي جيش يتحدثون في غياب خطة دفاعية واضحة، وفي جعبتهم رئيس مدولب وقائد معلّب، ماذا نفعل؟". حينها لم يكن من رابط بين الزيارة والسؤال الجنبلاطي، وبلغت السذاجة عند البعض الذي غاب عنه العذر لهذا الهجوم المفاجئ على العماد جان قهوجي، أنْ ردّه إلى توجس الزعيم الدرزي من طموحات رئاسية للأول، تؤهله تقاسم زعامة الشوف التي تفرّد فيها لحوالى 35 عاما من دون منازع.
لكن تفقّد السيناتور الصهيوني جو ليبرمان لمنطقة الشمال حينها، أشار إلى الوجهة التي ينحو إليها السؤال المذكور، وهو الجيش، والتهمة معروفة، وهي إعاقة المؤسسة العسكرية لقيام منطقة "آمنة" للمعارضة السورية المسلحة في الشمال، فوجود هذه المنطقة بات ملحا لتقصير عمر مهمة كوفي أنان إلى أدنى مدة زمنية، وفي الوقت نفسه يمكّن المتربصين بالدولة السورية من الالتفاف على القرار 2043 لمساعدة المعارضة المذكورة على تعويض خسائرها في مواجهة الجيش العربي السوري.
حجبت الأحداث التي تلت 7 ايار الماضي (توقيف شادي المولوي وحادثة الكويخات) الصلة الممدودة بين السؤال الجنبلاطي المأخوذ من زيارة ليبرمان وبين الحملة المتصاعدة منذ أيام على الجيش اللبناني، لكن لا يمكن إخفاء الغابة بالإصبع، لأن التصويب لم يتوقف عن الجيش، لتتولى 14 آذار المهمة، بالتوازي مع حملة عسكرة شاملة لمناطق في الشمال قام بها ما يسمى "الجيش السوري الحر"، وصلت إلى حد تسيير دوريات على الحدود اللبنانية ـ السورية.
سابقا، وبعد أشهر على اندلاع الاضطرابات في سوريا، تولى سفراء غربيون التهويل على قائد الجيش بالمحكمة الجنائية الدولية، في حال التعرض للمعارضين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، وكان هؤلاء السفراء يريدون ضمنا منع الحكومة اللبنانية من تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقات الثنائية مع دمشق، غير أن انكشاف تسرّب عناصر من تنظيم القاعدة من خلال معبر عرسال، أحرج الحكومات الغربية وأجبرها على تخفيف ضغوطها على المؤسسة العسكرية.
بعد رفض الجيش التركي والحكومة الأردنية السماح بإقامة مناطق عازلة في اراضيهما لاعتبارات تتعلق باستقرار ووحدة أراضي البلدين، لم يعد أمام المراهنين على إسقاط الرئيس بشار الأسد، سوى استباق مهمة أنان، وإزاحة الجيش اللبناني عن الحدود الشمالية لتسليمها للمعارضة السورية المسلحة.
عملية إبعاد الجيش عن الشمال دخلت حيز التنفيذ، خصوصا الشق المتعلق بتأليب الأهالي هناك على المؤسسة العسكرية، فقد تكفلت "الانتفاضة السلفية" في كل من طرابلس وعكار تحت شعار فارغ هو استهداف "أهل السنّة والجماعة" بإيجاد بيئة نابذة (بخلاف الحاضنة) للجيش الوطني، في حين بقي الشق الآخر من هذه العملية، حيث يقع على عاتق قوى 14 آذار تنفيذه.
خلال الأيام المقبلة ستنكشف تباعا خطة 14 آذار لتسليم الشمال اللبناني لما يسمى "الجيش السوري الحر"، وهي تقوم على مناورات رخيصة منها استخدام انتخابات الرئاسة المقبلة أو ابتزاز الحكومة بمشروع مرسوم تمديد ولاية قائد الجيش جان قهوجي لثلاث سنوات أخرى، غير أن ما تعوّل عليه هذه الخطة، هو إنهاك المؤسسة العسكرية أو ترهيبها بقصد شلّها عن عملها وتدجينها لتتآلف مع المخططات الإقليمية وتحديدا الخليجية للانقضاض على النظام السوري من وراء ظهر مهمة أنان.
ليس مستبعدا بحسابات من قاموا بخطف الزوار اللبنانين (هناك حسابات أخرى)، قيام انتفاضة أهلية في مناطق معينة تؤدي إلى استنزاف طاقات الجيش لتهدئتها، وهذا ما سيؤدي إلى تخفيف تواجده في المناطق الأخرى وخصوصا الشمال، لكن موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتزام الناس بطريقة مدهشة بدعوته للانضباط، أسهما في تعطيل هذا السيناريو الفوضوي وأبقيا الحراك السياسي للطرف الآخر تحت مجال الضوء والرؤية.
من هنا، سيكون التركيز على ترهيب المؤسسة العسكرية، فإذ كان الغرب أحجم عن استخدام عصا المحكمة الجنائية بوجه قيادة الجيش لحسابات تتعلق بالموقف الروسي والتزامه الظاهري بخطة أنان، بدأت قوى 14 آذار تعد العدة لاستخدام القضاء اللبناني وبالأخص المجلس العدلي لتطويع الجيش وترهيب ضباطه وعناصره.
فبالإضافة إلى ما صدر عن اجتماع مجلس المفتين والمجلس الشرعي الأعلى في دار الفتوى بعد نزوله عند شروط فؤاد السنيورة، لجهة اعتبار حادثة الكويخات جريمة موصوفة والمطالبة بإحالتها على المجلس العدلي، أطلق فارس سعيد الناطق الرسمي باسم 14 آذار اثناء تعزيته بالشيخ أحمد عبد الواحد تهديدا يصب في الاتجاه نفسه، وهو توعُّد فريقه للبنانيين بإطلاق انتفاضة ثانية على غرار "انتفاضة الاستقلال"، هي انتفاضة العدالة.
من المفارقات التي فرضها فريق 14 آذار على اللبنانيين، هي أن جميع الدول المحيطة بسوريا (وتركيا والأردن والعراق) اتخذت ما يكفي من التدابير والإجراءات بما يجنبها ويلات الاضطراب السوري، وشاركت جيوش هذه البلدان بفاعلية إلى جانب قياداتها السياسية لمعالجة تداعيات هذا الاضطراب، إلا أن في لبنان ما حدث هو العكس تماما، وكان الأولى بالحكومة اللبنانية أن تعلن منطقة الشمال منطقة عسكرية لإعطاء الجيش والأجهزة الأمنية المرونة الكافية لضبط الحدود وتجنيب لبنان أخطار الانفلات الأمني على الجانب الآخر.
الأنكى من هذا، تأتي خطة 14 آذار لتعبيد الطريق لهذا الانفلات للنفاذ إلى الداخل اللبناني، ومطالبة هذا الفريق بإحالة حادثة الكويخات إلى المجلس العدلي، وإعدام (كما فعل خالد ضاهر) الضباط والعسكريين بطريقة شعبوية، ليس تهديدا للسلطة العسكرية، بل تذويبها في السلطة القضائية والتعامل معها على أنها ضابطة عدلية يقودها القضاة ويرسم ضوابطها المحامون... ويبقى سؤال جنبلاط: عن أي جيش يتحدثون؟