ارشيف من :آراء وتحليلات

قـراءة في انتخابات الرئاسة المصرية: هـل يتحدى الإخـوان أنفسـهم؟

قـراءة في انتخابات الرئاسة المصرية: هـل يتحدى الإخـوان أنفسـهم؟
"العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن"
الراغب الأصفهاني - "مفردات الفاظ القرآن"

لا تدعو للمفاجئة، هذه النتيجة لانتخابات الرئاسة المصرية من حيث محصلتها. الجديد فيها كان هذا التأييد العارم لحمدين صباحي بحيث جاء ترتيبه الثالث من حيث نسبة ما ناله من أصوات الناخبين. وهذا الرقم هو الجدير بالوقوف عند دلالاته السياسية، متى علمنا أن الرجل دخل هذه المعركة الانتخابية بدون غطاء مالي إلا من تبرعات بعض الأنصار والميسورين من محبيه. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه فعلياً وحقيقةً مرشح الثورة التي كان وقودها وسدنتها الشباب من خارج الأطر الحزبية في الغالب، ما يؤشر مبدئياً إلى أنها ثورة واعدة، وإن بدت بعيون البعض قد أصيبت بنكسة مع عدم تمكن صباحي من دخول حلبة المنافسة للمرحلة الثانية من الانتخابات، فهذه الأخيرة لا تصلح مقياساً لحركة التاريخ. إلا أنها قد تصبح مقياساً لمزاج الرأي العام تحت تأثير ظرف ما. والمثال على ذلك من مصر، ففي خلال أشهر قليلة تفاوتت الأرقام بشكل كبير. ففي انتخابات مجلس الشعب استطاع الإسلاميون استمالة الشارع بنسبةٍ كبيرة، وفي لحظةٍ خلت من وجود تنظيمات سياسية حقيقة سواهم، فيما الناس تنشد جديداً بعد ثورة يناير/كانون الثاني. غير أن هذه النسبة تراجعت بشكل ملحوظ في انتخابات الرئاسة الأخيرة، مع بداية بروز تيارات سياسية آخذة في التبلور. ومن جهة آخرى فإن السخط الغالب على الناس من استشراء الفوضى وغياب الأمن -حال أية مرحلة إنتقالية - يسمح لقوى النظام المخلوع الهامدة والمتربصة من ان تتحفز وتنهض لخرق الشارع والمنافسة في انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد ساعدها في ذلك عدة عوامل لعل سلاح المال في طليعتها !!.. فكيف ؟!.

قـراءة في انتخابات الرئاسة المصرية: هـل يتحدى الإخـوان أنفسـهم؟

في مقالنا ما قبل السابق على هذه الصفحة - "الثورة المصرية على مشنقة انتخابات الرئاسة" - استعرضنا عناصر القوة الاقتصادية للمؤسسة العسكرية المصرية والتي تشكل وحدها 40% من حجم الاقتصاد المصري. بحيث باتت قيادته أشبه بمجلس إدارة لهذه الأمبراطورية التي تشتمل على قطاعات شتى تبدأ من الصناعات على أنواعها وحتى الخدمات السياحية من فنادق فاخرة . وقد واكب هذا استشراء حالة من الفساد في صفوف كبار ضباط الجيش باتت حديثاً على كل لسان من مدنين أو من صغار العسكرين فضلاً عن بعض الأقلام. وذكرنا أن هذا أتى في إطار سياسة متعمدة لشراء ولاء قيادات الجيش حتى باتت طبقة برجوازية قائمة بذاتها تتلاقى مع برجوازية رجال الأعمال الذين صنعهم النظام السابق. بحيث أصبحـتا معاً ركيزته. ومما لا شك فيه ان قيادة الجيش في ظل هذه المكاسب لا تطمئن إلا لفرد منها كان شريكاً في اللعبة ومغانمها! فهي تعتقد عن صواب بأن أي بديل آخر لن يتركها تنعم بهذه الامتيازات، هذا إذا لم يطح بها على خلفية رائحة الفساد التي تفوح من ثناياها. بمعنى آخـر فإن السبب الموضوعي الذي يدعو قيادة المؤسسة العسكرية لتوظف امبراطوريتها الاقتصادية فضلاً عن نفوذها في خدمة حملة شفيق مسألة قائمة على قواعد مادية - موضوعية. شيء يذكرنا بالشعار الشهير: "إنه الأقتصاد أيها الغبي" الذي أطلقه جيمس كارفيل، الذي أدار الحملة الانتخابية لبيل كلينتون عام 1992مسقطاً فيها بوش الأب!!.

كما وأنه من شبه المؤكد بأن للخارج عربياً وغربياً رغبة في مجيء شفيق لكونه امتداداً سياسياً لعهد مبارك ما يعطيه ثقة ببقاء مصر على خياراتها السياسية، وفي الطليعة الالتزام على المدى البعيد "بمعاهدة كمب ديفيد"!.لذلك فإن الاعتقاد بدعم مالي لحملة شفيق من الخارج أمر مرجح جداً. وإذا أضفنا إلى هذه الوفرة المالية الخبرة الكبيرة نسبياً للماكينة الانتخابية لشفيق وهي ماكينة "الحزب الوطني" المنحل التي تراكمت على مدى 30 سنة، لوجدنا أن لزوم الشرط للفوز قد أصبح متوفراً؛ فيما تولت ماكينته الانتخابية الخبيرة تأمين (كفاية الشرط) وهي استمالة الطبقات الفقيرة والتي تتشكل بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كما يلي: " نسبة الفقراء المعدمين الذين ليس لديهم قدرة للحصول على احتياجاتهم الاساسية من مسكن وملبس وعلاج ومواصلات وتعليم تصل إلى 20.56% أي نحو 17 مليون نسمة وان نسبة السكان القريبين من خط الفقر سوف تصل إلى 21%. بحسب التوقعات لهذا العام 2012 . وبذا فإن النسبة العامة للفقر على كافة مستوياتها تناهز الـ 40% . تجدر الإشارة إلى أن خط الفقر القياسي المعتمد هو دولاران في اليوم !!. ولكي نتمثل بصورة أدق، الأرض الخصبة التي أنبذر فيها المال السياسي، نضيف بعض المؤشرات الرسمية من ذات الجهاز المركزي للتعبئة والأحصاء حيث ذكر في تقريره أن عدد العاطلين عن العمل في مصر بلغ 3 ملاين و383 الف، وأن معدل الأمية بحسب وزارة التربية والتعليم يصل إلى 27.4% للشريحة العمرية ما بين 15 و 35 سنة. فيما ذكر الدكتور رأفت رضوان رئيس هيئة محو الأمية في مصر أن "الأميين في مصر يمثلون 45% من قوة العمل " ضارباً امثلة من قرى" بلغت فيها الأمية نسبة 100% بين الأناث"!.

بين صفوف تلك الطبقات المعدمة والهيولية التي يغيب عنها الوعي السياسي جرى التنافس بين أحمد شفيق والإخوان. فهذه الكتلة الكبيرة العدد يسهل قيادتها بالعاطفة أو بالمال أو بكليهما. وهذا ما حصل بالفعل، قالبة الكفة لصالح المرشح الإسلامي ومرشح النظام المخلوع او"الفلول" كما يُقال ومن الواضح أن هذه الكتلة ـ من ملايين البوساء ـ قد توزعت أصواتها بين مرسي وأحمد شفيق؛ وعلى أي حال فإن حضور الإخوان بين هذه الطبقات أمر تاريخي ينافسه مؤخراً حزب النور السلفي حضوراً بالتبشير السياسي تعززه (الخدمات الخيرية). أما من أعطى شفيق من هذه الكتلة فقد كان منقاداً بالرشوى الرخيصة للأسف. حيث قيل عن أصوات اشتريت بأثمان بخسة !!.ولا شك بأن الماكينة الانتخابية لهذا الأخير كانت متغلغلة في الأرياف ممسكة بمفاتيح محلية عدة، إن في قرى أو نجوع أو بادية ما أخفى بنسبة كبيرة بصماتها في هذه اللعبة القذرة !.

قـراءة في انتخابات الرئاسة المصرية: هـل يتحدى الإخـوان أنفسـهم؟

غير أن الأرقام التي حصل عليها شفيق أو مرسي هي أقصى ما يمكن أن يستحوذا عليه ومع كل الأساليب المتبعة. وإذا وضعنا بعين الاعتبار أن مجموع ما حصلا عليه معاً من أصوات هو أقل من النصف سنجد أننا لسنا أمام معركة أقطاب سياسية. لذا فإن المعركة الانتخابية في دورتها الثانية هي بعين القوى الثورية لا تتجاوز حدود الفصل الجديد من المواجهة بين سلطة نظام مبارك - باستطالته الجديدة :شفيق ـ وبين الأخوان. هذه المواجهة التي لم تتفاعل بها هذه القوى الثورية التي كانت يومها في طور النشوء -(الصامت)- .. لم تتفاعل لأسباب يتحمل الإخوان مسؤوليتها بلا شك. أما بعض المصريين فيرون اليوم في هذه المواجهة الانتخابية خطوة شبيهة بالحوار التكتيكي مع عمر سليمان يوم الأحد 6 فبراير/ شباط 2011 أي بعد 12 يوماً من اندلاع الثورة انطلاقاً من اقتناعهم بأن الإخوان مشروع سلطة بديلة وحسب!!.نعيد التذكير بان اللقاء المذكور مع سليمان خطوة أثارت يومذاك ريبة قوى الشباب في ميدان التحرير لا سيما وأنه سبقها (تريث) الإخوان في المشاركة بالثورة ما بدا يومها موقفاً ملتبساً.

لكن ومع تجاوز بعض التفاصيل فانه من الجحود نكران دور الإخوان في ثورة يناير /شباط فيما بعد؛ لكن هؤلاء أخطؤوا في فهم جوهرها . قاربوها بوصفها صراعاً على السلطة، وعبر عن هذا وبشكل فج أحد قياداتها البارزة وهو الدكتور الشيخ صفوت حجازي عضو مجلس أمناء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح حيث قال: " إن الإخوان بانتخاب محمد مرسي رئيساً سيكونون قد تمكنوا من السيطرة على السلطات الرئيسية الثلاث في مصر ليقيموا مشروعهم الإسلامي الكبير "!. لكن الجوهر الحقيقي للثورة أنها مسألة تحول ديمقراطي في مسار صيرورة تاريخية ستأخذ سنوات. المسألة تحتاج إلى مراجعة جذرية ، وعميقة من الإخوان في مصر وشجاعة في تجاوز خطابهم التقليدي الذي ما زال أسير الماضي. هـذا هو التحدي.

لؤي توفيق حســــــــن (كاتب من لبنان)
2012-05-31