ارشيف من :آراء وتحليلات
تساؤلات حول التخبط الخليجي الراهن!
عادل الجبوري
قبل واحد وثلاثين عاما، وبالتحديد في الخامس والعشرين من شهر ايار/ مايو 1981 تأسس مجلس التعاون الخليجي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليضم تحت مظلته السعودية والكويت والبحرين وقطر والامارات وعمان. من المهم جدا حين نتحدث اليوم عن واقع وخلفيات مجلس التعاون الخليجي واهداف ودوافع ايجاده، ان نتوقف عن دلالات توقيت التأسيس والاعلان، حتى تكون الرؤية واضحة بالقدر الكافي.
فهذا المجلس ابصر النور بعد حوالي عامين من انتصار الثورة الاسلامية الايرانية بزعامة الامام الخميني، وبعد حوالي ثمانية شهور من اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية التي كانت احد معالم التحرك الدولي لاحباط الثورة وافشالها، ومن الخطأ الاخذ بمقولة ان اصحاب فكرة التأسيس هما الراحلان امير دولة الكويت جابر الاحمد الصباح، ورئيس دولة الامارات زايد بن سلطان ال نهيان، لان اساس الفكرة ظهر وتبلور في بعض مراكز القرار الغربي في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا ودول اخرى، لمواجهة ما اطلق عليه "خطر التمدد الثوري الايراني".
وفي وقت مبكر، ورغم دعمها لنظام صدام في حربه ضد ايران، عارضت الدول الخليجية الست ـ وبالدرجة الاساس السعودية ـ انضمام العراق لمجلس التعاون الخليجي لسببين:
الاول: انها لم تكن ترغب في ان ينافسها اي طرف على موقع الزعامة والمحورية، والعراق في حال انضم الى المجلس سيكون المنافس الاقوى على الزعامة بحكم حجمه ومساحته وموارده وموقعه، ناهيك عن طبيعة نظامه السياسي ونزعة الحاكم التوسعية والسلطوية.
الثاني: انها ارادت منذ البداية ان تقطع الطريق وتوصد الباب أمام اي معالم لهوية شيعية في الكيان الخليجي، حيث ان الشيعة يشكلون اغلبية كبيرة في النسيج الاجتماعي العراقي. اضف الى ذلك، ان مجلس التعاون الخليجي تبنى على طول الخط، وطيلة ثلاثة عقود من الزمن، مواقف متشددة ـ ان لم تكن معادية ـ لايران، انطلاقا من ثلاثة عقد هي، نظام الحكم الاسلامي ـ الثوري، والهوية الشيعية لذلك النظام، ومعاداته للانظمة والدول الاستعمارية، ومن يتحالف معها ويتبع لها.
والمفارقة انه ظهرت قبل حوالي عام، وتزامنا مع ثورات الربيع العربي محاولات لضم كل من الاردن والمغرب لمجلس التعاون!، وهذا ما يؤكد النزعة الطائفية الضيقة لاعضائه.
لقد بقي مجلس التعاون الخليجي ـ وما زال ـ يفتقر الى التجانس والانسجام بين اعضائه، بسبب بعض الخلفيات والتراكمات التاريخية، والخلافات الحدودية بين معظم اعضائه، والتنافس على الزعامة ومحاولات الهيمنة والاستئثار من قبل الاطراف الكبرى، وممارسة سياسة الاقصاء والتهميش والاملاءات بحق الاطراف الصغرى.
والمواقف الاخيرة حيال فكرة الاتحاد تكفي للتدليل على عدم الانسجام والتجانس. ويتذكر الكثيرون الموقف الاماراتي المعارض لمشروع العملة الخليجية الموحدة الذي طرح العام الماضي، ليس ارتباطا بملاحظات موضوعية ورؤية استراتيجية تتمحور حول السلبيات والايجابيات بقدر تمحورها على رفض الهيمنة السعودية على ذلك المشروع، والاصرار على ان تكون ابو ظبي لا الرياض، هي محور المشروع ومحركه.
واذا كانت الدول الخليجية الست متفقة على جملة من المواقف والتوجهات والسياسات، فإنها قد لا تكون ذات اهمية وتفتقر الى البعد الاستراتيجي، والنقطة المحورية المتفق والمتوافق عليها تتمثل بتحجيم الوجود الشيعي وعدم السماح له بلعب ادوار مهمة في شؤون الدولة والمجتمع في المنظومة الخليجية، ولعل مثل هذا التوجه يبرز جليا وبدرجة اكبر في كل من المملكة العربية السعودية والبحرين، من دون ان يعني ذلك غيابه بالكامل في الدول الست، ومعها اليمن التي انضمّت حديثا الى المجلس سعيا لتطويق المكون الشيعي فيها، الذي ترى فيه الرياض خطرا كبيرا عليها.
وربما كانت الكويت الافضل من سواها، اذ ان مساحة الحريات السياسية والمدنية فيها جيدة الى حد ما. ويمكن للمتابع ان يقف ببساطة على الكثير من المعطيات والمظاهر التي تؤكد النزعات الطائفية ـ المذهبية للسياسات الخليجية، واخرها التحرك لاقامة اتحاد سعودي ـ بحريني، او بعبارة اخرى ضم البحرين الى السعودية، والذي وصفته اوساط خليجية بأنه "خطوة حمقاء وغير مدروسة لرسم حدود وإحداث اصطفافات ذات طابع ولون مذهبي، وهو ما يعني دفع المنطقة الى نقاط ومنعطفات حساسة وخطيرة هي في غنى عنها".
ولعل تدخل الرياض العسكري في الشأن البحريني تحت مظلة ولافتة قوات درع الجزيرة حينما اندلعت ثورة الشعب البحريني بدايات العام الماضي، اماط اللثام عن طبيعة وحقيقة الاجندات السعودية، واوضح التناقض والازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين المتبناة من قبل الرياض، ونفس تلك السياسة اتبعت حيال العراق طيلة الاعوام التسعة الماضية التي اعقبت سقوط نظام صدام، لتسبب الكثير من المشاكل والازمات والمعاناة والنكبات والمجازر الدموية للعراقيين.
خلاصة القول، بما ان مجلس التعاون الخليجي تأسس على مرتكزات هشة، وانطلق من نقاط مشوشة، وتطلع الى اهداف خطرة، وتحرك بأجواء ومناخات قلقة ومريبة، فإنه لم ـ ولن ـ يصل الى بر الامان. اذاً، هل ما لم يتحقق طيلة ثلاثين عاما يمكن له ان يتحقق اليوم في ليلة وضحاها بين الاخوة الاعداء؟!. وهل اقصاء وتهميش الاخر يمثل المفتاح ـ والمدخل الصحيح ـ لتحقيق النجاح، علما ان الاخر في داخل الدائرة وليس خارجها؟!.
تساؤلات كثيرة من هذا القبيل تطرح نفسها بقوة في خضم التخبط والتيه الخليجي الراهن.