ارشيف من :آراء وتحليلات
ما وراء دفتر شروط 14 آذار للقبول بالحوار والحسابات الخاطئة
لم يكد الرئيس بري يطرح فكرة استئناف عقد جلسات طاولة الحوار الوطني مع السفير السعودي، ليتبناها لاحقاً رئيس الجمهورية محولاً إياها الى دعوة رسمية، حتى استدعت ردود فعل سلبية من فريق الرابع عشر من آذار.
بالنسبة الى استئناف طاولة الحوار الوطني سارع هذا الفريق الى تقييد موافقته برزمة شروط، أقل ما يقال فيها إنها محاولة لـ:
أ ـ الحصول على أثمان سياسية أبرزها رحيل الحكومة الحالية تمهيداً لاستيلاد حكومة جديدة تحت اشرافه.
ب ـ اظهار جدية منافقة بمعنى ابداء موقف ظاهره قبول الحوار الجدي، وباطنه رفض الحوار من أصله، لكن بعدما يتم احراج الفريق الآخر ورمي كرة مسؤولية الرفض في ملعبه من خلال رفع ثمن القبول بالحوار الى الحد الذي يعرف هذا الفريق مسبقاً أنه لا يستطيع قبوله أو التسليم به.
مشكلة هذا الفريق تتمثل هنا في المسكوت عنه أو المضمر في هذه الشروط، والمعلن عنه في مواقف أخرى تعكس قراءته للمرحلة الحالية، والتي يرى هذا الفريق أنها تتلخص بالتالي:
أولاً: ان الفريق الوطني عموماً وحزب الله تحديداً هما في أزمة فعلية، فلا الحكومة بخير، ولا الظروف الاقليمية تميل اليوم لمصلحة هذا الفريق، خصوصاً في ضوء التطورات الأخيرة الخاصة بالأزمة السورية.
ثانياً: هذا الفريق لا يزال يراهن نظرياً وعملياً على أن مصير النظام في سوريا بات على المحك، وأن أيامه باتت معدودة.
ثالثاً: ان حزب الله تحديداً بات محاصراً بمجموعة تحديات وأخطار منها ما هو متولد من الأزمة السورية، ومنها ما هو متولد من الأزمة اللبنانية نفسها، أخطرها على الأطلاق هو المسألة المذهبية ودخول السلفية التكفيرية على خط المواجهة وكعنصر أساسي من معادلة الصراع في لبنان وسوريا، اضافة الى المنطقة.
بناء على هذا التقويم، يرى هذا الفريق أن توقيت الدعوة الى استئناف طاولة الحوار بدون أي شروط أو أثمان هو بمثابة رمي طوق النجاة لـ:
أ ـ الحكومة عموماً، والرئيس ميقاتي تحديداً.
ب ـ السياسة التي تعتمدها الحكومة فيما يخص الأزمة السورية، أي سياسة النأي بالنفس.
ج ـ حزب الله المحتاج في حساباته الى شراء الوقت، وايقاف الهجمة عليه عند حد معين.
ولذا، يجد هذا الفريق أن في الدعوة الى الحوار فرصة ثمينة للمقايضة، وفي حال رفض الفريق الآخر دفع الثمن المطلوب يتم تحميله مسؤولية فشل الحوار.
لكن ما لا يقوله هذا الفريق صراحة هو الأسباب الفعلية التي يخشى من أجلها الحوار، وأبرزها:
أولاً: ان وضع هذا الفريق ليس على أفضل حال خصوصاً في ضوء ما تكشف عنه مسار تطورات الأوضاع شمالاً. صحيح أن تيار المستقبل أراد وعمل على استعمال ورقة السلفية التكفيرية بامتداداتها السعودية لمصلحته، إلا أن أقصى ما كان يريده منها هو استخدامها كأداة تهويل في وجه خصومه خصوصاً حزب الله. الا أن ما حصل مؤخراً هو أن هذه الورقة بدأت تقرر نتائج ارتدّت سلباً على مستخدميها أنفسهم، وباتت تقلقهم بقدر ما تقلق الآخرين.
ثانياً: الأمر عينه ينطبق على محاولة تحويل الشمال الى منطقة ملاذ آمن، ونقطة انطلاق للمعارضة السورية المسلحة، حيث جرى اقحام الشمال في المعادلة الجغرافية ـ السياسية ـ الاجتماعية للأزمة السورية بقوة، الأمر الذي رتب تداعيات داخلية، وهدد أكثر بخروج هذه المنطقة من تحت يد تيار المستقبل، بالاضافة الى تشريع لبنان بأسره على الواسع أمام رياح مسار تطورات الأزمة السورية.
ثالثاً: صحيح أن الأزمة السورية صعبة ومعقدة، وهناك ضغوطاً قوية غربية وسعودية وقطرية وتركية على النظام لإسقاطه، وأن للأزمة الحالية افرازاتها السلبية، إلا أنه وبشهادة تقدير الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، فإن عمر النظام ليس بالقصير حتى مع تصور أو فرض احتمال سقوطه، ما يجعل الأزمة مفتوحة على تطورات لن يكون لبنان بمنأى عنها اذا بقيت الأمور على ما هي عليه، وبالتالي سيكون الجميع عرضة لهذه الأخطار.
رابعاً: ان واقع فريق الرابع عشر من آذار واقعاً بالغ السوء جراء عوامل كثيرة معروفة، وهو يدرك ان الموقف من طاولة الحوار ليس واحداً ، حيث لكل منه حساباته ومصالحه ولذا يخشى هذا الفريق من أن تؤدي الدعوة الى الحوار الى زيادة وصفه حراجة على حراجة.
خامساً: من الواضح أن هذا الفريق فقد منذ زمن طويل قواه الذاتية، ولم يعد يملك من وسائل مده بالحياة سوى العيش على أزمات ومشاكل خصومه، والرهان على ما ستؤول اليه الأوضاع في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً.
سادساً: من الواضح أيضاً أن هذا الفريق وحليفه الاقليمي الرئيسي أي النظام السعودي يعيش على ترقب ليس فقط تطور الأمور لمصلحته سورياً وانما عراقياً أيضاً، وفيما يخص الموقف الغربي من ايران على خلفية الملف النووي عموماً، والموقف الاسرائيلي تحديداً، وهو من الذين يتمنون فشل المفاوضات وتبني الخيار العسكري لكسر ايران. الا ان مجمل الظروف الاقليمية والدولية يسير بعكس تمنيات هؤلاء، وبالتالي على هذا الفريق ان ينتظر طويلاً.
خلاصة القول هنا، ان استقواء فريق الرابع عشر من آذار ومحاولة التعاطي مع دعوة رئيس الجمهورية الى الحوار من موقع المنتصر في المقتلة الدائرة شمالاً وفي سوريا والمنطقة في غير محله، وهو استقواء تاريخ، بل أكثر من ذلك يمكن القول ان طاولة الحوار هي فرصة خلاص لهذا الفريق لانقاذه من شر نفسه، وبالتالي فرصة خلاص فعلية لحماية لبنان من كل شرور ما يخطط له التحالف الغربي ـ الخليجي ـ التركي للبنان والمنطقة.
يضاف الى ذلك التالي:
أولاً: ان مطلب الحوار ليس مطلباً داخلياً ، أو مطلب فريق بعينه فحسب، وانما هو مطلب دولي ـ اقليمي مشترك اليوم أيضاً، ذلك أن لبنان ما زال يحظى حتى الآن بقرار دولي ـ اقليمي يقضي بالحفاظ على الاستقرار فيه، وبالتالي، تقطيع الوقت المتبقي من الآن وحتى آخر العام على الأقل، حيث من المتوقع ان تزداد حدة التجاذب والمواجهات البديلة في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً، بأكبر قدر ممكن من الهدوء.
ثانياً: ان صاحب دعوة الحوار هو رئيس الجمهورية، والملك عبد الله المؤيد لها علناً، وبالتالي، فإن رفض الدعوة سيكون لمن يلقيها في وجه الاثنين معاً.
ثالثاً: ثمة حاجة مشتركة للجميع لتحقيق حدة وتشنج الأوضاع الداخلية، وامتصاص تداعيات أزمات المنطقة وسحب فتائلها من الشارع الى طاولة الحوار.
رابعاً: ان المحرج الفعلي بالحوار هو الفريق المستقبلي وأتباعه من مسيحيي الرابع عشر من آذار.
كل ذلك أملى على هؤلاء لعبة توزيع أدوار قوامها:
أ ـ قبول مشروط بالذهاب الى الحوار والسعي لتحويل وجهته شكلاً ومضموناً.
ب ـ رفض البعض أصل الذهاب.
بات من المؤكد أن الجلسة الأولى ستعقد، أما مصير باقي الجلسات، فهو رهين بما ستؤول اليه هذه الجلسة من نتائج، وان كان لا يبعد ربط ايقاع الجلسات بمحطات زمنية، تتصل بمجرى تطور الأمور في المنطقة.
وتبقى ملاحظة أخيرة هنا، ان عودة الروح الى الحكومة مؤخراً لا شك ستصيب التيار المستقبلي بمزيد من الاحباط، لأنه شكّل الرد العملي على طلبه الوحيد: استقالة الحكومة.