ارشيف من :آراء وتحليلات
الإسلام السياسي وتحديات ما بعد الثورات
عادل الجبوري
لعل واحدة من ابرز المظاهر والمعطيات التي افرزتها الثورات والانتفاضات العربية، هي عودة حركات وتيارات ما يسمى بـ"الاسلام السياسي" الى الواجهة، بل واكثر من ذلك انها وبعد ان كانت مهمشة ومطاردة ومحاصرة، باتت رقما صعباً وفاعلا في معادلات السلطة والسياسة في بلدانها.
حصل ذلك في تونس، حينما اصبحت حركة النهضة الاسلامية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي العام الماضي، محور العملية السياسية وقطب الرحى فيها، والانتخابات البرلمانية العامة التي جرت هناك قبل عدة شهور اثبتت ذلك.
وحصل ذلك في مصر ايضا، فالتيارات الاسلامية على اختلاف مسمياتها، وان كان عنوانها العام "الاخوان المسلمون"، برزت بقوة بحيث انها حصدت العدد الأكبر من مقاعد البرلمان في أول انتخابات جرت بعد الاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.
وفي ليبيا واليمن ودول اخرى لم تكتمل فيها صورة المتغيرات الكبرى حتى الان، ولا تبدو تيارات الاسلام السياسي غائبة كثيراً عن الحراك العام في المجتمع، لا سيما باطاره السياسي، لكنها بلا شك تعمل جاهدة على الامساك بزمام المبادرة من خلال تهيئة الظروف والارضيات والمناخات المناسبة ذلك.
بعبارة اخرى يمكن القول ان صورة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تختلف الى حد كبير عن صورة العقد التسعيني من القرن الماضي، عندما اقصيت جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر وألقي بقادتها ورموزها في السجون، رغم فوزها في الانتخابات، وعندما كانت حركة النهضة الاسلامية في تونس حركة محظورة، وزعيمها الاول راشد الغنوشي مطاردا، وهكذا بالنسبة للاخوان المسلمين في مصر ونظرائهم في بلدان عديدة مثل المغرب واليمن وسوريا والاردن، ناهيك عن العراق الذي كانت كل الحركات والقوى الاسلامية مستهدفة فيه، ومطاردة من قبل نظام حزب البعث ومنذ وقت مبكر، واكثر من ذلك كان الكثير من الشعائر والطقوس والممارسات العبادية ـ وخصوصا لابناء الطائفة الشيعية ـ غير مسموح به.
هذه التحولات الدراماتيكية الكبرى، التي ربما لم يدر في خلد الكثيرين حصولها بهذه الكيفية صاغت واقعاً جديداً، بدا واضحا منذ البداية، أن لا المجتمعات العربية مؤهلة له بما فيه الكفاية، ولا تيارات "الاسلام السياسي"، ولا الاطراف والقوى الخارجية الدولية والاقليمية ذات المصالح والحسابات والاجندات الخاصة المتقاطعة في بعض الاحيان فيما بينها والمتوافقة في احيان اخرى.
وهكذا راح البعض يتحدث عما اطلق عليه بالصدمة، والبعض راح يتحدث عن فوضى، والبعض الاخر راح يتحدث عن ازمة ـ او ازمات ـ في الطريق، وكل ذلك، كان وما زال وسيبقى واقعيا ومتوقعا، والحقائق الماثلة على الارض تؤكد كل ذلك او جزءا منه في ادنى التقادير.
والصدمة والفوضى والازمةـ الازمات ـ هي في الواقع تعبير عن اوضاع قلقة وغير مستقرة، تحتم وضع كل الخيارات والاحتمالات في الحسبان، لا سيما السيئة منها. بتعبير آخر اكثر وضوحا ودقة، ان هناك جملة تحديات تواجه تيارات "الاسلام السياسي" اكثر من غيرها في بلدان "الربيع العربي" وبلدان اخرى ربما تشهد نفس السيناريوهات.
ومن بين تلك التحديات:
- الانتقال من مرحلة النظام الديكتاتوري الى مرحلة النظام الديمقراطي، بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وهذا يتطلب وضع أطر نظرية سليمة ومقبولة، وبناء مؤسسات دستورية تضمن مشاركة سياسية واسعة، وتداولا سلميا للسلطة، وتوفير فضاء فسيح للحريات العامة.
- عرض نموذج إسلامي متوازن وعقلاني يتجاوز التشدد والتطرف والانغلاق واقصاء وتهميش وتغييب الآخر.
والمعروف عن تيارات "الاسلام السياسي" السني ـ السلفي تشددها وانغلاقها، وأكثر من ذلك ارتباط البعض منها بتنظيمات وجماعات ارهابية تتبنى العنف المسلح كمنهج في الترويج للدين الاسلامي، كما هو الحال مع تنظيم القاعدة، والى الان فإن هناك تيارات اسلامية سلفية واسلاميون يدافعون عن تنظيم القاعدة بكل ممارساته وسلوكياته ومنهجياته.
هذه التيارات ينبغي عليها في حال وصلت الى السلطة بمفردها او مع شركاء اخرين، ان توضح طبيعة ومواقفها وتوجهاتها المشار اليها لجماهير واسعة وعريضة دفعت ضرائب باهظة جراء العنف والارهاب "الاسلامي".
إشكالية الثقة بين تيارات "الاسلام السياسي" والجماهير تقتضي معالجات حقيقية، واعادة ترميم من قبل تلك التيارات نفسها عند وصولها الى السلطة، وهذه مهمة شائكة ومعقدة تعتريها الكثير من المصاعب والعراقيل.
- احتواء واستيعاب الآخر على اختلاف عناوينه وتوجهاته السياسية والثقافية والفكرية والدينية والمذهبية.
فهناك توجهات ومنظومات اجتماعية ـ ثقافية ـ فكرية تقف على مسافة بعيدة جدا عن التوجه الاسلامي - لا سيما المتشدد والمتطرف - وهذه المسافة البعيدة جدا، تعني وجود اختلافات وخلافات، تمثل ارضيات مناسبة لمشاكل وأزمات متعددة الوجوه في المجتمع، وتفجُّرُ تلك المشاكل والازمات يعني وجود خلل يعجز الممسكون بزمام السلطة عن معالجته وتلافيه.
ونجاح تيارات "الاسلام السياسي" في تجاوز تلك التحديات من شأنه ان يفضي الى تمهيد الطريق لمعادلات جديدة من جانب، ومن جانب اخر تغيير الصورة النمطية السلبية المترسخة في اذهان ملايين الناس في العالم الاسلامي وخارجه عن الحركات السياسية الاسلامية، وهي صورة تبلورت بفعل سلوكيات وممارسات خاطئة شوهت الدين الاسلامي وأفرغته من محتواه وجوهره الانساني والفكري العظيم.
بيد ان الحديث عن النجاح امر مبكر جدا وسابق لاوانه، فضلا عن ان معايير ومقاييس النجاح قضية قد تكون بحد ذاتها موضع خلاف واختلاف بين هذا الطرف او ذاك، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هناك إسلاما سياسيا سنيا وإسلاما سياسيا شيعيا، وهناك في كل بلد ظروف ومناخات سياسية واجتماعية وثقافية تختلف عنها في بلد اخر، وهناك تراكمات ومخلفات وعقد تاريخية هي الاخرى مختلفة من بلد ـ او مجتمع ـ الى اخر.
لعل واحدة من ابرز المظاهر والمعطيات التي افرزتها الثورات والانتفاضات العربية، هي عودة حركات وتيارات ما يسمى بـ"الاسلام السياسي" الى الواجهة، بل واكثر من ذلك انها وبعد ان كانت مهمشة ومطاردة ومحاصرة، باتت رقما صعباً وفاعلا في معادلات السلطة والسياسة في بلدانها.
حصل ذلك في تونس، حينما اصبحت حركة النهضة الاسلامية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي العام الماضي، محور العملية السياسية وقطب الرحى فيها، والانتخابات البرلمانية العامة التي جرت هناك قبل عدة شهور اثبتت ذلك.
وحصل ذلك في مصر ايضا، فالتيارات الاسلامية على اختلاف مسمياتها، وان كان عنوانها العام "الاخوان المسلمون"، برزت بقوة بحيث انها حصدت العدد الأكبر من مقاعد البرلمان في أول انتخابات جرت بعد الاطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك.
وفي ليبيا واليمن ودول اخرى لم تكتمل فيها صورة المتغيرات الكبرى حتى الان، ولا تبدو تيارات الاسلام السياسي غائبة كثيراً عن الحراك العام في المجتمع، لا سيما باطاره السياسي، لكنها بلا شك تعمل جاهدة على الامساك بزمام المبادرة من خلال تهيئة الظروف والارضيات والمناخات المناسبة ذلك.
بعبارة اخرى يمكن القول ان صورة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تختلف الى حد كبير عن صورة العقد التسعيني من القرن الماضي، عندما اقصيت جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر وألقي بقادتها ورموزها في السجون، رغم فوزها في الانتخابات، وعندما كانت حركة النهضة الاسلامية في تونس حركة محظورة، وزعيمها الاول راشد الغنوشي مطاردا، وهكذا بالنسبة للاخوان المسلمين في مصر ونظرائهم في بلدان عديدة مثل المغرب واليمن وسوريا والاردن، ناهيك عن العراق الذي كانت كل الحركات والقوى الاسلامية مستهدفة فيه، ومطاردة من قبل نظام حزب البعث ومنذ وقت مبكر، واكثر من ذلك كان الكثير من الشعائر والطقوس والممارسات العبادية ـ وخصوصا لابناء الطائفة الشيعية ـ غير مسموح به.
هذه التحولات الدراماتيكية الكبرى، التي ربما لم يدر في خلد الكثيرين حصولها بهذه الكيفية صاغت واقعاً جديداً، بدا واضحا منذ البداية، أن لا المجتمعات العربية مؤهلة له بما فيه الكفاية، ولا تيارات "الاسلام السياسي"، ولا الاطراف والقوى الخارجية الدولية والاقليمية ذات المصالح والحسابات والاجندات الخاصة المتقاطعة في بعض الاحيان فيما بينها والمتوافقة في احيان اخرى.
وهكذا راح البعض يتحدث عما اطلق عليه بالصدمة، والبعض راح يتحدث عن فوضى، والبعض الاخر راح يتحدث عن ازمة ـ او ازمات ـ في الطريق، وكل ذلك، كان وما زال وسيبقى واقعيا ومتوقعا، والحقائق الماثلة على الارض تؤكد كل ذلك او جزءا منه في ادنى التقادير.
والصدمة والفوضى والازمةـ الازمات ـ هي في الواقع تعبير عن اوضاع قلقة وغير مستقرة، تحتم وضع كل الخيارات والاحتمالات في الحسبان، لا سيما السيئة منها. بتعبير آخر اكثر وضوحا ودقة، ان هناك جملة تحديات تواجه تيارات "الاسلام السياسي" اكثر من غيرها في بلدان "الربيع العربي" وبلدان اخرى ربما تشهد نفس السيناريوهات.
ومن بين تلك التحديات:
- الانتقال من مرحلة النظام الديكتاتوري الى مرحلة النظام الديمقراطي، بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وهذا يتطلب وضع أطر نظرية سليمة ومقبولة، وبناء مؤسسات دستورية تضمن مشاركة سياسية واسعة، وتداولا سلميا للسلطة، وتوفير فضاء فسيح للحريات العامة.
- عرض نموذج إسلامي متوازن وعقلاني يتجاوز التشدد والتطرف والانغلاق واقصاء وتهميش وتغييب الآخر.
والمعروف عن تيارات "الاسلام السياسي" السني ـ السلفي تشددها وانغلاقها، وأكثر من ذلك ارتباط البعض منها بتنظيمات وجماعات ارهابية تتبنى العنف المسلح كمنهج في الترويج للدين الاسلامي، كما هو الحال مع تنظيم القاعدة، والى الان فإن هناك تيارات اسلامية سلفية واسلاميون يدافعون عن تنظيم القاعدة بكل ممارساته وسلوكياته ومنهجياته.
هذه التيارات ينبغي عليها في حال وصلت الى السلطة بمفردها او مع شركاء اخرين، ان توضح طبيعة ومواقفها وتوجهاتها المشار اليها لجماهير واسعة وعريضة دفعت ضرائب باهظة جراء العنف والارهاب "الاسلامي".
إشكالية الثقة بين تيارات "الاسلام السياسي" والجماهير تقتضي معالجات حقيقية، واعادة ترميم من قبل تلك التيارات نفسها عند وصولها الى السلطة، وهذه مهمة شائكة ومعقدة تعتريها الكثير من المصاعب والعراقيل.
- احتواء واستيعاب الآخر على اختلاف عناوينه وتوجهاته السياسية والثقافية والفكرية والدينية والمذهبية.
فهناك توجهات ومنظومات اجتماعية ـ ثقافية ـ فكرية تقف على مسافة بعيدة جدا عن التوجه الاسلامي - لا سيما المتشدد والمتطرف - وهذه المسافة البعيدة جدا، تعني وجود اختلافات وخلافات، تمثل ارضيات مناسبة لمشاكل وأزمات متعددة الوجوه في المجتمع، وتفجُّرُ تلك المشاكل والازمات يعني وجود خلل يعجز الممسكون بزمام السلطة عن معالجته وتلافيه.
ونجاح تيارات "الاسلام السياسي" في تجاوز تلك التحديات من شأنه ان يفضي الى تمهيد الطريق لمعادلات جديدة من جانب، ومن جانب اخر تغيير الصورة النمطية السلبية المترسخة في اذهان ملايين الناس في العالم الاسلامي وخارجه عن الحركات السياسية الاسلامية، وهي صورة تبلورت بفعل سلوكيات وممارسات خاطئة شوهت الدين الاسلامي وأفرغته من محتواه وجوهره الانساني والفكري العظيم.
بيد ان الحديث عن النجاح امر مبكر جدا وسابق لاوانه، فضلا عن ان معايير ومقاييس النجاح قضية قد تكون بحد ذاتها موضع خلاف واختلاف بين هذا الطرف او ذاك، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هناك إسلاما سياسيا سنيا وإسلاما سياسيا شيعيا، وهناك في كل بلد ظروف ومناخات سياسية واجتماعية وثقافية تختلف عنها في بلد اخر، وهناك تراكمات ومخلفات وعقد تاريخية هي الاخرى مختلفة من بلد ـ او مجتمع ـ الى اخر.