ارشيف من :آراء وتحليلات
الثقافة والمثقفون الجدد
تشكّل طبقة المثقفين مجموعة من الاشخاص الذين أخذوا على عاتقهم محاولة العمل على تصويب السلوكيات السياسية والاجتماعية في بلادهم انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم وبني أوطانهم. فدورهم إذن يتجسد في الرقابة أولاً ثم في نقد الأوضاع وأخيراً العمل على تغييرها أو محاولة تغييرها لما فيه مصلحة البلد وأهله.
ولذلك كنا نرى المثقفين في مقدمة المتظاهرين المطالبين بحقوقهم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها وفي مقدمة التظاهرات الداعمة لثورة في بلد ما أو حركة تصحيحية في بلد آخر أو استنكاراً لاعتقال ناشط في بلد أو مُصلح في بلد آخر.
هذه هي الصورة النمطية المختزنة للمثقف في الخيال ممزوجة بصورته جالساً في مكتبه يقرأ أو يكتب، أو حاضراً في ندوة ثقافية مستمعاً أو مشاركاً في نقاش ما، أو حتى مشاركاً في لقاء إذاعي أو تلفزيوني حول همّ من هموم الناس، أو موضوع فني أو أدبي أو سياسي.هذا هو دور المثقف الأساس والبنّاء والمفترض أن يكون. لكن تظهر في هذه الأيام مجموعة من المثقفين المتخلّين عن مسؤوليتهم المفترضة، كالكتّاب والصحافيين الذين نقرأ لهم في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية أو نشاهدهم على القنوات الفضائية وكل همهم محاولة بث التفرقة بين المواطنين مثيرين النعرات الطائفية والمذهبية والعصبية، أو مهاجمين المقاومة بأسلوب خالٍ من قواعد النقاش البنّاء.
من جهة أخرى توجد مجموعة من المثقفين العشوائيين السائرين على ما يفترضون أنه من مستلزمات المثقف السائر على "الموضة"، فهم يضعون على رقابهم الكوفية الفلسطينية في التظاهرات والمسيرات المتعلقة بحدث فلسطيني، فقط لأن واجبهم كمثقفين يستدعي ذلك، دون أن تكون فلسطين حاضرة لا في تفكيرهم ولا في نشاطاتهم، وهم يؤيدون ما يسمونه "الثورة السورية" لأن الموضة تفرض أن يؤيد المثقف كل ثورات العالم، وإلا تم اتهامه بالرجعية، دون أن يحاولوا التفكير في أسباب هذه "الثورة" أو توقّع النتائج المرعبة التي سوف تكون لها، ودون نظرٍ إلى الفظاعات والأعمال الوحشية لكثير من هؤلاء "الثوار" ودون دراسة لعقائدهم الفكرية المدمرة للأمة.
هؤلاء المثقفون لا مشكلة لديهم في اعتبار النظام في الجمهورية الإسلامية في إيران مشابهاً في "دكتاتوريته" و"طغيانه" كما يقولون لدكتاتورية وطغيان معمر القذافي سيئ الذكر، دون أن يدرسوا الكيان الديمقراطي للنظام الإيراني، متناسين عدد العمليات الانتخابية التي جرت في إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها، ولا مشكلة لديهم أيضاً في المساواة بين مجموعة سورية مجرمة بحزب إصلاحي في بلد ديمقراطي، ولا مشكلة لديهم في اعتبار هذا العميل المدعي صفة لها مكانة بمنزلة شخصية مارست قولا وفعلا تلك الصفة.
إنها ثقافة أن تكون مع "الموضة"، وإلا كنتَ متخلفاً في تفكيرك، متهماً في مبادئك، مطروداً من جنّة المثقفين الجدد.
فيصل الأشمر