ارشيف من :آراء وتحليلات
الثورة المصرية في مواجهة العسكر والقضاء: انقلاب وقح يطيح بخيارات الشعب
يشكل قرار المحكمة الدستورية في مصر ببطلان قانون العزل السياسي، وبطلان طريقة انتخاب ثلث اعضاء مجلس الشعب (البرلمان)، وبالتالي حله بحكم قضائي غير قابل للنقض او المراجعة، استكمالاً لعملية احتواء الثورة الشعبية المصرية التي دشن الجيش سلسلة خطواتها المدروسة والمنسقة، اولاً من خلال تحييد نفسه عن المواجهة مع الانتفاضة الجماهيرية وثانياً من خلال تأدية دور حماية المتظاهرين، وثالثاً من خلال توليه زمام السلطة المطلقة في البلاد بحيث أصبح القابض على ادارة الأمور بقرار من الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وقد لجأ المجلس العسكري الذي يرأسه وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، والذي كان أبرز أذرع النظام البائد، الى التماهي مع الخطاب الشعبي المستجد بحيث تمكن تدريجياً من تكوين انطباع بأن الثورة حققت أهدافها وأسقطت نظام مبارك وزجت ببعض رموزه في السجون، فيما تمكن آخرون من الفرار خارج البلاد. ولاحقاً انسحب المعتصمون من الميادين بعدما أطلق المجلس اول انتخابات تشريعية ديمقراطية في تاريخ مصر جاءت بأغلبية ساحقة من الاسلاميين الى السلطة التشريعية حيث فاز جناحاهم: الاخوان المسلمون والسلفيون بسبعين في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وفي حين كان يفترض ان تنبثق لجنة تأسيسية تنتج دستوراً جديداً للجمهورية المصرية يقضي على ما تبقى من أدوات التسلط السابقة، إلا أن عثرات كبيرة اعترضت ولا تزال تعترض تشكيل اللجنة التأسيسية. وأبرز ذريعة سوقت لتبرير التعثر هو سيطرة الاسلاميين على أغلبية أعضائها، مع العلم انهم يشكلون التعبير الديمقراطي الأكبر عن مزاج الشارع. وهكذا بقيت جمهورية الثورة بلا دستور جديد وذهبت البلاد الى انتخابات رئاسية هي الاولى من ناحية تعدديتها وفرص المرشحين فيها للفوز دون تدخلات.
لكن لعبة عملية الانقلاب الناعم "الوقح" على الثورة بقيت تشتغل بكل الأساليب من أجل تعطيل مفاعيل الثورة في الاستحقاق الأبرز المتمثل بانتخاب رئيس جديد للبلاد يقبض دستورياً على السلطة التنفيذية، باعتبار ان النظام الحالي هو نظام رئاسي للرئيس فيه حصة الاسد في السلطة التنفيذية، فأوكلت المهمة الى لجنة الانتخابات العليا بصفتها هيئة قضائية لاتخاذ قرارات نهائية وحاسمة للبت بأهلية المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، فكان أن وجهت ضربة قاسمة للتيار الاسلامي تمثلت بمنع المرشح الرسمي للإخوان المسلمين خيرت الشاطر من الترشح بحجة صدور قرار بحقه عن المحكمة العسكرية، ولم يردّ إليه اعتباره في القضية، بالرغم من أنه حصل على عفو فيها.
وقد لجأ المجلس العسكري الذي يرأسه وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، والذي كان أبرز أذرع النظام البائد، الى التماهي مع الخطاب الشعبي المستجد بحيث تمكن تدريجياً من تكوين انطباع بأن الثورة حققت أهدافها وأسقطت نظام مبارك وزجت ببعض رموزه في السجون، فيما تمكن آخرون من الفرار خارج البلاد. ولاحقاً انسحب المعتصمون من الميادين بعدما أطلق المجلس اول انتخابات تشريعية ديمقراطية في تاريخ مصر جاءت بأغلبية ساحقة من الاسلاميين الى السلطة التشريعية حيث فاز جناحاهم: الاخوان المسلمون والسلفيون بسبعين في المئة من مقاعد مجلس الشعب. وفي حين كان يفترض ان تنبثق لجنة تأسيسية تنتج دستوراً جديداً للجمهورية المصرية يقضي على ما تبقى من أدوات التسلط السابقة، إلا أن عثرات كبيرة اعترضت ولا تزال تعترض تشكيل اللجنة التأسيسية. وأبرز ذريعة سوقت لتبرير التعثر هو سيطرة الاسلاميين على أغلبية أعضائها، مع العلم انهم يشكلون التعبير الديمقراطي الأكبر عن مزاج الشارع. وهكذا بقيت جمهورية الثورة بلا دستور جديد وذهبت البلاد الى انتخابات رئاسية هي الاولى من ناحية تعدديتها وفرص المرشحين فيها للفوز دون تدخلات.
لكن لعبة عملية الانقلاب الناعم "الوقح" على الثورة بقيت تشتغل بكل الأساليب من أجل تعطيل مفاعيل الثورة في الاستحقاق الأبرز المتمثل بانتخاب رئيس جديد للبلاد يقبض دستورياً على السلطة التنفيذية، باعتبار ان النظام الحالي هو نظام رئاسي للرئيس فيه حصة الاسد في السلطة التنفيذية، فأوكلت المهمة الى لجنة الانتخابات العليا بصفتها هيئة قضائية لاتخاذ قرارات نهائية وحاسمة للبت بأهلية المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، فكان أن وجهت ضربة قاسمة للتيار الاسلامي تمثلت بمنع المرشح الرسمي للإخوان المسلمين خيرت الشاطر من الترشح بحجة صدور قرار بحقه عن المحكمة العسكرية، ولم يردّ إليه اعتباره في القضية، بالرغم من أنه حصل على عفو فيها.
وايضاً منعت مرشح حزب النور السلفي الشيخ حازم ابو اسماعيل من الترشح بذريعة أن امه تحمل الجنسية الأميركية. وايضاً اقصي مرشح حزب غد الثورة ايمن نور، وبقي في الحلبة مرشحو الصف الثاني من الاسلاميين موزعين بين محمد مرسي عن الاخوان وعبد المنعم ابو الفتوح المنشق عنهم، ليتشرذم الصوت الإسلامي بينهما. لكن الاشارة السيئة التي اعطاها القضاء المصري ممثلاً بلجنة الانتخابات تمثلت بفتح الباب امام آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك وهو احمد شفيق بالترشح رغم اقرار البرلمان بأغلبية ساحقة قانون العزل السياسي الذي يمنع على من تولى خلال السنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك مسؤولية رسمية من الترشح، وكان المستهدف به كل من رئيس الاستخبارات العامة عمر سليمان، الذي بقي حراً طليقاً ولم يسأل احد عن سبب عدم مساءلته، وأيضاً شفيق، وحينها ردت المحكمة الدستورية طلباً من رئاسة المجلس العسكري بعدم صلاحيتها بالنظر بقانون العزل المحال منه.
هكذا ذهب المصريون الى انتخابات لتصفية الحساب مع بقايا حكم مبارك، فتبين في خلاصة الاقتراع أن من تأهل للجولة الثانية هما مرشح الإخوان محمد مرسي ومرشح النظام البائد احمد شفيق. وكان ان لعب العسكر دوره في تجيير أصوات العسكريين لصالح شفيق وقاموا بما قاموا به ليضمنوا تأهله للدورة الثانية بعدما حقق تشرذم الصوت الاسلامي والثوري نتائجه بين ثلاثة هم: مرسي وابو الفتوح وحمدين صباحي.
لكن فجأة اصبحت المحكمة الدستورية مؤهلة للبت في قانون العزل بعدما أصبح المراجع أمامها هو احمد شفيق بصفته مرشحاً وبصفته مستهدفاً بالقرار، فجاء قرار المحكمة بعدم دستورية القانون ليعبد الطريق أمامه لاكمال جولة الاستكمال في السادس عشر والسابع عشر من الجاري أمام محمد مرسي، مع ما يمكن ان تحمله التدخلات والضغوط والاغراءات المالية والتلاعبات حيث شكلت استطلاعات الرأي احدى أبرز أدوات التأثير على خيارات الناخبين من خلال عمليات تضليل ممنهجة تولى ادارتها بعض وسائل الاعلام ممن يروج لتقدم شفيق على منافسه وغيرها من أساليب الحرب النفسية الممولة والموجهة خارجياً.
ولكن وفي حين كان متوقعاً ان تتكاتف القوى الثورية وتجمع أصواتها خلف مرسي من اجل الفوز بالرئاسة، سواء عبر صيغة اتفاق بين مرسي وابو الفتوح، تكتل اصوات الرجلين معاً ام بين مرسي وصباحي ام بين الثلاثة معاً، لتضييق الفرص امام شفيق الذي كان سيواجه في حال فوزه أزمة حكم تتمثل بسيطرة الغالبية الاسلامية والثورية على مجلس الشعب، وبالتالي استحالة تشكيل حكومة لا يتولاها اسلامي بسبب قدرة الاغلبية النيابية على تعطيل هذا الامر، تولت المحكمة الدستورية توجيه الضربة القاصمة الى الثورة المصرية عبر ابطالها نتائج انتخابات ثلث أعضاء مجلس الشعب وبالتالي اعتبار المجلس منحلاً ولا صفة قانونية له، مما يوجب اعادة الانتخابات التشريعية بعد الفراغ من الانتخابات الرئاسية، ما يعني ادخال البلاد في نفق المجهول.
هكذا ذهب المصريون الى انتخابات لتصفية الحساب مع بقايا حكم مبارك، فتبين في خلاصة الاقتراع أن من تأهل للجولة الثانية هما مرشح الإخوان محمد مرسي ومرشح النظام البائد احمد شفيق. وكان ان لعب العسكر دوره في تجيير أصوات العسكريين لصالح شفيق وقاموا بما قاموا به ليضمنوا تأهله للدورة الثانية بعدما حقق تشرذم الصوت الاسلامي والثوري نتائجه بين ثلاثة هم: مرسي وابو الفتوح وحمدين صباحي.
لكن فجأة اصبحت المحكمة الدستورية مؤهلة للبت في قانون العزل بعدما أصبح المراجع أمامها هو احمد شفيق بصفته مرشحاً وبصفته مستهدفاً بالقرار، فجاء قرار المحكمة بعدم دستورية القانون ليعبد الطريق أمامه لاكمال جولة الاستكمال في السادس عشر والسابع عشر من الجاري أمام محمد مرسي، مع ما يمكن ان تحمله التدخلات والضغوط والاغراءات المالية والتلاعبات حيث شكلت استطلاعات الرأي احدى أبرز أدوات التأثير على خيارات الناخبين من خلال عمليات تضليل ممنهجة تولى ادارتها بعض وسائل الاعلام ممن يروج لتقدم شفيق على منافسه وغيرها من أساليب الحرب النفسية الممولة والموجهة خارجياً.
ولكن وفي حين كان متوقعاً ان تتكاتف القوى الثورية وتجمع أصواتها خلف مرسي من اجل الفوز بالرئاسة، سواء عبر صيغة اتفاق بين مرسي وابو الفتوح، تكتل اصوات الرجلين معاً ام بين مرسي وصباحي ام بين الثلاثة معاً، لتضييق الفرص امام شفيق الذي كان سيواجه في حال فوزه أزمة حكم تتمثل بسيطرة الغالبية الاسلامية والثورية على مجلس الشعب، وبالتالي استحالة تشكيل حكومة لا يتولاها اسلامي بسبب قدرة الاغلبية النيابية على تعطيل هذا الامر، تولت المحكمة الدستورية توجيه الضربة القاصمة الى الثورة المصرية عبر ابطالها نتائج انتخابات ثلث أعضاء مجلس الشعب وبالتالي اعتبار المجلس منحلاً ولا صفة قانونية له، مما يوجب اعادة الانتخابات التشريعية بعد الفراغ من الانتخابات الرئاسية، ما يعني ادخال البلاد في نفق المجهول.
ومع ان البرلمان المنتخب هو برلمان الثورة ان صح التعبير، فإن اسقاطه تم استناداً الى دستور يفترض انه تم تعليق العمل به بعدما تقرر تشكيل هيئة تأسيسية لتدوين دستور جديد، وبالتالي فإن الثورة الآن تحاكم بمعايير دستورية وضعها النظام السابق. وعليه فإنه يمكن القول انه في حال تمكنت الجهات الداخلية والخارجية التي تقف وراء المجلس العسكري ومرشحه أحمد شفيق من ايصاله الى الرئاسة، فإنه بات بإمكان الطرفين اطالة أمد الأزمة الانتقالية وفرض ما يريدونه من شروط، بعدما أظهرت الاختبارات الميدانية والسياسية التي حصلت حتى الآن بين العسكر والتيار الاسلامي انحناء الأخير امام جميع العواصف واظهاره ضعفاً غير مبرر في ظل ما يملكه من قاعدة شعبية.
ولعل السكوت عن تمرير ترشيح احمد شفيق واقصاء الشاطر وابو اسماعيل كان مؤشراً فهمه الطرف الآخر على انه نقطة ضعف تم تثميرها في مزيد من الاجراءات بينها تعطيل الهيئة التأسيسية للدستور ومن ثم التوسع في تفسير ضعف التيار الاسلامي خصوصا والثوري عموماً، الى الحد الذي صدرت فيه الأحكام القضائية بحق كل من حسني مبارك ونجليه وكبار المسؤولين في وزارة الداخلية والأمن ممن برئوا من دم شهداء الثورة. وليس تهديد رئيس نادي القضاة وتعديه على صلاحية ممثلي الشعب بالتعبير عن آراءهم وتلويحه "بمعاقبتهم" بسبب اعتراضهم على احكام قضاته إلا دليل على المهمة القذرة التي يتولاها عتاة قضاة مبارك اليوم.
ولعل هذه "الانحناءة الثورية" ان صح التعبير امام الاحكام الاخيرة هي التي شجعت المحكمة الدستورية قبل أيام من الموعد المزمع لنهاية الفترة الانتقالية، على الانتصار لشفيق وتثبيت ترشيحه، وفي المقابل إلغاء الخيار الشعبي المتمثل بحل البرلمان بأكمله بحسب تاكيد المستشار ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والناطق باسم المحكمة ـ وفقاً لنص الحكم فإن انتخابات مجلس الشعب أجريت وفق نصوص قانونية ثبت عدم دستوريتها مما يعني أن تكوين المجلس كله باطل منذ انتخابه، والحكم نافذ دون حاجة إلى إجراءات أخرى لتنفيذه وفقاً لقانون المحكمة ما يعني حل البرلمان فوراً ـ في ظل توقعات برد فعل غير متناسب مع جسامة ما تتعرض له الثورة من اجهاض. وليس ابلغ من الاتجاه نحو مزيد من مصادرة الثورة هو التوجه نحو فرض الاحكام العرفية وتقويض الحقوق السياسية للمواطنين من خلال المرسوم الذى أعلنته وزارة العدل قبل يوم من قرار المحكمة الدستورية ويعطي ضباط وضباط صف المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضابطة القضائية في الجرائم التي يرتكبها مدنيون إلى حين إصدار الدستور، وهو ما يعكس بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية نية المجلس العسكرى الاحتفاظ بسلطاته حتى بعد تسليم السلطة.
ويكفي لفهم ما يجري ان فاروق سلطان الذي يرأس المحكمة الدستورية قد عين من قبل حسني مبارك، متخطياً وقتها القواعد المعمول بها، حيث اختير رئيساً للمحكمة من غير أعضائها في ظل عرف قضائي استقر على تولّي أقدم مستشاري المحكمة الدستورية رئاستها، وهو وصل إلى المنصب في عام 2009 بناءً على قرار جمهوري بعد تولي سلفه ممدوح مرعي منصب وزير العدل، فيما عدّته دوائر المعارضة في حينه مكافأة لمرعي على تزوير أول انتخابات رئاسية "تعددية" (شكلياً) في عام 2005، تولى خلالها منصب رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
واللافت ان سلطان كرر فعلة وزيره مرعي، فهو تنحى عن قضية النظر بدستورية الانتخابات وقانون العزل لانه شغل منصب رئاسة اللجنة العليا للانتخابات، وقام بما تقدم ذكره لاستهداف اقوى مرشحي الثورة للرئاسة وإقصائهم عنها. وبات مفهوماً الآن سبب عدم صدور تعديلات قانون السلطة القضائية التي كان يمكن ان تفضي الى انتخاب النائب العام من قبل الجمعيات العمومية لقضاة محاكم الاستئناف والنقض اضافة الى قصر اختصاصات وزير العدل على الشؤون الادارية.
هكذا باتت الثورة في مواجهة ثنائية القضاء والعسكر وهما العمادتان التي قام عليهما نظام مبارك: قبضة العسكر التي خطفت الانفاس والاصوات وزورت دائماً النتائج، والقضاء الذي وفر مظلة للمفسدين واللصوص الكبار من الملاحقة ومنحهم حصانة غير مسبوقة.
ولعل السكوت عن تمرير ترشيح احمد شفيق واقصاء الشاطر وابو اسماعيل كان مؤشراً فهمه الطرف الآخر على انه نقطة ضعف تم تثميرها في مزيد من الاجراءات بينها تعطيل الهيئة التأسيسية للدستور ومن ثم التوسع في تفسير ضعف التيار الاسلامي خصوصا والثوري عموماً، الى الحد الذي صدرت فيه الأحكام القضائية بحق كل من حسني مبارك ونجليه وكبار المسؤولين في وزارة الداخلية والأمن ممن برئوا من دم شهداء الثورة. وليس تهديد رئيس نادي القضاة وتعديه على صلاحية ممثلي الشعب بالتعبير عن آراءهم وتلويحه "بمعاقبتهم" بسبب اعتراضهم على احكام قضاته إلا دليل على المهمة القذرة التي يتولاها عتاة قضاة مبارك اليوم.
ولعل هذه "الانحناءة الثورية" ان صح التعبير امام الاحكام الاخيرة هي التي شجعت المحكمة الدستورية قبل أيام من الموعد المزمع لنهاية الفترة الانتقالية، على الانتصار لشفيق وتثبيت ترشيحه، وفي المقابل إلغاء الخيار الشعبي المتمثل بحل البرلمان بأكمله بحسب تاكيد المستشار ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والناطق باسم المحكمة ـ وفقاً لنص الحكم فإن انتخابات مجلس الشعب أجريت وفق نصوص قانونية ثبت عدم دستوريتها مما يعني أن تكوين المجلس كله باطل منذ انتخابه، والحكم نافذ دون حاجة إلى إجراءات أخرى لتنفيذه وفقاً لقانون المحكمة ما يعني حل البرلمان فوراً ـ في ظل توقعات برد فعل غير متناسب مع جسامة ما تتعرض له الثورة من اجهاض. وليس ابلغ من الاتجاه نحو مزيد من مصادرة الثورة هو التوجه نحو فرض الاحكام العرفية وتقويض الحقوق السياسية للمواطنين من خلال المرسوم الذى أعلنته وزارة العدل قبل يوم من قرار المحكمة الدستورية ويعطي ضباط وضباط صف المخابرات الحربية والشرطة العسكرية سلطة الضابطة القضائية في الجرائم التي يرتكبها مدنيون إلى حين إصدار الدستور، وهو ما يعكس بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية نية المجلس العسكرى الاحتفاظ بسلطاته حتى بعد تسليم السلطة.
ويكفي لفهم ما يجري ان فاروق سلطان الذي يرأس المحكمة الدستورية قد عين من قبل حسني مبارك، متخطياً وقتها القواعد المعمول بها، حيث اختير رئيساً للمحكمة من غير أعضائها في ظل عرف قضائي استقر على تولّي أقدم مستشاري المحكمة الدستورية رئاستها، وهو وصل إلى المنصب في عام 2009 بناءً على قرار جمهوري بعد تولي سلفه ممدوح مرعي منصب وزير العدل، فيما عدّته دوائر المعارضة في حينه مكافأة لمرعي على تزوير أول انتخابات رئاسية "تعددية" (شكلياً) في عام 2005، تولى خلالها منصب رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
واللافت ان سلطان كرر فعلة وزيره مرعي، فهو تنحى عن قضية النظر بدستورية الانتخابات وقانون العزل لانه شغل منصب رئاسة اللجنة العليا للانتخابات، وقام بما تقدم ذكره لاستهداف اقوى مرشحي الثورة للرئاسة وإقصائهم عنها. وبات مفهوماً الآن سبب عدم صدور تعديلات قانون السلطة القضائية التي كان يمكن ان تفضي الى انتخاب النائب العام من قبل الجمعيات العمومية لقضاة محاكم الاستئناف والنقض اضافة الى قصر اختصاصات وزير العدل على الشؤون الادارية.
هكذا باتت الثورة في مواجهة ثنائية القضاء والعسكر وهما العمادتان التي قام عليهما نظام مبارك: قبضة العسكر التي خطفت الانفاس والاصوات وزورت دائماً النتائج، والقضاء الذي وفر مظلة للمفسدين واللصوص الكبار من الملاحقة ومنحهم حصانة غير مسبوقة.
عبد الحسين شبيب