ارشيف من :آراء وتحليلات

قراءة في الانتخابات الرئاسية المصرية: هل نجحت واشنطن بشق صفوف الثورة واستنساخ نظام مبارك مجددا؟

قراءة في الانتخابات الرئاسية المصرية: هل نجحت واشنطن بشق صفوف الثورة واستنساخ نظام مبارك مجددا؟
منذ ان قام الشعب المصري بخلع الرئيس السابق حسني مبارك في ثورة 25 يناير والمحاولات الاميركية تتواصل دون انقطاع لاستيعاب الصدمة والفراغ الكبير الذي خلفه خسارتها لاحد اهم اعمدتها وركائزها في المنطقة على مدى ثلاثين عاماً. وهي سعت بداية بكل قواها لركوب موجة الثورة، فاستنفرت كل ادواتها ووسائلها ومنظماتها لتكون فاعلة على الارض ولاعباً اساسياً في استيلاد نظام حكم جديد يحافظ على مكتسباتها ومصالحها الحيوية ليس في مصر وحسب وانما في المنطقة بكاملها. وهي من اجل ذلك وضعت خطوطاً حمراء لا يجوز المساس بها من قبل اي نظام جديد يمكن ان يولد. معظم تلك الخطوط يتعلق بأمن الولاية الاميركية الواحدة والخمسين في المنطقة اي "اسرائيل". وفي هذا السياق، جهدت الادارة الاميركية لاستيعاب الثورة المصرية وتفتيت قواها بطرق ملتوية، من خلال ادخال رموزها في لعبة السلطة، لتتربع على العرش وتتحكم بمصير ومقدرات البلد. هذا الدهاء السياسي لم يقابله القيمون على الثورة في مصر بحنكة تضاهيه، فوقعت اغلبية التنظيمات في فخ السباق والصراع السياسي والانتخابي النيابي اولاً والرئاسي ثانياً، دون ان تتنبه هذه القوى لما حيك لها خلف الكواليس وفي الغرف السوداء المظلمة من مؤامرات جهنمية وشيطانية، تقتضي تحقيق الفرقة بين مكونات الثورة من اجل التسيد على مصر.
قراءة في الانتخابات الرئاسية المصرية: هل نجحت واشنطن بشق صفوف الثورة واستنساخ نظام مبارك مجددا؟
فمع رحيل مبارك، بدأ المجلس العسكري بتلميع صورته امام ابناء الثورة حتى لا يعتبر من مخلفات النظام السابق الذي بقي في الاصل محافظاً على بنيته وان كان قد خلع رأس الهرم. وهو لجأ في هذا الاطار الى سلسلة خطوات بدءاً من محاكمة مبارك، مروراً بفتح حوار بين رموز الثورة، وصولاً الى تنظيم انتخابات نيابية. وهنا كان المكمن، حيث ترك المجلس القوى والتنظيمات على الارض تعبر عن نفسها وتحصل على احجامها التمثيلية الحقيقية، ليكون هو قد اكتسب بذلك صدقية امام الجميع واظهر انه محايد، ما يبعد عنه اي تشكيك، ويجعله مؤهلاً باعتراف الجميع للاشراف على انتقال السلطة وتنظيم انتخابات رئاسية. وهذا ما حصل فعلاً، فمجريات الانتخابات الرئاسية التي تخاض هذه الايام، تظهر ان رموز النظام السابق ومعهم المجلس العسكري وان من خلف الستار توحدوا جميعهم خلف ما سمي مرشح "العسكر" احمد شفيق بمواجهة مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي. فيما توحي جميع المؤشرات بأن ثمة قراراً اقليمياً ودولياً يعلو صوته على صوت الشعب المصري يجهد لايصال شفيق وتنصيبه رئيساً لمصر من خلال مسرحية انتخابية محكمة الاخراج، تنتهي بتصفيق دولي وترحيب واعتراف بهذا الفوز بما يضفي على شفيق شرعية دولية بعدما يكون قد حاز على شرعية شعبية "مفبركة ومزورة" وفاز بزخم الثورة المصرية.

من هنا فان مجريات وسير العملية الانتخابية افضى الى دلائل كثيرة، حول احتمال عودة شفيق للرئاسة خصوصاً وانه كان شخصياً قد ابدى ثقة عارمة بالنفس بهذا الشأن، كما انه تلقى دعماً كبيراً من الدول الغربية والخليجية، فالوعود التي اطلقها وبنى على أساسها برنامجه الانتخابي تظهر ان ثمة مساعدات مالية ضخمة مرصودة له بحال فوزه بالانتخابات الرئاسية. هذا أولاً, اما ثانياً فان بنية النظام السابق لا تزال موجودة وتقوم بالاشراف على الانتخابات ما يجعلها تشكل رافعة قوية للمرشح احمد شفيق، خصوصاً وان هامش التزوير في نتائج الانتخابات مضمون لصالح الاخير بشكل كبير، وهو ما ظهرت بوادره وانكشفت معالمه خلال اليومين الانتخابيين سواء من خلال الحبر السري ام مسألة وجود متوفين على لوائح الشطب، ما يؤكد ان ثمة قراراً اميركياَ واسرائيلياً لن يسمح للاخوان بالوصول الى كرسي الرئاسة مهما كلف الامر.

في مقابل ذلك، فان مشكلة الاخوان انهم لم يتقنوا ادارة اللعبة السياسية ولم يحسنوا تنظيم معركتهم الانتخابية، بينما كان حرياً بهم بعدما استشعروا ان ثمة حربا ًكونية تخاض بوجههم من خلال المرشح احمد شفيق، ان يحاولوا استقطاب شرائح الثورة والاحزاب الرئيسية فيها لتكون في صفهم، بدلاً من الاستئثار بالسلطة الذي استحكم على عقلية الاخوان وجعلهم يلجأون الى تهميش القيادات الوطنية والقومية الاخرى وهو ما وضعها في مواجهتهم او في احسن الاحوال جعلها تقف على الحياد وتعلن مقاطعة الانتخابات، وهو ما يسري ايضاً على التنظيم الداخلي للاخوان، حيث ظهر تضعضعهم وتشتت صفوفهم بعدما استبعدوا مثلاً مرشح السلفيين حازم صلاح ابو اسماعيل. هذا فضلاً عن ان اختيار المرشح محمد مرسي لم يكن خياراً موفقاً مقابل احمد شفيق الذي يتمتع بكاريزما قوية.

اما الضربة القاصمة للاخوان فقد جاءت من المجلس العسكري عشية الانتخابات الرئاسية من خلال اعلان المحكمة الدستورية العليا عن حل مجلس الشعب ما اعاد خلط الاوراق بمجملها، وبالاجهاز على مجلس الشعب يكون قد تم اقصاء الاخوان المسلمين عن الحكم واستيلاد مجلس جديد لا يكون فيه غلبة للاخوان، وبذلك تكون خسارة الاخوان مضاعفة. اما في حال وصول شفيق للرئاسة فيكون المجلس العسكري قد حقق انتقالاً للسلطة عبر الشعب وأعاد استنساخ نظام مبارك بشكل اقوى مما كان عليه في السابق وبرأ نفسه مسبقاً من اي تبعات يمكن ان يحمّله اياها البعض لاحقاّ.

وبغض النظر عما اذا كان الاخوان جاهزين فعلاً لتولي الحكم والرئاسة نظراً لحجم التحديات الكبرى التي تنتظرهم والاستحقاقات التي تفرض نفسها وتتطلب اجابة حولها، كونها لا تحتمل تدوير الزوايا او اللغة الدبلوماسية، وبغض النظر عن مدى اقتناعهم بانهم قادرون على ممارسة السلطة من خلال دولة يفترض انها تتناقض مع مبادئهم الشرعية والدينية، فان ثمة قراراً غربياً وعربياً يمنعهم من تحقيق ذلك، واصحاب هذا القرار مستعدون لاستخدام كل اوراقهم لمنع وصول الاخوان الى الرئاسة وهو ما ينذر ببوادر ثورة جديدة من شأنها اذا ما حصلت الاطاحة ببقايا النظام السابق. اما اذا حصل العكس وتحققت المفاجأة بوصول مرشح الاخوان محمد مرسي الى كرسي الرئاسة، فان الغرب جاهز ايضاً لاستنساخ نموذج حصار وعزل "حماس" في قطاع غزة واسقاطه على مصر. لذا كان من الافضل ربما لو انسحب الاخوان من السباق الانتخابي ولم يخوضوا الانتخابات الرئاسية الا وفق قواعد واضحة واكثر شفافية، بعدما يكونون قد كسبوا في صفهم تكتلاً من اطياف متنوعة، لان المخطط يقضي بعزلهم واظهارهم وكانهم منزوون، من اجل القول بانهم "متزمتون"، وانهم يريدون دولة اسلامية في مصر وهو ما شكل "نقزة" للطوائف الاخرى دفعتها لتصب اصواتها دفعة واحدة في الجهة المقابلة تحت عنوان الدولة المدنية.

باختصار، فان معركة الرئاسة المصرية تختزل تصارعاً بين عناوين متعددة بين "العسكر" و"الاخوان"، بين الدولة المدنية والاسلامية، بين "الثورة" ومخلفات نظام مبارك، بين الشعب المصري بشرعيته الشعبية والشرعية الدولية والاقليمية، بين مصالح مصر ومصالح اميركا واسرائيل، كل هذه العناوين وفي ضوء ما ستفضي اليه نتائج الانتخابات المصرية تدفع للتساؤل عما اذا كانت الادارة الاميركية قد كسبت الجولة ونجحت باستيعاب وتطويع الثورة المصرية لصالحها، ام ان الثورة لا تزال قادرة بزخمها على ان تأخذ زمام المبادرة وتعيد انتاج السلطة السياسية بعيداً عن التدخلات الخارجية ووفق حسابات المصلحة المصرية الصرفة.

علي عوباني
2012-06-17