ارشيف من :آراء وتحليلات
المملكة السعودية القلقة: تحدي الخلافة والإصلاحات والتراجع الأميركي
تمر المملكة العربية السعودية في وضع لا تحسد عليه من حيث مثلث التحديات التي تواجهها وتضعها دائماً في بؤرة الأضواء المسلطة عليها من أكثر من مصدر.
التحدي الاول يكمن في الاسئلة القلقة الدائمة عن المآلات التي ستنتهي اليها السلطة، ودفة القيادة في ضوء بلوغ ما تبقى من أبناء الملك عبد العزيز الستة والثلاثين مرحلة الشيخوخة العمرية والسياسية ايضاً، والتي ترجمت بوفاة وليين للعهد هما الأميران سلطان ونايف ابني عبد العزيز في غضون ثمانية أشهر، وبالتالي تقفز في مناسبة كل وفاة مسألة الحكم ومن سيتقلده وكيف سيكون عليه وضع البلاد.
واذا كان الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز البالغ من العمر 89 عاماً قد استشعر مخاطر المرحلة القادمة على استقرار المملكة واحتمال حدوث خلافات وانقسامات بين جيل الأحفاد بعد اكتمال عقد رحيل الآباء، فإنه شكل هيئة للبيعة عام 2007 تضم 35 عضواً بينهم 18 من أبناء الملك عبد العزيز والبقية من الأحفاد الذين توفي آباؤهم، مهمتها ضمان استقرار انتقال السلطة وتوليها مهمة اختيار ولي للعهد، ولكن لا تطبق نتائج هذه الهيئة رسمياً إلا بوفاة الملك عبد الله. وبغض النظر عن هذه الهيئة المجمدة الصلاحيات والتي مرت باستحقاقي وفاة الأمير سلطان وأخيراً الأمير نايف ـ لم تجتمع الهيئة ولم تقم بدورها في انتخاب ولي للعهد من بين من يحق لهم هذا المنصب ـ صدر أمر ملكي قضى في المرة الأولى بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء. وايضاً بعد وفاة الاخير بادر الملك عبد الله الى اصدار امر مماثل اذاعه التلفزيون الرسمي وقضى بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز البالغ من العمر 76 عاماً ولياً للعهد ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع. فيما عُيّن أخوه الامير أحمد بن عبد العزيز وزيراً للداخلية خلفاً لنايف في هذا المنصب، حيث كان يشغل منصب نائب له، لكن المرسوم لم يتضمن تعيين الأمير احمد نائباً ثانياً لرئيس الوزراء.
وهكذا باتت الأنظار متجهة الى من سيعين في منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء باعتبار أنه هو من يتولى إدارة المملكة في أوقات غياب الملك وولي عهده عن البلاد. وقد أثيرت اسئلة عديدة حول سبب عدم تعيين الأمير محمد بن نايف في منصب وزير الداخلية خلفاً لوالده كونه الرجل الأقوى فيها والممسك بالملف الأمني بصفته مساعداً لوالده. لكن وبتعيين الأمير احمد الشقيق الصغير للملك يكتمل عقد تولي الأبناء السديريين للملك عبد العزيز (سبعة ابناء من زوجته حصة السديري) مفاصل الحكم في البلاد، من الملك الى ولي العهد سلمان، الى الامير مشعل رئيس هيئة البيعة إلى الأمير مقرن رئيس الاستخبارات، بعدما رحل الثلاثة الآخرون وهم فهد وسلطان ونايف. ومن غير المعروف ما اذا كان تعيين الامير أحمد سيؤدي الى تغييرات في تعيينات وزارة الداخلية والمناصب الحساسة فيها، وكيف سيكون عليه وضع الأمير محمد بن نايف بعدما كان يعتبر من الأمراء الأقوياء في المملكة.
وبانتظار اكتمال عقد التعيينات فإن الخلاصة الأولية التي انتهت اليها الأوامر الملكية هي إبقاء هيئة البيعة حبراً على ورق دون أن تمارس أياً من أدوارها، الأمر الذي أدى سابقاً الى خروج الأمير طلال بن عبد العزيز وهو شقيق للملك من عضويتها وتوجيهه انتقادات لآلية اختيار الخلف بعد تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. كذلك شهدت عملية تعيين نايف آنذاك رفضاً من قبل أخيه الامير عبد الرحمن الأمر الذي أدى الى اعفاء الملك عبد الله للأخير من منصبه كنائب لوزير الدفاع بعد رفضه تقديم البيعة للامير نايف.
وهكذا فإن تجميد صلاحيات هيئة البيعة يقود الى الحديث عن التحدي الثاني الذي تواجهه المملكة والمتمثلة بعمليات الانتقال الديمقراطي الجارية في الشرق الاوسط والتي اطاحت بأنظمة حليفة جداً للعائلة المالكة في الرياض، وهو ما تم مواكبته من الخبراء والمحللين ووسائل الاعلام الغربية والعربية بتساؤلات عما يمكن ان تشهده المملكة من تحركات ومطالبات شعبية بتطوير نظامها السياسي وادخال الديمقراطية والانتخابات الى قاموسها وغيرها من الحقوق الأساسية التي خرجت بها ثورات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي.
وقد اثار ذلك شهية الكثيرين من المواطنين السعوديين ليبدأوا سلسلة مطالبات اصلاحية، ليس ابسطها في العقد الثاني من الألفية الثانية تنظيم آلاف النسوة حركة احتجاجية ولو مكبوتة لممارسة حقهن في قيادة السيارات الممنوعة في السعودية على النساء. وفي وقت تبدو فيه قيادة المملكة متحمسة وداعمة للتغيير في سوريا على سبيل المثال فإن ذلك سيدعو حكماً مواطنيها الطامحين الى تغيير جذري في آليات الحكم وتداوله، لكي يصيبهم من الربيع العربي ما أصاب دولاً اخرى مثل تونس ومصر واليمن. لكن مشكلة المملكة في البلدان الثلاثة الأخيرة انها وقفت على الدوام داعمة ومؤيدة لانظمة زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح. وهي اذ تمكنت من تأمين ملجأ آمن لـ"بن علي" الفار من عدالة الشعب التونسي، فإن عينها لا تزال على كيفية تنحية حسني مبارك كما فعلت مع علي عبد الله صالح بعدما ضغطت لفرض تسوية تضمن منع أي جهة يمنية من مساءلته ومحاكمته. وعليه منذ انطلاق الثورات العربية والاسئلة تطرح عن ثورة مماثلة يمكن ان تنفجر في المملكة السعودية لأسباب عديدة يستفيض الصحفيون والخبراء الغربيون في شرحها، ويقولون إن هذا الامر لا بد آت. وبين الخبراء من ينتظر رحيل جيل الآباء الذين بات أغلبهم في مرحلة الشيخوخة، ومن ثم انتقال السلطة الى جيل الأبناء وما يمكن ان يؤديه ذلك من خلافات وتضعضع في تماسك الاسرة المالكة ـ الحاكمة لتفتح المجال أمام المواطنين السعوديين ليعبروا عن رأيهم ورغبتهم بدولة ديمقراطية يمارسون فيها ما لهم من حقوق سياسية اسوة بغيرهم من المواطنين في دول العالم، أبعد بكثير من حق المرأة في قيادة السيارات.
اما التحدي الثالث الذي تواجهه المملكة فيتعلق بوضعها الاقليمي ومنسوب الحصانة الدولية الموفر لها من الحليف الأميركي، حيث طرحت ولا تزال تطرح اسئلة كثيرة عن مدى نفوذه وفعاليته في وقت تشهد فيه الهيمنة الاميركية مزيداً من التراجع على المستوى العالمي بعد اخفاقها في حروبها الأخيرة في الشرق الأوسط لا سيما افغانستان والعراق. وقد نوقشت فرضيات كثيرة عما يمكن ان تفعله الولايات المتحدة لحماية الحكم السعودي بعدما أخفقت في حماية حكم مبارك وبن علي، لا سيما في ظل ميل أميركي مستمر لعقد الصفقات على حساب حلفائها، أو تسليمها بالأمر الواقع وفرارها من مناطق المواجهة كما فعلت في العراق ولبنان. وفي هذا السياق ثمة ملفات ساخنة تحيط بالمملكة من اغلب جهاتها الحدودية، بدءاً من اليمن والبحرين والعراق فضلاً عن تحدي الأمن في منطقة الخليج، وصولاً الى ازمات سوريا ولبنان وفلسطين، التي لم يظهر فيها تأدية الديبلوماسية السعودية أدواراً فعالة ومجدية تحفظ مصالح المملكة او حتى حلفائها، فكيف سيكون الأمر عليه في ظل تراجع الدور الأميركي وفي ظل تشابك مصالح الأطراف الدوليين الجدد على الساحة العالمية، وفي ظل ميل السعوديين نحو إصلاح نظام بلدهم السياسي، واحتمالات التضعضع في أوضاع العائلة المالكة بعد اقتراب موعد حكم الأحفاد؟
عبد الحسين شبيب
التحدي الاول يكمن في الاسئلة القلقة الدائمة عن المآلات التي ستنتهي اليها السلطة، ودفة القيادة في ضوء بلوغ ما تبقى من أبناء الملك عبد العزيز الستة والثلاثين مرحلة الشيخوخة العمرية والسياسية ايضاً، والتي ترجمت بوفاة وليين للعهد هما الأميران سلطان ونايف ابني عبد العزيز في غضون ثمانية أشهر، وبالتالي تقفز في مناسبة كل وفاة مسألة الحكم ومن سيتقلده وكيف سيكون عليه وضع البلاد.
واذا كان الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز البالغ من العمر 89 عاماً قد استشعر مخاطر المرحلة القادمة على استقرار المملكة واحتمال حدوث خلافات وانقسامات بين جيل الأحفاد بعد اكتمال عقد رحيل الآباء، فإنه شكل هيئة للبيعة عام 2007 تضم 35 عضواً بينهم 18 من أبناء الملك عبد العزيز والبقية من الأحفاد الذين توفي آباؤهم، مهمتها ضمان استقرار انتقال السلطة وتوليها مهمة اختيار ولي للعهد، ولكن لا تطبق نتائج هذه الهيئة رسمياً إلا بوفاة الملك عبد الله. وبغض النظر عن هذه الهيئة المجمدة الصلاحيات والتي مرت باستحقاقي وفاة الأمير سلطان وأخيراً الأمير نايف ـ لم تجتمع الهيئة ولم تقم بدورها في انتخاب ولي للعهد من بين من يحق لهم هذا المنصب ـ صدر أمر ملكي قضى في المرة الأولى بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء. وايضاً بعد وفاة الاخير بادر الملك عبد الله الى اصدار امر مماثل اذاعه التلفزيون الرسمي وقضى بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز البالغ من العمر 76 عاماً ولياً للعهد ونائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع. فيما عُيّن أخوه الامير أحمد بن عبد العزيز وزيراً للداخلية خلفاً لنايف في هذا المنصب، حيث كان يشغل منصب نائب له، لكن المرسوم لم يتضمن تعيين الأمير احمد نائباً ثانياً لرئيس الوزراء.
وهكذا باتت الأنظار متجهة الى من سيعين في منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء باعتبار أنه هو من يتولى إدارة المملكة في أوقات غياب الملك وولي عهده عن البلاد. وقد أثيرت اسئلة عديدة حول سبب عدم تعيين الأمير محمد بن نايف في منصب وزير الداخلية خلفاً لوالده كونه الرجل الأقوى فيها والممسك بالملف الأمني بصفته مساعداً لوالده. لكن وبتعيين الأمير احمد الشقيق الصغير للملك يكتمل عقد تولي الأبناء السديريين للملك عبد العزيز (سبعة ابناء من زوجته حصة السديري) مفاصل الحكم في البلاد، من الملك الى ولي العهد سلمان، الى الامير مشعل رئيس هيئة البيعة إلى الأمير مقرن رئيس الاستخبارات، بعدما رحل الثلاثة الآخرون وهم فهد وسلطان ونايف. ومن غير المعروف ما اذا كان تعيين الامير أحمد سيؤدي الى تغييرات في تعيينات وزارة الداخلية والمناصب الحساسة فيها، وكيف سيكون عليه وضع الأمير محمد بن نايف بعدما كان يعتبر من الأمراء الأقوياء في المملكة.
وبانتظار اكتمال عقد التعيينات فإن الخلاصة الأولية التي انتهت اليها الأوامر الملكية هي إبقاء هيئة البيعة حبراً على ورق دون أن تمارس أياً من أدوارها، الأمر الذي أدى سابقاً الى خروج الأمير طلال بن عبد العزيز وهو شقيق للملك من عضويتها وتوجيهه انتقادات لآلية اختيار الخلف بعد تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء. كذلك شهدت عملية تعيين نايف آنذاك رفضاً من قبل أخيه الامير عبد الرحمن الأمر الذي أدى الى اعفاء الملك عبد الله للأخير من منصبه كنائب لوزير الدفاع بعد رفضه تقديم البيعة للامير نايف.
وهكذا فإن تجميد صلاحيات هيئة البيعة يقود الى الحديث عن التحدي الثاني الذي تواجهه المملكة والمتمثلة بعمليات الانتقال الديمقراطي الجارية في الشرق الاوسط والتي اطاحت بأنظمة حليفة جداً للعائلة المالكة في الرياض، وهو ما تم مواكبته من الخبراء والمحللين ووسائل الاعلام الغربية والعربية بتساؤلات عما يمكن ان تشهده المملكة من تحركات ومطالبات شعبية بتطوير نظامها السياسي وادخال الديمقراطية والانتخابات الى قاموسها وغيرها من الحقوق الأساسية التي خرجت بها ثورات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي.
وقد اثار ذلك شهية الكثيرين من المواطنين السعوديين ليبدأوا سلسلة مطالبات اصلاحية، ليس ابسطها في العقد الثاني من الألفية الثانية تنظيم آلاف النسوة حركة احتجاجية ولو مكبوتة لممارسة حقهن في قيادة السيارات الممنوعة في السعودية على النساء. وفي وقت تبدو فيه قيادة المملكة متحمسة وداعمة للتغيير في سوريا على سبيل المثال فإن ذلك سيدعو حكماً مواطنيها الطامحين الى تغيير جذري في آليات الحكم وتداوله، لكي يصيبهم من الربيع العربي ما أصاب دولاً اخرى مثل تونس ومصر واليمن. لكن مشكلة المملكة في البلدان الثلاثة الأخيرة انها وقفت على الدوام داعمة ومؤيدة لانظمة زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح. وهي اذ تمكنت من تأمين ملجأ آمن لـ"بن علي" الفار من عدالة الشعب التونسي، فإن عينها لا تزال على كيفية تنحية حسني مبارك كما فعلت مع علي عبد الله صالح بعدما ضغطت لفرض تسوية تضمن منع أي جهة يمنية من مساءلته ومحاكمته. وعليه منذ انطلاق الثورات العربية والاسئلة تطرح عن ثورة مماثلة يمكن ان تنفجر في المملكة السعودية لأسباب عديدة يستفيض الصحفيون والخبراء الغربيون في شرحها، ويقولون إن هذا الامر لا بد آت. وبين الخبراء من ينتظر رحيل جيل الآباء الذين بات أغلبهم في مرحلة الشيخوخة، ومن ثم انتقال السلطة الى جيل الأبناء وما يمكن ان يؤديه ذلك من خلافات وتضعضع في تماسك الاسرة المالكة ـ الحاكمة لتفتح المجال أمام المواطنين السعوديين ليعبروا عن رأيهم ورغبتهم بدولة ديمقراطية يمارسون فيها ما لهم من حقوق سياسية اسوة بغيرهم من المواطنين في دول العالم، أبعد بكثير من حق المرأة في قيادة السيارات.
اما التحدي الثالث الذي تواجهه المملكة فيتعلق بوضعها الاقليمي ومنسوب الحصانة الدولية الموفر لها من الحليف الأميركي، حيث طرحت ولا تزال تطرح اسئلة كثيرة عن مدى نفوذه وفعاليته في وقت تشهد فيه الهيمنة الاميركية مزيداً من التراجع على المستوى العالمي بعد اخفاقها في حروبها الأخيرة في الشرق الأوسط لا سيما افغانستان والعراق. وقد نوقشت فرضيات كثيرة عما يمكن ان تفعله الولايات المتحدة لحماية الحكم السعودي بعدما أخفقت في حماية حكم مبارك وبن علي، لا سيما في ظل ميل أميركي مستمر لعقد الصفقات على حساب حلفائها، أو تسليمها بالأمر الواقع وفرارها من مناطق المواجهة كما فعلت في العراق ولبنان. وفي هذا السياق ثمة ملفات ساخنة تحيط بالمملكة من اغلب جهاتها الحدودية، بدءاً من اليمن والبحرين والعراق فضلاً عن تحدي الأمن في منطقة الخليج، وصولاً الى ازمات سوريا ولبنان وفلسطين، التي لم يظهر فيها تأدية الديبلوماسية السعودية أدواراً فعالة ومجدية تحفظ مصالح المملكة او حتى حلفائها، فكيف سيكون الأمر عليه في ظل تراجع الدور الأميركي وفي ظل تشابك مصالح الأطراف الدوليين الجدد على الساحة العالمية، وفي ظل ميل السعوديين نحو إصلاح نظام بلدهم السياسي، واحتمالات التضعضع في أوضاع العائلة المالكة بعد اقتراب موعد حكم الأحفاد؟
عبد الحسين شبيب