ارشيف من :آراء وتحليلات

الفساد في أوروبا يعرقل التغلب على الأزمة

الفساد في أوروبا يعرقل التغلب على الأزمة
صوفيا ـ جورج حداد*

جاء في تقرير لمؤسسة "ترانسبيرانسي انترناشونال"، نقلته وكالة رويترز، ان اوروبا تعتبر نفسها انها احد الاقاليم الاقل اصابة بالفساد في العالم. ومع ذلك، يشير التقرير إلى انها لا تستطيع ضبط اللوبيات (كتل الضغط) ولا جعل المواطنين يحصلون على المعلومات بسهولة، ما يسمح للنخب السياسية والبيزنيسية بأن تستحوذ على الاموال بطرق غير مشروعة. ويستنتج التقرير: ان الفساد في اوساط تلك النخب، ولا سيما في البلدان الاوروبية الواقعة على البحر الابيض المتوسط، يمكن ان يضعف تلك البلدان ويصعّب عليها الخروج من الازمة المتفاقمة في منطقة اليورو".

لقد مضى على اندلاع ازمة المديونية اكثر من سنتين ونصف السنة، والفساد يعني ان الاموال العامة المحدودة يجري انفاقها بطريقة غير فعالة، ويمكن ان يتم الاستحواذ عليها في الوقت الذي تتلاشى فيه المداخيل الحكومية بسرعة، بسبب البطالة القياسية.

ويقول الخبير فين هاينريخ من "ترانسبيرانسي انترناشونال" ان بلدانا ذات دفاع ضعيف ضد الفساد يمكن ان تعاني اكثر من غيرها من المشكلات المتعلقة بالدين العام في الوقت الراهن. وهو يضيف: ان المؤسسات المحاسبية تبدو ضعيفة بشكل خاص وهي على الاغلب غير مستقلة عن الحكومات.

وجاء في تقرير المؤسسة ان اليونان، ايطاليا، البرتغال واسبانيا، وهي الدول التي تعاني اكثر من غيرها من دول منطقة اليورو من المشكلات المالية الكبيرة، تعاني من مشكلات متجذرة بعمق، مرتبطة بالادارة العامة، التي لا يبدو ان ممثليها يلتزمون بالمسؤولية عن افعالهم.

ويقول التقرير انه بالرغم من انه لا يمكن الحديث عن اعمال غير قانونية، فإن القادة السياسيين والبيزنسيين يستخدمون نفوذهم لاجل كسب عقود وإمرار سياسات معينة، اما البرلمانات فهي في الغالب لا تنجح في فرض تطبيق القوانين والقواعد السارية لاجل مكافحة الرشوة.

الفساد في أوروبا يعرقل التغلب على الأزمة

ويلاحظ تقرير "ترانسبيرانسي انترناشونال" انه "لم يعد بالامكان الاستخفاف بالعلاقة بين الفساد والازمة المالية والعملوية المستمرة في البلدان المعنية".

وحسب تقديرات مجلس اوروبا فإن الفساد يكلف الاتحاد الاوروبي حوالى 120 مليار يورو (150 مليار دولار) سنويا. ان صفقات الخصخصة تخلق الارضية الملائمة للاستحواذ على الاموال. وتحذر "ترانسبيرانسي انترناشونال" من ان برامج الخصخصة في اليونان والبرتغال تخاطر بأن لا يبقى الا القليل من المال لاجل دفع الديون وسد العجوزات.

ان الحكومات يمكن ان لا تحصل من الاموال بمقدار ما هو متوقع، لانها تستفيد من خدمات عدد محدد من الناس، القريبين من الشركات الخاصة، وليس من خدمات المجتمع بشكل عام، حسبما يقول مدير الابحاث في مؤسسة "ترانسبيرانسي انترناشونال".

انه من الصعب قياس معدلات الفساد، ولكن 74% من الاوروبيين يشيرون الى هذه المشكلة المتفاقمة في بلدانهم، حسب الاستطلاع الذي اجرته مؤخرا مؤسسة "البارومتر الاوروبي". وقد وصفت المفوضية الاوروبية الفساد بأنه "مرض، يدمر البلد المعين من داخله".

وتعتبر "ترانسبيرانسي انترناشونال" ان المشكلة لا تقتصر على دول جنوب اوروبا. فالعديد من دول اوروبا الغربية والشمالية ليست لديها وكالات عاملة مناسبة لمكافحة الفساد. كما ان السويد وسويسرا الغنيتين ليست لديهما قواعد ملزمة لضبط الهبات الخاصة للاحزاب السياسية.

ويقول التقرير ان القوانين في هولندا "ليست مناسبة بتاتا". وان تدابير منع الهبات من قبل الشركات في بلجيكا وفرنسا هي غير فعالة، لان التمويل يمكن ان يتم بقنوات اخرى غير شفافة.

ويشير التقرير الى ان نفوذ اللوبيات (الكتل الضاغطة) هو محاط بالاسرار، وان 3000 لوبي معروفة في بروكسل ينبغي ان يتم الزامها بأن تسجل في سجل واحد، بدلا من سجلات طوعية مختلفة كما هو الحال الان.

ويقول فين هاينريخ "ان انزعاج الاوروبيين لا يتأتى فقط من الفساد الكامن في سلك الشرطة او ما شابه ذلك، بل هم ينظرون الى الفساد من زاوية العلاقات الوثيقة بين النخبة السياسية وقطاع البيزنيس. ولكن القادة الاوروبيين لا يأخذون ذلك بالحسبان".

هذا ومن جهة ثانية ادى تفاقم الازمة الاقتصادية وتدابير التقشف في اوروبا الى تخفيض القدرات الانتاجية ومعدلات الاستهلاك الشعبي. وعلى سبيل المثال انعكس ذلك على تخفيض استيراد الغاز المسيل من روسيا بنسبة 12%، فانخفض الاستيراد من 58 مليار متر مكعب في الثلاثة الاشهر الاولى من عام 2011 الى 51 مليار متر مكعب في الثلاثة الاشهر الاولى من السنة الجارية 2012. وهذا ما صرح به للصحفيين الكسيي ميلر رئيس الشركة الروسية العملاقة "غازبروم".

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب لبناني مستقل
2012-06-22