ارشيف من :آراء وتحليلات

"اكسون موبيل" تزيد الطين بلة

"اكسون موبيل" تزيد الطين بلة
بغداد: عادل الجبوري

دخل عنصر جديد ـ قديم ـ على خط الازمة السياسية الحادة في العراق ليزيد الأمور تعقيداً، ويبدد اي فرص ممكنة للحل والانفراج.
"اكسون موبيل" عملاق صناعة النفط الاميركية الاولى في العالم، هي عنصر التأزيم الجديد ـ القديم الذي دخل على الخط.. كيف ولماذا؟..
طبيعة الاصطفافات السياسية الاخيرة على خلفية موضوع سحب الثقة عن رئيس الوزراء نوري المالكي (القائمة العراقية والتحالف الكردستاني)، فتحت الباب واسعاً لمحافظة نينوى التي تهيمن على ادارتها القائمة العراقية، للدخول في مفاوضات مع شركة اكسون موبيل ومع حكومة اقليم كردستان بخصوص إبرام عقود لاستثمار عدة حقول نفطية يقع بعضها ضمن حدود الإقليم وبعضها الآخر ضمن المناطق المتنازع عليها في نينوى.

قد تبدو مفارقة تستحق وقفة طويلة، تلك التي مثلها التغير الدراماتيكي في موقف محافظة نينوى حيال السياسات الكردية، علماً انه حتى وقت قريب كان الخلاف هو سيد الموقف بين العرب والاكراد في مجلس محافظة نينوى وعلى الارض، حول المناطق المتنازع عليها، وكيفية ادارة شؤون المحافظة، والتمدد الكردي فيها وفي مناطق اخرى، فضلاً عن عقود النفط المبرمة من قبل الاقليم مع شركات اجنبية دون موافقة واطلاع الحكومة الاتحادية في بغداد.

محافظ نينوى اثيل النجيفي الذي شارك هو وممثلين عنه مؤخراً في عدة اجتماعات تفاوضية بين حكومة الاقليم وشركة اكسون موبيل، قدم اجابات وتبريرات لذلك التغير الدراماتيكي، لا تبدو انها مقنعة من جانب، ومن جانب آخر عكست التشنج والاحتقان الكبيرين بين الاكراد والقائمة العراقية من جهة، ورئيس الوزراء نوري المالكي من جهة اخرى.

ما قاله النجيفي لوسائل الاعلام بشأن الموقف من عقود اكسون موبيل النفطية ودور محافظة نينوى "حتى الآن لم ندخل ضمن العقد، لكنني اقول انه يجب ان نتباحث مع الاخوة في اقليم كردستان والشركة الاميركية ضماناً لحقوق محافظتنا، ونحن نحتاج الى تخويل من مجلس المحافظة للتفاوض في الموضوع".

"اكسون موبيل" تزيد الطين بلة

ويضيف اثيل النيجفي في مقابلة اجريت معه في الرابع عشر من الشهر الجاري أنه "من الأفضل أن نتحدث مع حكومة كردستان التي وقعت العقد مع اكسون موبيل، داخل مناطق محافظة نينوى لنكون في الصورة وليس بعيداً عنها، وقد طلبنا من الحكومة المركزية في البداية، ولم تستطع أن تفعل شيئاً ولم تحصل على شيء من مفاوضاتها مع كردستان، ونحن ننظر من زاوية أخرى، وليس مثل الحكومة المركزية، ونعتقد أن العقود في داخل محافظتنا، ويجب أن نكون حاضرين في تلك العقود، وليس الأمر كما هو من وجهة نظر الحكومة المركزية أو كردستان، لذا يجب أن نكون جزءاً من هذه الإتفاقيات".

ويذكر محافظ نينوى "ان اراضي محافظة نينوى تضم اكثر من 20 مليار برميل نفط، وواردات النفط ستصب في صالح خدمة اهالي المحافظة وتطويرها".

ومن الطبيعي ان تثير خطوات من هذا القبيل حفيظة الحكومة الاتحادية في بغداد، وتزيد من حدة التوتر والاحتقان، لانها ارتبطت بأجواء ومناخات سياسية ملتهبة، بحيث بدا واضحاً انه اريد من خلالها توجيه المزيد من الضغط على المالكي، وفي ذات الوقت فإنها اوصدت الابواب أمام اية امكانية لمعالجة الاشكاليات القائمة منذ عدة اعوام بخصوص العقود المبرمة بين الاكراد وشركات نفط عالمية من بينها اكسون موبيل للتنقيب عن النفط في اراضي الاقليم.

وكانت شركة اكسون موبيل قد ابرمت في الثامن عشر من شهر تشرين الاول/اكتوبر من العام الماضي 2011 عقداً مع حكومة اقليم كردستان لاستثمار ستة حقول نفطية بعضها يقع ضمن مناطق متنازع عليها ضمن حدود محافظة نينوى، وهذا ما دفع الحكومة العراقية الى اطلاق تحذيرات واضحة لحكومة الاقليم واخرى للشركة مفادها انه في حال اصرارها على العمل بطريقة غير قانونية في اقليم كردستان فسوف يؤدي ذلك الى حرمانها من اية فرص للاستثمار في جنوب ووسط البلاد، وبالفعل فإن وزارة النفط العراقية قامت باستبعادها من المنافسة في جولة التراخيص النفطية الرابعة التي اجريت قبل عدة اسابيع لاستثمار اثني عشر حقلاً نفطياً في مناطق مختلفة من الجنوب والوسط.

ولأن الأجواء السياسية العراقية ملبدة بسحب ونذر ازمات خطيرة، فإن دخول عنصر خطير من شأنه ان يدفع بالأزمات الى نقاط حرجة، ويوسع دائرة الخيارات والاحتمالات السيئة.

وتهديدات رئيس الوزراء الاخيرة حملت بين طياتها تلك النذر، عندما حذر من حرب داخلية اذا لم تتوقف "اكسون موبيل" عن المضي في خططها للعمل في اقليم كردستان، وجاءت تلك التهديدات والتحذيرات برسالة بعث بها الى الرئيس الاميركي باراك اوباما قبل بضعة ايام حثه فيها "على التدخل لمنع هذه الشركة من العبث بمقدرات العراق النفطية عبر اتفاقات جانبية يمكن ان تشعل فتيل ازمة خطيرة".

وفي هذا الشأن يشير علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء الى "ان امر الثروة النفطية لا يمكن السكوت عنه بأي حال من الاحوال لان هذه مسؤولية الحكومة المركزية، وبالتالي فإن المالكي قرر ان يتعامل حيال هذا الموضوع بأقصى درجات الجدية لان التفريط بثروات البلد النفطية يعني التفريط بمستقبله ومستقبل ابنائه".

ولا شك ان دخول محافظة نينوى على الخط يعد الامر المستجد الذي يثير المزيد من القلق، ولأنها تعرف حجم الاشكالات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، وبحكم وقوع عدد من الحقول النفطية ضمن حدود محافظة نينوى، فتحت اكسون موبيل قناة للتحاور والتباحث مع الاخيرة مستفيدة من اجواء الازمة السياسية الحالية.

وبينما تؤكد الحكومة الاتحادية على ان الدستور النافذ لا يجيز لاي اقليم او محافظة ابرام عقود للتنقيب عن النفط واستثماره دون موافقة حكومة المركز، يذهب الاكراد الى ان عدم اقرار قانون النفط والغاز يتيح الاستفادة من الموارد النفطية الموجودة في الاقليم، في ذات الوقت الذي يؤكدون فيه ان عمليات تصدير النفط من الاقليم تتم كلها تحت نظر وبعلم واطلاع الحكومة الاتحادية، وان العوائد المالية المترتبة تذهب كلها الى خزينة الدولة العراقية.

والشركة تتبنى ذات الرؤية، اذ يصف احد مدرائها الذين كانوا يعملون في العراق ما أعلنته الحكومة العراقية عن حجب وانهاء عقودها في الجنوب والوسط اذا ما وقعت عقوداً مع حكومة اقليم كردستان بأنها عبارة عن زوبعة في فنجان، لأن حكومة بغداد ليس بمقدورها ان تمس عقود اكسون موبيل بسبب وجود اتفاقية تضمن لاكسون حصانة من اي مسألة. ويضيف أن الأميركيين يعلمون دواخل وخوارج الدستور العراقي ولا يمكن للحكومة المركزية الاعتراض على عقود النفط مع الإقليم طالما انه لم يتم اقرار قانون النفط والغاز حتى الان.

ويشير مختصون الى "ان حكومة اقليم كردستان واكسون موبيل استغلتا هذه الثغرة للتعاقد قبل ان يقر القانون وتصبح للحكومة المركزية سلطة المنع قانوناً، والدستور يضمن عدم المساس بعقود تسبق سن القانون وهذا في صالح الشركة وصالح الإقليم في الوقت الحالي".

من جانب آخر تؤكد مصادر مطلعة "ان شركتي اكسون موبيل وشفرون تيكساكو حصلتا وفق القانون الاميركي وبالاتفاق مع العراق على الأمر الرئاسي المرقم 13303 الموقع من قبل الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن والكونجرس الاميركي ومسؤولين عراقيين في عام 2007 ـ وهو غير قابل للإلغاء ـ والذي يمنح هاتين الشركتين حصانة من المحاسبة والمراقبة والمقاضاة بأي شكل من الأشكال بما يخص عملهما في العراق".
"اكسون موبيل" تزيد الطين بلة

ولعل مساحة وهامش المناورة التي تمتلكها اكسون موبيل كبيرة وتتداخل فيها الاعتبارات والجوانب السياسية والامنية والاقتصادية، وهي لا تقتصر على العراق فحسب وانما تمتد الى بلدان كثيرة في منطقة الشرق الاوسط وخارجها، حيث بلغت عائداتها في عام 2010 أكثر من ٣٨٣ مليار دولار، اضافة الى اصولها المالية التي قدرت في نفس العام بحوالي ٣٤٩ مليار دولار.

ويتجنب مسؤولو الشركة ابداء موقف واضحة، فبينما اكد المدير التنفيذي لها ريكيس تاليرسن وزملاء له للمسؤولين العراقيين عدة مرات، وآخرها ما نقله مكتب نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بأن الشركة جمدت عقودها الاستكشافية المبرمة مع اقليم كردستان، نقلت مصادر كردية ان رئيس الاقليم مسعود البارزاني التقى تاليرسن خلال زيارته الاخيرة للولايات المتحدة الاميركية قبل اكثر من شهرين، حيث اكد له الاخير التزام الشركة بما تعهدت به ووقعت عليه من عقود.

وكان المدير التنفيذي للشركة قد اقر في مؤتمر التقويم السنوي لعمل الشركات النفطية في نيويورك قبل عدة اسابيع "بأن العراق يعاني الكثير من المشكلات الداخلية التي يحاول تجاوزها واكسون موبيل ترغب في أن تكون عاملاً مساعداً لإيجاد الحلول وليس لتقسيم البلاد".

هذا الكلام يشير بوضوح الى ان الشركة تدرك ان منهجها للعمل في العراق ينطوي على مخاطر جمة على واقع ذلك البلد، ومن الممكن ان يزيد من مساحات التصادم والخلاف التي لا يستبعد ان تصل الى حد الحرب، كما نوه المالكي، وكما يلوح الاكراد بين الفينة والاخرى.

والتدقيق والبحث المعمق ربما يكشفان ان "اكسون موبيل" يمكن ان تكون جزءاً من المشكلة وليست عاملاً مساعداً لايجاد الحلول كما قال مديرها التنفيذي، وربما يكشف انها واحدة من عشرات الشركات الاميركية التي اضرت العراق الى حد كبير اكثر مما نفعته بمقدار قليل، وهي قد لا تختلف من حيث الجوهر والمضمون عن شركة "بلاك ووتر" الامنية وسواها!.
2012-06-22