ارشيف من :آراء وتحليلات

ما بعد فوز مرسي بالرئاسة: الجيش لن يسلم الاخوان السلطة على طبق من فضة

ما بعد فوز مرسي بالرئاسة: الجيش لن يسلم الاخوان السلطة على طبق من فضة
كان يمكن أن يكون لفوز مرشح الإخوان المسلمين في مصر محمد مرسي برئاسة الجمهورية وقع أكبر بكثير، لولا تلك الانتكاسات المتتالية التي أصيبت بها الثورة المصرية وأدت في النهاية الى تشتيت أصواتها التي عبرت عن حجمها الحقيقي وعددها الفعلي أولا في ساحات المدن المصرية، وثانيا في صناديق الاقتراع للانتخابات البرلمانية والتي أتت بمجلس شعب هو الاول من نوعه الذي يعكس حقيقة التمثيل الشعبي دون تزوير أو تلاعب بشكل عام.

لكن هذا التشتت بين الجناحين الليبرالي والإسلامي للثورة المصرية من ناحية، ونتائج اللعبة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين الاقباط التي تم تسعيرها خلال الأشهر القليلة الماضية من ناحية ثانية، والضغوطات والتدخلات المتعددة الجهات والأطراف محليا وخارجيا من ناحية ثالثة، أدت الى تقليص نسبة الاصوات التي حصل عليها الدكتور مرسي الى نحو ثلاثة عشر ملايين صوت (13.230.131) مقابل نحو اثني عشر مليون صوت (12.347.380) لمنافسه احمد شفيق، ممثل النظام البائد ومرشح المجلس العسكري والاطراف الخارجية الداعمة له.

ما بعد فوز مرسي بالرئاسة: الجيش لن يسلم الاخوان السلطة على طبق من فضة

واذا كان الاسلاميون، بفروعهم المختلفة: الاخوان والسلفيون والصوفيون، قد نجحوا في اثبات قوتهم الشعبية منفردين، دون ان تنضم اليهم باقي اجنحة الثورة، فإن ما وُضع في الصناديق لصالح شفيق، هدف الى اقامة نوع من التوازن في مصر، بحيث قل الفارق بين الفائز والخاسر عن تسعمئة الف صوت، وهو رقم لا يعتد به في بلد يبلغ ناخبيه نحو واحد وخمسين مليون شخص (رسميا: 50.958.794)، وهذا الفارق سيتم الاشتغال به وتوظيفه في الانتخابات التشريعية القادمة، بحيث يمكن اعادة تشكيل برلمان جديد تتقلص فيه حصة القوى الثورية لصالح الشخصيات والاطراف الممثلة لنظام حسني مبارك.

وليس ادل على ذلك من القرارين الذين اتخذتهما المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان واسقاط قانون العزل السياسي الذي يعني في ما يعنيه فتح الباب امام اي من شخصيات نظام حسني مبارك وحزبه الوطني بالترشح لتلك الانتخابات وخوضها بعدما لم يعد هناك مانعا امامهم، وبعدما لم يعودوا يهابوا من تهديدات الثوار، وبعدما باتوا يستندون الى ما يمكن تسميته بـ"القاعدة الشعبية" التي سيتكئون عليها، وهي مجموع الاصوات التي حصل عليها شفيق وتجاوزت الاثني عشر مليون ناخب، او ما نسبته 48 في المئة ممن شارك في اقتراع الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة.

والتمهيد الحقيقي الذي قام به العسكر والقضاء للخطوة المقبلة، وهي الاسقاط الفعلي للغالبية النيابية الساحقة من يد الثورة والاتيان بتركيبة جديدة لمجلس الشعب، تمثل بشهادة السلوك التي جهد الطرفان لاظهارها في معرض ادارتهما للانتخابات الرئاسية. فالجمل الطويلة والمكررة والمملة والتي قرأها رئيس لجنة الانتخابات فاروق سلطان ـ وهو ايضا رئيس المحكمة الدستورية العليا ـ والتي تحدثت عن التشكيك والتجديف والطعن المستمر والاستهداف للقضاء من قبل المرشحين، وهو يقصد طبعا هنا الاخوان المسلمين والقوى الثورية، اثبتت كلها ـ من وجهة نظره ونظر قضائه ـ سقوطها من خلال تثبيت واعلان فوز مرشح الاخوان المسلمين بالرئاسة.


وعليه بات على المصريين وتحديدا الثوريين ان يقبلوا بكل شيء يصدر عن القضاء أو يرفضوا كل شيء، فهو إن كان نزيها في ادارة الانتخابات الرئاسية، فيجب أن يكون نزيها في قراريه بحل البرلمان وإبطال قانون العزل السياسي، وان كان متواطئا وقراراته مرفوضة، فإن الرفض يجب ان يشمل كل شيء: أي نتيجة الانتخابات الرئاسية ايضاً. ازاء ذلك يعتقد القضاء المصري بخبثه هذا انه سيتم تجاوز الطعون بقراراته سواء بحل البرلمان او حتى تلك التي صدرت بحق حسني مبارك ونجليه وكبار مسؤولي الدولة السابقين. ولعل ذلك سيتم توظيفه من قبل فريق النظام السابق باحتمال عودة كل من نجلي مبارك او احدهم او من يختاروهما لممارسة النشاط السياسي والعودة الى السلطة بأي شكل من الاشكال، بضمانة القضاء أولا، وباشراف المجلس العسكري الحاكم ثانياً، والذي قام ايضاً بدوره في تزكية نفسه، من خلال البيان الذي نشره على موقعه على صفحة الفايسبوك مهنئا فيه الدكتور مرسي بالرئاسة، وممجدا نفسه بالقول ان "نتيجة الانتخابات أثبتت ان القوات المسلحة كانت تقف على مسافة واحدة من كافة المرشحين وأن الكلمة العليا هي للشعب عبر صناديق الاقتراع".

وهكذا يفترض العسكر والقضاة، وهما ركنا نظام مبارك ولم يطالهما التغيير حتى الآن، أن بامكانهما عبر هذه الشهادة بـ"عدم انحيازهما" الاستمرار في ادارة المرحلة الانتقالية بما يؤدي الى تجويف الثورة من داخلها، حتى ولو أبقيا على عناوينها الظاهرة، وهو ما حصل فعليا حتى الان من خلال الخطوة الاخطر التي قام بها المجلس العسكري وتمثلت باصداره "اعلانا دستوريا" اعتبر انقلابا بكل ما للكلمة من معنى على خيار الشعب المصري بالتغيير.
ما بعد فوز مرسي بالرئاسة: الجيش لن يسلم الاخوان السلطة على طبق من فضة

وهذا "الاعلان الدستوري" اعتبر بمثابة تطويق استباقي للرئيس المنتخب بعدما جرى تقييد صلاحياته، فهو لم  يعد القائد الاعلى للقوات المسلحة، وبالتالي لا يستطيع ان يحضر اجتماعات المجلس العسكري بهذه الصفة، ولا أن يجري تغييرات في صفوف قادة الجيش وبقية القوى، وبات عليه أن يقسم اليمين امام محكمة دستورية معينة من قبل حسني مبارك وليس امام مجلس شعب منتخب من المواطنين. لكن المشكلة الأكبر المرتقبة تتعلق بتشكيلة الحكومة المقبلة التي ستدير المرحلة الانتقالية، اذ ان "الاعلان الدستوري" اناط بالمجلس العسكري الحاكم صلاحية التشريع، بما فيها اقرار الموازنة العامة للبلاد، بذريعة عدم جواز جمع الرئيس بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبالتالي فاذا كان للرئيس حق تسمية رئيس الوزراء والوزراء، فان للمجلس العسكري حق منحهم الثقة او حجبهم عنها، وهذا يعني عمليا ان اي حكومة مقبلة يجب ان تكون محل توافق بين الرئيس والمجلس العسكري الذي بامكانه ان يبقي على حكومة كمال الجنزوري تصرف الاعمال ما لم يخضع الرئيس لشروط العسكر في أي تشكيلة وزارية جديدة. وبات على المصريين أيضا ان يخضعوا لقوانين صادرة عن الضباط العسكريين وليس عن نواب منتخبين، بانتظار ان تجري الانتخابات التشريعية خلال هذا العام. والمسالة الاكثر حساسية هنا هو منح العسكر لانفسهم بموجب "الاعلان الدستوري" حق اعلان تشكيلة الهيئة التأسيسية لتدوين واقرار الدستور الجديد، وهي الخطوة الأخطر والاهم التي ستحسم ما اذا كانت الثورة ستترجم عملية التغيير على شكل دستور جديد، أم أن العسكر سيحبطون هذا التغيير ويفرضون دستورهم. وفي اسوأ الاحوال، وان لم يبادر المجلس العسكري الى ممارسة الحق الذي منحه لنفسه بتشكيل هيئة الدستور الجديد، فإنه قد يترك الامر الى مجلس الشعب الجديد، الذي يتوقع ان تتراجع فيه نسبة تمثيل الاسلاميين وغيرهم من القوى الثورية، بعدما باتت نتيجة انتخابات الرئاسة تسمح بأي تزوير وتلاعب وضغوط يمكن ان  تنتج تركيبة نيابية تعطي حصة مؤثرة لبقايا النظام السابق.

صحيح ان مصر انتخبت لاول مرة رئيساً مدنياً منذ ثورة العام 1952 وفي اقتراع مباشر، لكن الصحيح ايضا انه رئيس بلا "أنياب" وفق بعض التوصيفات الغربية، وبلا برلمان، وفي مواجهة جيش مسيطر في بلد بدون دستور، مع صلاحيات مطلقة لهذا الجيش ليعيد قصة الثورة الى بداياتها، سيما وان المصريين على سبيل المثال يسمعون جملا وكأن شيئا لم يتغير من قبل ذلك الخبر الذي يقول ان محكمة القضاء الإدارى في مصر قررت تأجيل النظر في دعوى قضائية تطالب بحل جماعة الإخوان المسلمين، وتجميد جميع أنشطتها وحساباتها المصرفية واموالها، بناء على دعوى مرفوعة من مواطن يدعى مصطفى امين، في حين أن خبرا آخر ذكرته صحيفة "معاريف" "الإسرائيلية" وتقول فيه ان" المبعوث الخاص لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو يتسحاق مولخو، التقى مع مسؤولين بالمجلس العسكري المصري أكدوا أمامه أنه لن يتم المس بالعلاقات بين "اسرائيل" ومصر أياً كانت نتائج انتخابات الرئاسة.

وهكذا فان المشهد السياسي المصري مفتوح على احتمنالات شتى في ظل مواجهة مفتوحة ـ وان لم تخرج ادبياتها عن الاطار القانوني في التخاطب ـ  في ظل قناعة لدى الكثير من المصريين بإن ثورتهم لا تزال معرضة لانقلاب يخيط تفاصيله القادة العسكريون الذين غيروا قائدهم مبارك فقط لكنهم لم يقربوا الدولة المتجذرة التي أبقته ومن سبقوه في سدة السلطة منذ ستة عقود، بعدما أظهر الجيش الذي يتحكم في قطاعات من الاقتصاد المصري أنه لا ينوي تسليم السلطة إلى عدوه القديم الاخوان على طبق من فضة.

عبد الحسين شبيب
2012-06-25