ارشيف من :آراء وتحليلات

تحديات الداخل وتصدعات القمة في مملكة الصحراء!

تحديات الداخل وتصدعات القمة في مملكة الصحراء!
عادل الجبوري

برحيل ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز تكون المملكة العربية السعودية قد دخلت مرحلة جديدة فيها الكثير من التحديات الداخلية، لتضع السلطة الحاكمة أمام اختبار صعب وعسير، ربما لم تواجه المملكة مثله منذ تأسيسها في الرابع والعشرين من ايلول/ سبتمبر عام 1932.

ولم يعد ممكنا بالنسبة لدوائر الحكم وأوساط العائلة الحاكمة ووسائل الإعلام اخفاء الهواجس والمخاوف، أي بعبارة اخرى، أخذ الهمس حول واقع المملكة والتحديات التي تواجهها في داخل الأروقة والكواليس الخاصة يتحول الى حديث واضح وصريح ومسموع، وهذا بحد ذاته يعني الشيء الكثير والكبير.

تحديات الداخل وتصدعات القمة في مملكة الصحراء!

ـ في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية (20/6/2012) كتب عبد الرحمن الراشد الذي يشغل منصب مدير عام قناة العربية قائلا "في تصوري ان بلداً مثل السعودية على الرغم من امكانياته لا يحتمل ارتكاب الأخطاء ولم يعد بلدا تحت التمرين، وليس صحيحا أن المال هو حلاّل المشاكل، وليس صحيحاً ان الوقت ايضا يحل المشاكل، والتحديات أمام الحكم السعودي لا تقل صعوبة عن غيرها، وهذا ما يجعلنا نبحث عن الحكمة والتجربة والمسؤولية والاحساس بالتاريخ والحاضر".

ومن يتابع بدقة وتمعن الاعلام السعودي خلال الآونة الاخيرة ـ سواء المرئي او المقروء ـ يجد بين طياته نفس الهواجس والمخاوف التي ألمح اليها الراشد، علما أن الأخير لا يكتب من وحي قناعاته بقدر ما يعبر بشكل او بآخر عن التوجهات والمواقف الرسمية للمملكة.

تحديات الداخل وتصدعات القمة في مملكة الصحراء!

-الامير طلال بن عبد العزيز شقيق الملك وولي العهد، رغم انه يقيم خارج السعودية وتحديداً في اليونان منذ فترة غير قصيرة بسبب خلافات مع دوائر الحكم العليا، فإنه لا يمكن ان يوصف بأنه معارض سياسي للنظام السعودي، هذا الأمير توقع بعد موت شقيقه نايف ان تنهار المملكة كما انهار الاتحاد السوفياتي السابق قبل أكثر من عشرين عاما، ودعا لاجل تلافي هذا المصير الى "جعل النظام السياسي نظاما ملكيا دستوريا مقيد الصلاحيات والوظائف والأدوار كما هو الحال مع الكثير من الانظمة الملكية الدستورية في الغرب وفي مقدمتها النظام الملكي البريطاني، وان يتم تشكيل مجلس برلماني منتخب، وحكومة منتخبة".

ويضيف الامير طلال بأن هيئة البيعة لفظت انفاسها حينما تجاوزها الملك بتعيين نايف ومن ثم سلمان وليا للعهد.

ـ تتحدث اوساط سعودية من داخل المملكة وخارجها بأن موت الأمير نايف سيفتح الملفات المغلقة في المقبل من الايام والاشهر، وسيخلق حالة من الجرأة ضد النظام الحاكم، فيما ستنشط الحركة الاحتجاجية في المملكة التي تتصاعد يومياً واسبوعياً في المنطقة الشرقية وعدد من مناطق المملكة بما فيها العاصمة الرياض.

ليس هذا فحسب، بل إن الاخطر من ذلك هو أنه في حال غياب الملك عبد الله من المشهد بوفاته، إذ ان عمره تجاوز الخمسة والثمانين عاما ويعاني من مشاكل صحية عديدة، ولعله كان من المتوقع ان تسبق وفاته وفاة ولي العهد الأسبق الأمير سلطان الذي توفي أواخر العام الماضي.

وفاة الملك عبد الله، لن تمثل المرحلة الاخيرة من نظام حكم العائلة السعودية المالكة، وانما بداية النهاية، فولي العهد الحالي الامير سلمان، سيجلس على العرش بعد عبد الله وليكون الأمير احمد وزير الداخلية الحالي وليا للعهد.

وسيبقى من الابناء السديريين السبعة كل من الأمير مقرن رئيس جهاز الاستخبارات، والأمير مشعل رئيس هيئة البيعة إضافة الى سلمان، الى جانب عدد كبير من الاحفاد وابناء العمومة الذين يختلفون اكثر مما يتفقون، خصوصا عندما يختفي الكبار او تنحسر سلطاتهم.

ويصف المعارض السعودي حمزة الحسن النظام السعودي الحالي بأنه أشبه بالطاولة التي فقدت ثلاثاً من أرجلها وبقيت رجل واحدة منها بعكازين في إشارة الى الملك عبد الله.

ولعل النقطة الجوهرية، التي تمثل مؤشراً سلبياً ومقلقاً هي ان الملك عبد الله تجاوز وتجاهل هيئة البيعة المؤلفة من 35 عضوا، 18 من ابناء عبد العزيز والبقية من احفاده، والتي تشكلت عام 2007، حينما عين الامير سلمان ولياً للعهد وأحمد وزيرا للداخلية، وهذا من شأنه ان يزيد من حالة التصدع والتشظي في كيان العائلة المالكة.

ولا شك ان مساحات التصادم والصراع السياسي ستأخذ مديات اخطر مما هي عليه اليوم، بسبب تقاطع الطموحات والولاءات والارتباطات الخارجية، والتنافس على الثروات والامتيازات.

تحديات الداخل وتصدعات القمة في مملكة الصحراء!

وطبيعي ان التفكك والتشظي عند قمة الهرم سينسحب بسرعة الى المستويات الدنيا، ليؤدي الى تصاعد أصوات الرفض والاستياء والاحتقان، بالاستفادة من اجواء ومناخات ثروات الربيع العربي، وليؤدي الى انهيار مفاصل اريد من إيجادها امساك الامور بيد من حديد، كما هو الحال مع هيئة البيعة، وما يسمى هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت مدعومة بقوة من ولي العهد السابق نايف الذي عرف بتشدده وقسوته ودعمه للمؤسسة الدينية الوهابية ومعارضته لأية توجهات انفتاحية على الصعيد الاجتماعي، من قبيل السماح للنساء بقيادة السيارات، او الاختلاط في الاماكن العامة.

وبينما نجحت المؤسسة الحاكمة في السعودية بكبح جماح مختلف حركات الرفض الشعبية والنخبوية ـ بأطرها السياسية والاجتماعية والمذهبية والفكرية ـ طيلة عقود من الزمن بحكم النزعة الديكتاتورية لنظام الحكم، والوفرة المالية الهائلة، والدعم والاسناد الخارجي من قبل القوى الدولية الكبرى، فإنها من شبه المؤكد تواجه صعوبات جمة في مواجهة التصدعات والاهتزازات من داخلها، لأن الصراعات والتصدعات في القمة يمكن ان تفتح كل الابواب مرة واحدة على شتى الخيارات، بل وأسوأها، وهذا يعني ان عملية انهيار النظام السعودي ستكون مختلفة الى حد كبير عن انهيار نظام الحكم البعثي في العراق قبل تسعة اعوام، ومختلفة عن سقوط انظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن خلال العام الماضي والعام الحالي.
2012-06-27