ارشيف من :آراء وتحليلات

القوات والكتائب: مساكنة بالقوة بانتظار اعلان الطلاق

القوات والكتائب: مساكنة بالقوة بانتظار اعلان الطلاق
سركيس ابوزيد

" هذا الغول الذي خلقناه ... بلعنا " عنوان تصدر جريدة العمل الكتائبية بعد مداهمتها من القوات اللبنانية خلال الحرب الاهلية. وهو يعبر عن شعور الكتائب التي انشات القوات كميليشيا لكنها تضخمت بفعل الحرب والمال والسلاح واصبحت اقوى من البطن الذي حملها . وهذه العقدة تحكمت بالكتائب طوال الحرب حتى اليوم وحكمت العلاقة بين الاخين المتنافسين بشير الجميل انحاز الى القوات وامين الجميل تمترس بحزب الكتائب. وهكذا استمرت العلاقة بينهما تتراوح بين المنافسة الى حد العداء والالغاء او التقاطع والتعاون المرحلي دون الالغاء. واليوم العلاقة بينهما: تلاق شكلي تفرضه الضرورة وتمايز حدوده وآفاقه تنتظر الفرصة المناسبة لاعلان الطلاق.

رغم حضور الكتائب في تحالف 14 اذار الى جانب القوات الا انها سعت باستمرار الى ابراز تمايزها وجاهرت بملاحظاتها وقد وصلت الى حد الاعتكاف ومقاطعة اجتماعات الامانة العامة لفريق 14 اذار. ومؤخرا ظهر هذا الخلاف جليا حول الموقف من طاولة الحوار اذ سارعت القوات باعلان الرفض بينما تردد المستقبل ثم التحق بخجل تجاوبا مع الرغبة الملكية السعودية (أي أن قرار المشاركة لم ينبع من ضرورة لبنانية بل ضرورة خارجية) في حين أن الكتائب تجاوبت دون تردد. وكان امين الجميل أعلن من كفرعبيدا الذھاب الى الحوار على الرغم من إدراكه المسبق لسلبياته على حد قوله، إذ اكد "أننا نسعى الى خلق بيئة وطنية تسمح للدولة بمعالجة قضايا الناس".
الجميل وافق على المشاركة في الحوار قبل ان يتشاور مع حلفائه انطلاقا من دعوته الى إبقاء وسائط التخاطب مشرعة بين الجميع، ولم يحرج مع باقي حلفائه كما توقع البعض لو أصر الرئيس سعد الحريري على عدم مشاركة تيار المستقبل وقوى 14 آذار في الحوار، عندئذ كان الجميل، في رأي المراقبين، سوف يضطر الى ملاقاة حلفائه الى خيار الامتناع عن المشاركة.

وكانت الكتائب استبقت موقفها الايجابي بتبرير ملتبس اذ توجھت الى حلفائھا في قيادات 14 آذار مؤكدة أنه إذا صدرت الدعوة الى الحوار عن الحكومة فمن الطبيعي عدم تلبيتھا، لكن بما أنھا مبادرة صادرة عن رئاسة الجمھورية "فلا يجوز أن نسجل على أنفسنا خطأ البقاء خارج السرب الحواري".
الدعوة الى الحوار أظھرت التباعد في مقاربة المواضيع بين الجميل وباقي مكوّنات 14 آذار، وليست ھذه المرة الأولى التي يواجه فيھا تناقضا بين موقفه الشخصي وموقف حزب الكتائب وبين خيارات حلفائه. وهذا اسلوب المتردد والملتبس اعتمده الجميل تاريخيا وهو مرافق لشخصيته ومزاجه وبرز في مواقف عديدة اخرها عندما كُلف ميقاتي تأليف الحكومة الحالية مال الجميل الى المشاركة فيھا وحاول إقناع حلفائه بالانضمام إليھا، ودافع عن ضرورة العمل من داخل الحكومة، قبل أن يجد نفسه أمام تغليب خيار حلفائه على قراره ومجاراتھم في رفض المشاركة في حكومة ميقاتي ومعارضتھا... والتمايز الكتائبي ظھر أيضا في ملفات عدة أخرى منھا:

- الموقف من بكركي وعدم مجاراة الحملة على البطريرك الراعي وإنما إبداء التفھم لمواقفه. ورغم الحملة التي شنتها القوات الى حد المقاطعة ظلت الكتائب على تواصل مع بكركي تبرر وتدافع عن مواقفها.
- الملف السوري وحيث ظھر جليا أن الجميل في موقع "البين بين"، فھو مع "الربيع العربي" ولكن على أن لا يستبدل السيء بالأسوأ، فھو لا يريد الخوض في معركة ضد النظام السوري على غرار ما يفعل القادة الآخرون في 14 آذار ولا سيما جعجع والحريري، وھو يميل الى دعم موقف البطريرك الراعي المتخوف من تداعيات مرحلة ما بعد إسقاط النظام.
- الموقف من الجيش، ففي الوقت الذي اشتعلت الدواليب فيه إثر مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه وقيام نواب المستقبل بمھاجمة أداء المؤسسة العسكرية محملين إياھا المسؤولية، جاء موقف الكتائب مغايرا ليعلن فيه النائب سامي الجميل وقوفه الى جانب الجيش. بينما عبرت القوات عن نقدها للمؤسسة العسكرية في اكثر من مناسبة.
- مسألة طرح الثقة بالحكومة، وحيث أدى موقف النائب سامي الجميل الى تجديد ھذه الثقة خلافا لما كان يريده حلفاؤه.
- طرح السيد نصرلله فكرة عقد مؤتمر تأسيسي. فما كاد نصرلله ينھي كلامه حتى بادرت أصوات من القوات وداخل تيار المستقبل وقوى 14 آذار بحملة على ما اعتبرته "نسفا للدستور والطائف وإطاحة بالمناصفة لحساب المثالثة". لكن كان للكتائب، وللنائب سامي الجميل، تحديدا مقاربة مختلف أوضحھا بأنه منذ انتخابه لم يكف عن المطالبة بضرورة عقد مؤتمر وطني عام "لكن مقومات نجاح ھذا المؤتمر تفترض الأخذ في الاعتبار كل ھواجس اللبنانيين وتأمين أجواء وطنية مريحة لانعقاده. ويرى الجميل أن الأمور لا يمكن أن تستمر بھذه الصيغة التي أثبتت فشلھا ولا بد من صيغة جديدة تحفظ العيش المشترك.

ھذا التمايز الكتائبي يقع في خانة دراسة الحزب لوضعيته السياسية مع اقتراب الانتخابات النيابية، فھو يريد صون المواقع التي يطمح إليھا من خلال انفتاح سياسي على بعض القوى خصوصا بعد تراجع الحملة التي يقودھا فريق 14 آذار لإسقاط النظام في سوريا وسلاح حزب لله، ولا أفق للمطالبة بإسقاط حكومة ميقاتي.

الكتائب تتمايز لإثبات الوجود على قاعدة "أنا أختلف إذاً أنا موجود"... فهي تقترب من الوسطية وتعتمد خطابا معتدلا لا يخاصم رئاسة الجمھورية ولا البطريرك الماروني ولا الجيش ثوابت الكتائب تاريخيا ، ما يفتح المجال لاستقطاب المعتدلين في الشارع المسيحي. الوسطية والخطاب المعتدل لا تجعلان الكتائب تذھب للتحالف مع8 آذار، إنها تعبير عن اسلوب امين الجميل في التردد والضياع وهي محاولة تقرب الكتائب من الوسط مما يسھل لھا الاتجاه شرقا أو غربا وفق ما تدعو المصلحة والحاجة وتبدل الازمان وتحولات موازين القوى ورياح السياسات المتبدلة .
هاجس الكتائب هو التمايز عن القوات احيانا بالمزايدة والتطرف واحيانا اخرى المبالغة بالواقعية والتمسكن . وكل ذلك بانتظارالفرصة المؤاتية للانتقام من البعبع الذي خلقته الكتائب وبلعها.

2012-07-01