ارشيف من :آراء وتحليلات
بغداد والقاهرة .. ما هو المطلوب بعد دخول مرسي قصر عابدين؟!
بغداد ـ عادل الجبوري
أطلق الرئيس المصري الجديد محمد مرسي إشارات ايجابية تجاه العراق بعد لقائه الثلاثاء الماضي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في القاهرة، وأعرب عن نيته زيارة العراق في أقرب فرصة، وفي الوقت ذاته عبر عن حبه وتقديره لشعب العراق ونضاله، وشعوره بقدرة العراقيين على تجاوز الصعوبات.
اشارات الرئيس المصري الجديد جاءت رداً على اشارات عراقية إيجابية، تمثلت برسائل تهنئة بعث بها كبار القادة والزعماء السياسيين العراقيين لمرسي لمناسبة فوزه بأول انتخابات رئاسية حقيقية. الطالباني والمالكي والحكيم وعلاوي والنجيفي وآخرون، اعربوا في رسائل التهنئة عن أملهم في أن تكون فترة حكم مرسي فرصة للم شمل كافة المصريين دون محاباة مذهبية أو دينية او قومية او سياسية ومن دون تهميش أو اقصاء.
هذه الاشارات الايجابية المتبادلة بين بغداد والقاهرة توحي بأمرين، الأول ان تاريخ ومسيرة العلاقات بين الطرفين شهدت مطبات كبرى ومنعطفات خطيرة بسبب منهجيات وسلوكيات خاطئة وأجندات تآمرية، والامر الثاني هو وجود رغبة تبدو جادة لتصحيح مسارات العلاقات الخاطئة والمضطربة والمرتبكة، وفك العقد ومعالجة الاشكاليات القائمة.
وفيما يتعلق بالامر الاول، فإن ثمة نقطة جوهرية ومحورية لا بد من الاشارة اليها والتوقف عندها، ألا وهي أنه طيلة أكثر من عقدين من الزمن، كان كل من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والعراقي صدام حسين، يوجهان زمام الامور في تشخيص وتوجيه مسار العلاقات بين القاهرة وبغداد وفق معادلات وترتيبات واجندات دولية واقليمية، وانطلاقاً من نزعات ومزاجات وحسابات طغى عليها الطابع الشخصي الضيق في كثير من الاحيان.
ويمكن للمتابع والمراقب بدقة ان يلحظ التحولات والانعطافات الحادة في مسيرة وواقع العلاقات بين بغداد والقاهرة بشكل لا ينسجم مع حقيقة التحولات والمتغيرات الحاصلة، ويفتقر الى الايقاع المنظم.
ففي عام 1977 وبعد ابرام مصر في ظل حكم انور السادات اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، قطع العراق علاقاته الدبلوماسية معها كما فعلت كل الدول العربية تقريباً، وكانت المنابر السياسية والوسائل الاعلامية العراقية الموجهة رسمياً والتابعة لنظام حزب البعث الحاكم مكرسة بشكل كبير لشن اقسى الحملات ضد السادات ونظامه.
وفي مطلع عقد الثمانينات، اي بعد اعوام قلائل حصل حدثان غيرا بوصلة العلاقات 180 درجة، وهما اندلاع الحرب العراقية-الايرانية بعد سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الاسلامية الايرانية بزعامة الامام الخميني ، والحدث الثاني اغتيال السادات في خريف عام 1981 وتولي نائبه حسني مبارك مقاليد الحكم.
ورغم ان العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تستأنف سريعاً، الا ان واقع الحال من الناحية العملية شهد تحولاً كبيراً في المواقف والتوجهات، تمثل بوقوف نظام مبارك الى جانب نظام صدام في حربه ضد ايران بتوجيه من قوى دولية وتشجيع من قوى عربية واقليمية، وتنوعت اشكال ومظاهر الدعم المصري لنظام صدام بين العناوين الاعلامية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية، مقابل حصول القاهرة على امتيازات ومساعدات اقتصادية كبيرة، من بينها توفير فرص عمل لاعداد كبيرة من المصريين في العراق، وتدفق مساعدات مالية هائلة بصورة منح وقروض واستثمارات من دول الخليج الى مصر، فضلاً عن المساعدات الدولية وخصوصاً من الولايات المتحدة ودول غربية اخرى.
وطيلة عقد الثمانينات اتسمت العلاقات بين الطرفين بالقوة والمتانة والاستقرار، واكثر من ذلك بدا واضحاً في اواخر الثمانينات ان صدام ومبارك راحا يعملان على بناء تكتل عربي في مقابل مجلس التعاون الخليجي، وبالفعل حصل ذلك في ربيع عام 1989، بتشكيل مجلس التعاون العربي من قبل كل من العراق ومصر والاردن واليمن، ولكن هذا المجلس ولد ميتاً بسبب عدم صدق النوايا وتقاطع المصالح والاتجاهات بين اطرافه، وبغزو صدام لدولة الكويت في صيف عام 1990، لم ينته مجلس التعاون العربي رسمياً فحسب، وانما شكل الغزو انعطافة كبرى في مسيرة العلاقات بين بغداد والقاهرة، حينما عارضت مصر الغزو وانضمت الى التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية لطرد القوات العراقية من الكويت، وبقيت العلاقات سيئة طيلة عقد التسعينات وحتى الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، والتي لم تكن مصر بعيدة عن مجمل خلفياتها ووقائعها.
فمصر بنت علاقات قوية مع العراق، عندما حارب ايران، وقررت مقاطعته بالكامل بسبب غزوه الكويت، وفي كلتا الحالتين فإنها خضعت لارادات دولية، ولم تكن ارباحها اكثر من خسائرها.
وبعد الاطاحة بنظام صدام كان منتظراً ومتوقعاً أن تفتح القاهرة صفحة جديدة مع العراق الجديد وتطوي صفحة الماضي، وهي للانصاف ربما ارادت ذلك انطلاقاً من حسابات مصالحها وقراءاتها الواقعية لمجريات الامور، إلا انها بقيت مترددة، تقدم خطوة وتؤخر اخرى، والضغوطات الخارجية الاقليمية من اطراف نافذة عربياً وفي مقدمتها السعودية كان له الاثر الكبير في الحؤول دون اغلاق ملفات الماضي بين بغداد والقاهرة. بيد ان مجمل التعاطي المصري مقارنة بأطراف اخرى حيال العراق في ظل نظامه الديمقراطي الجديد كان ايجابياً الى حد ما.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو: هل يستطيع صناع القرار الجدد في مصر ان يفتحوا صفحة جديدة من العلاقات مع العراق، لا تقوم على الاصطفافات والمحاور والحسابات الضيقة كما كان الحال في العقود الثلاثة الماضية، وانما ترتكز على المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة والواقعيات السياسية الصائبة؟.
ولا شك ان الجواب عن مثل ذلك التساؤل يتطلب الخوض في الكثير من التفاصيل والجزئيات، الا ان ما يمكن قوله والاشارة اليه في هذا السياق، يساهم في صياغة رؤية اجمالية، هو ان اوجه التشابه في مخاضات وتداعيات واثار عملية التحول السياسي في العراق ومصر ربما ـ او ينبغي ان ـ تقرب وجهات النظر وتختصر الطريق لفك العقد ولفتح الابواب الموصدة امام بناء علاقات رصينة وقوية بين الجانبين.
واذا كان البعض يتصور ان الاختلاف المذهبي الطائفي بين اركان نظام الحكم في العراق، ونظرائهم الجدد في مصر قد يشكل عائقاً في طريق بناء الثقة بين بغداد والقاهرة، لا سيما وان الصراعات والازمات الاقليمية طغى عليها الطابع الطائفي المذهبي الى حد كبير، فإن هناك من يرى ان وصول التيار الاسلامي المصري ـ الاخوان المسلمين ـ الى الحكم بعد عقود من التغييب والتهميش والتنكيل، مثلما تحقق ذلك بمقدار معين للتيار الاسلامي العراقي الذي تعرض الى قدر اكبر من التغييب والتهميش والتنكيل الذي تعرض له التيار الاسلامي المصري، يمكن ان يؤسس لأرضية جيدة من التفاهمات الجادة والموضوعية، يضاف الى ذلك ان كلا الطرفين يتفهمان ويدركان واقع وحقيقة القوى الدولية التي تعمل وفق مبدأ فرق تسد divide and rule .
والشيء المهم والمشجع هنا هو ان مصر في عهدها الجديد، ومثلما اشار رئيسها محمد مرسي تسعى الى تعزيز وتقوية علاقاتها مع كل الاطراف، واصلاح وترميم ما هو مرتبك ومضطرب منها بسبب بعض المؤثرات والضغوطات الدولية والاقليمية عليها.
في ذات الوقت فإن مصر لن تكون بمنأى عن طبيعة المشاريع والأجندات والمخططات الدولية والاقليمية التي تحاول محاصرة مكونات ودول وعناوين سياسية معينة في المنطقة، وفتح افاق وفضاءات فسيحة لاخرى، وما يحصل في البحرين وسوريا من احداث ووقائع على الارض، وما تتعرض له ايران من ضغوطات سياسية واقتصادية، وما يواجهه حزب الله اللبناني، وقوى اسلامية سياسية عراقية وغير عراقية من تحديات أكبر وأوضح دليل على ذلك.
وكلما تبنت مصر الجديدة سياسات استقلالية بعيدة عن المحاور والاصطفافات الضيقة، كلما استعادت قوتها وحضورها في محيطها العربي والاقليمي، ونجحت بمعالجة مشاكلها وصححت مسارات الماضي الخاطئة، والعكس سيدفعها الى المزيد من الفوضى الداخلية، سياسيا وامنيا واقتصاديا.
الكثيرون في العراق اليوم يقولون ان العراق الجديد يمثل بالنسبة لمصر الجديدة بوابة مهمة، يمكن ان تلج منها الى الطريق الصحيح لبناء مستقبلها السياسي والاقتصادي، وهذا شيء صحيح، وربما يقول به المصريون ايضا من الذين يقرأون الواقع بموضوعية وحكمة بعيداً عن العناوين والعقد الطائفية والمذهبية الضيقة.
وبإمكان مرسي وهو يدخل قصر عابدين كأول رئيس مدني جاء عبر صناديق الاقتراع لا من خلال معادلات قوة العسكر وصفقات الكواليس المظلمة، ان يفعل الشيء الكثير والصحيح ليقرب القاهرة الى بغداد.
أطلق الرئيس المصري الجديد محمد مرسي إشارات ايجابية تجاه العراق بعد لقائه الثلاثاء الماضي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في القاهرة، وأعرب عن نيته زيارة العراق في أقرب فرصة، وفي الوقت ذاته عبر عن حبه وتقديره لشعب العراق ونضاله، وشعوره بقدرة العراقيين على تجاوز الصعوبات.
اشارات الرئيس المصري الجديد جاءت رداً على اشارات عراقية إيجابية، تمثلت برسائل تهنئة بعث بها كبار القادة والزعماء السياسيين العراقيين لمرسي لمناسبة فوزه بأول انتخابات رئاسية حقيقية. الطالباني والمالكي والحكيم وعلاوي والنجيفي وآخرون، اعربوا في رسائل التهنئة عن أملهم في أن تكون فترة حكم مرسي فرصة للم شمل كافة المصريين دون محاباة مذهبية أو دينية او قومية او سياسية ومن دون تهميش أو اقصاء.
هذه الاشارات الايجابية المتبادلة بين بغداد والقاهرة توحي بأمرين، الأول ان تاريخ ومسيرة العلاقات بين الطرفين شهدت مطبات كبرى ومنعطفات خطيرة بسبب منهجيات وسلوكيات خاطئة وأجندات تآمرية، والامر الثاني هو وجود رغبة تبدو جادة لتصحيح مسارات العلاقات الخاطئة والمضطربة والمرتبكة، وفك العقد ومعالجة الاشكاليات القائمة.
وفيما يتعلق بالامر الاول، فإن ثمة نقطة جوهرية ومحورية لا بد من الاشارة اليها والتوقف عندها، ألا وهي أنه طيلة أكثر من عقدين من الزمن، كان كل من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والعراقي صدام حسين، يوجهان زمام الامور في تشخيص وتوجيه مسار العلاقات بين القاهرة وبغداد وفق معادلات وترتيبات واجندات دولية واقليمية، وانطلاقاً من نزعات ومزاجات وحسابات طغى عليها الطابع الشخصي الضيق في كثير من الاحيان.
ويمكن للمتابع والمراقب بدقة ان يلحظ التحولات والانعطافات الحادة في مسيرة وواقع العلاقات بين بغداد والقاهرة بشكل لا ينسجم مع حقيقة التحولات والمتغيرات الحاصلة، ويفتقر الى الايقاع المنظم.
ففي عام 1977 وبعد ابرام مصر في ظل حكم انور السادات اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، قطع العراق علاقاته الدبلوماسية معها كما فعلت كل الدول العربية تقريباً، وكانت المنابر السياسية والوسائل الاعلامية العراقية الموجهة رسمياً والتابعة لنظام حزب البعث الحاكم مكرسة بشكل كبير لشن اقسى الحملات ضد السادات ونظامه.
وفي مطلع عقد الثمانينات، اي بعد اعوام قلائل حصل حدثان غيرا بوصلة العلاقات 180 درجة، وهما اندلاع الحرب العراقية-الايرانية بعد سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الاسلامية الايرانية بزعامة الامام الخميني ، والحدث الثاني اغتيال السادات في خريف عام 1981 وتولي نائبه حسني مبارك مقاليد الحكم.
ورغم ان العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تستأنف سريعاً، الا ان واقع الحال من الناحية العملية شهد تحولاً كبيراً في المواقف والتوجهات، تمثل بوقوف نظام مبارك الى جانب نظام صدام في حربه ضد ايران بتوجيه من قوى دولية وتشجيع من قوى عربية واقليمية، وتنوعت اشكال ومظاهر الدعم المصري لنظام صدام بين العناوين الاعلامية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية، مقابل حصول القاهرة على امتيازات ومساعدات اقتصادية كبيرة، من بينها توفير فرص عمل لاعداد كبيرة من المصريين في العراق، وتدفق مساعدات مالية هائلة بصورة منح وقروض واستثمارات من دول الخليج الى مصر، فضلاً عن المساعدات الدولية وخصوصاً من الولايات المتحدة ودول غربية اخرى.
وطيلة عقد الثمانينات اتسمت العلاقات بين الطرفين بالقوة والمتانة والاستقرار، واكثر من ذلك بدا واضحاً في اواخر الثمانينات ان صدام ومبارك راحا يعملان على بناء تكتل عربي في مقابل مجلس التعاون الخليجي، وبالفعل حصل ذلك في ربيع عام 1989، بتشكيل مجلس التعاون العربي من قبل كل من العراق ومصر والاردن واليمن، ولكن هذا المجلس ولد ميتاً بسبب عدم صدق النوايا وتقاطع المصالح والاتجاهات بين اطرافه، وبغزو صدام لدولة الكويت في صيف عام 1990، لم ينته مجلس التعاون العربي رسمياً فحسب، وانما شكل الغزو انعطافة كبرى في مسيرة العلاقات بين بغداد والقاهرة، حينما عارضت مصر الغزو وانضمت الى التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية لطرد القوات العراقية من الكويت، وبقيت العلاقات سيئة طيلة عقد التسعينات وحتى الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، والتي لم تكن مصر بعيدة عن مجمل خلفياتها ووقائعها.
فمصر بنت علاقات قوية مع العراق، عندما حارب ايران، وقررت مقاطعته بالكامل بسبب غزوه الكويت، وفي كلتا الحالتين فإنها خضعت لارادات دولية، ولم تكن ارباحها اكثر من خسائرها.
وبعد الاطاحة بنظام صدام كان منتظراً ومتوقعاً أن تفتح القاهرة صفحة جديدة مع العراق الجديد وتطوي صفحة الماضي، وهي للانصاف ربما ارادت ذلك انطلاقاً من حسابات مصالحها وقراءاتها الواقعية لمجريات الامور، إلا انها بقيت مترددة، تقدم خطوة وتؤخر اخرى، والضغوطات الخارجية الاقليمية من اطراف نافذة عربياً وفي مقدمتها السعودية كان له الاثر الكبير في الحؤول دون اغلاق ملفات الماضي بين بغداد والقاهرة. بيد ان مجمل التعاطي المصري مقارنة بأطراف اخرى حيال العراق في ظل نظامه الديمقراطي الجديد كان ايجابياً الى حد ما.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو: هل يستطيع صناع القرار الجدد في مصر ان يفتحوا صفحة جديدة من العلاقات مع العراق، لا تقوم على الاصطفافات والمحاور والحسابات الضيقة كما كان الحال في العقود الثلاثة الماضية، وانما ترتكز على المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة والواقعيات السياسية الصائبة؟.
ولا شك ان الجواب عن مثل ذلك التساؤل يتطلب الخوض في الكثير من التفاصيل والجزئيات، الا ان ما يمكن قوله والاشارة اليه في هذا السياق، يساهم في صياغة رؤية اجمالية، هو ان اوجه التشابه في مخاضات وتداعيات واثار عملية التحول السياسي في العراق ومصر ربما ـ او ينبغي ان ـ تقرب وجهات النظر وتختصر الطريق لفك العقد ولفتح الابواب الموصدة امام بناء علاقات رصينة وقوية بين الجانبين.
واذا كان البعض يتصور ان الاختلاف المذهبي الطائفي بين اركان نظام الحكم في العراق، ونظرائهم الجدد في مصر قد يشكل عائقاً في طريق بناء الثقة بين بغداد والقاهرة، لا سيما وان الصراعات والازمات الاقليمية طغى عليها الطابع الطائفي المذهبي الى حد كبير، فإن هناك من يرى ان وصول التيار الاسلامي المصري ـ الاخوان المسلمين ـ الى الحكم بعد عقود من التغييب والتهميش والتنكيل، مثلما تحقق ذلك بمقدار معين للتيار الاسلامي العراقي الذي تعرض الى قدر اكبر من التغييب والتهميش والتنكيل الذي تعرض له التيار الاسلامي المصري، يمكن ان يؤسس لأرضية جيدة من التفاهمات الجادة والموضوعية، يضاف الى ذلك ان كلا الطرفين يتفهمان ويدركان واقع وحقيقة القوى الدولية التي تعمل وفق مبدأ فرق تسد divide and rule .
والشيء المهم والمشجع هنا هو ان مصر في عهدها الجديد، ومثلما اشار رئيسها محمد مرسي تسعى الى تعزيز وتقوية علاقاتها مع كل الاطراف، واصلاح وترميم ما هو مرتبك ومضطرب منها بسبب بعض المؤثرات والضغوطات الدولية والاقليمية عليها.
في ذات الوقت فإن مصر لن تكون بمنأى عن طبيعة المشاريع والأجندات والمخططات الدولية والاقليمية التي تحاول محاصرة مكونات ودول وعناوين سياسية معينة في المنطقة، وفتح افاق وفضاءات فسيحة لاخرى، وما يحصل في البحرين وسوريا من احداث ووقائع على الارض، وما تتعرض له ايران من ضغوطات سياسية واقتصادية، وما يواجهه حزب الله اللبناني، وقوى اسلامية سياسية عراقية وغير عراقية من تحديات أكبر وأوضح دليل على ذلك.
وكلما تبنت مصر الجديدة سياسات استقلالية بعيدة عن المحاور والاصطفافات الضيقة، كلما استعادت قوتها وحضورها في محيطها العربي والاقليمي، ونجحت بمعالجة مشاكلها وصححت مسارات الماضي الخاطئة، والعكس سيدفعها الى المزيد من الفوضى الداخلية، سياسيا وامنيا واقتصاديا.
الكثيرون في العراق اليوم يقولون ان العراق الجديد يمثل بالنسبة لمصر الجديدة بوابة مهمة، يمكن ان تلج منها الى الطريق الصحيح لبناء مستقبلها السياسي والاقتصادي، وهذا شيء صحيح، وربما يقول به المصريون ايضا من الذين يقرأون الواقع بموضوعية وحكمة بعيداً عن العناوين والعقد الطائفية والمذهبية الضيقة.
وبإمكان مرسي وهو يدخل قصر عابدين كأول رئيس مدني جاء عبر صناديق الاقتراع لا من خلال معادلات قوة العسكر وصفقات الكواليس المظلمة، ان يفعل الشيء الكثير والصحيح ليقرب القاهرة الى بغداد.