ارشيف من :آراء وتحليلات

الفقاعة الأسيرية...هل تنفجر بوجه 14 آذار؟

الفقاعة الأسيرية...هل تنفجر بوجه 14 آذار؟
حسين حمية

تحاول قوى 14 آذار أن تغسل يديها من فقاعة أحمد الأسير، وتتعامل معها بالعلن على أنها ظاهرة لا مرجعية وطنية مسؤولة عن أعمالها وتجاوزاتها وخروجها عن "تقاليد وآداب" العيش اللبناني المشترك، لا بل أكثر من هذا، بلغ التشاطر عند هذه القوى، أنها تتعمّد عن قصد تلميع هذه الفقاعة والتغطية على بعدها الإستخباري، بالزعم أنها من الظواهر المتولدة عن انتشار السلاح في لبنان، وبالتحديد إعتبارها بمثابة ردة فعل على سلاح المقاومة.

في الأمن، هناك كمية وافرة من المعلومات عن أسباب إطلاق هذه الفقاعة ووجهة استخدامها والأساليب التي تعتمدها، إلى الجهة الممولة لها والسند الإحتياطي لها من خارج مدينة صيدا. فهي ليست كما يحاول الإعلام تثبيتها كظاهرة مرتجلة يختلط فيها الكاريكاتوري بالسبق الإعلامي، أو كما تذهب بعض التحليلات السطحية إلى رؤيتها حركة اعتراضية على تعاطي القيادة السنية (ممثلة بالحريرية) مع ملفات الصراع الداخلي، فكل هذا الكلام ليس سوى غبار لحجب المشغلين الحقيقيين والتمويه على مخططات تخريبية تجري حياكتها في الغرف السوداء التي تدير عملية الفوضى في المنطقة.

الفقاعة الأسيرية...هل تنفجر بوجه 14 آذار؟طبعاً، لغة الأسير لغة لا تخلو الشوارع المذهبية والطائفية منها، وهي ليست محصورة بطائفة أو مذهب معيّن، وتتردد في شكل محدود في الأمكنة المغلقة على لون واحد، لكن وظيفة القوى السياسية كانت دائماً في لبنان تقيم الحجر على هذه اللغة من ضمن إعتبارات وطنية ودينية وتبعاً لأصول وقواعد اللعبة السياسية في البلد، وعدم الإعتراف بها كخطاب سياسي، بالتالي عدم استخدامها أو استثمارها في الموضوعات الخلافية بين اللبنانيين.

هل هذا ما يحدث مع الفقاعة الأسيرية؟ هذا السؤال موجه إلى قوى 14 آذار. الخطاب المعلن لهذه القوى لا يتوقف عند حدود استثماره للفقاعة المذكورة، إنما ينطوي ضمناً على تبنيها وتشجيعها ومدّها بالمصل السياسي والإعلامي اللازمين لتوظيفها لأطول مدة زمنية ممكنة، وذلك عبر لعبة مفضوحة تسنتند على التبرؤ اللفظي من ارتكابات الأسير.

كما في الأمن، من السهل بالسياسة تلمس الروابط ما بين 14 آذار والأسير، فإلى المشغل الواحد للطرفين، لقد تعاطى سياسيو وإعلام الفريق المذكور مع الفقاعة الأسيرية على أنه العصا السحرية التي يضرب بها في أكثر من اتجاه، وهي توسيع رقعة الحرائق في البلد، تعجيز الحكومة عن معالجة الكمّ الهائل من المشاكل التي تواجهها، إحراج الرئيس نجيب ميقاتي وتدفعيه سنياً ثمن إخراج الأسير من الشارع، إشغال الجيش عن أولوياته في ضبط الحدود الشمالية والحدّ من عسكرة مناطق عكار لمصلحة المعارضة السورية المسلحة والجماعات التكفيرية، إضافة إلى افتعال الأعذار لتعطيل طاولة الحوار في بعبدا أو إعادة صياغة جدول أعمالها لاستخدام هذا الفريق سلاح المقاومة في شعاراته الانتخابية المقبلة.

بالإجمال ما تريده قوى 14 آذار من الفقاعة الاسيرية، ليس سلاح المقاومة، فهي أعقل (بالقوة) من أن تتجرأ على هذه القضية بهذه الطريقة، فهي تصوّب بها (الفقاعة) على رأس الحكومة وتطويع الجيش بما يخدم مخطط تقويض سوريا، وليس مستبعداً أن يكون الأسير هو آخر من يعلم عما هو المقصود من فقاعته نظراً لكفاءته ومؤهلاته، غير أن هذا، لا ينفي تهوّر هذا الفريق برهاناته ولو أنه يملك مفاتيح ضبضبة الأسير ساعة استنفاد صلاحيته أو إلزامه بالبقاء تحت سقف القيود والضوابط المانعة للإنفجار.

لكن مقابل استمتاع هذا الفريق بلعبة الأسير، واطمئنانه إلى انضباطه، وتعويله على مقابل لقاء التضحية بها، هناك تخوف كبير قائم على معطيات أمنية من انفلات اللعبة وذهابها باتجاهات خطيرة لم تلحظها حسابات فريق 14 آذار، وهو أن فراغات واسعة في الساحة السنية نجمت عن عجز تيار المستقبل وسوء أدائه، ومثل هذه الفراغات هي موجودة في المخيمات نتيجة قلة حيلة الفصائل الفلسطينية في مواجهة المشاكل الإجتماعية التي يعانيها أهل المخيمات، ووجه الخطورة، هو أن هذه الفراغات قد جرى تعبئتها من قبل أطراف تكفيرية معروفة بتبنيها لمشاريع خارجية مشبوهة، وهذه الأطراف لديها خبرات واسعة في تحويل اللعبة الأسيرية إلى كارثة وطنية كبرى، مستغلة سذاجة اللاعبين المحليين وضحالة معلوماتهم عما يدور في المنطقة والهوية الحقيقية للأطراف المتصارعة عليها.
وهنا، قد يكون مفيدا التذكير بقول المتنبي: ومَنْ يَجعَلِ الضِّرْغامَ للصّيْدِ بازَهُ. ..تَصَيّدَهُ الضّرْغامُ فيما تَصَيّدَا.
2012-07-10