ارشيف من :أخبار عالمية
حتى لا تكون الإصلاحات وجهاً آخر للأزمة العراقية
بغداد ـ عادل الجبوري
منذ أسبوع تقريبا انحسرت مساحات الجدل والسجال حول سحب الثقة عن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، واستجواب الأخير في البرلمان، وأخذ مشروع الإصلاحات السياسية يشغل الحيز الأكبر من البحث والنقاش، لا سيما في داخل أوساط التحالف الوطني الذي يمثل الكتلة النيابية الأكبر (159 مقعدا في البرلمان).
هذا التحول ـ سواء كان تدريجيا او دراماتيكيا ـ يعني في جانب كبير منه تصدع الجبهة التي تبنت مشروع سحب الثقة عن المالكي، وعرفت بجبهة أربيل، في إشارة الى الاجتماع الذي عقد بمدينة أربيل في أواخر شهر نيسان/ ابريل الماضي، بمشاركة كبار قيادات "التحالف الكردستاني" و"القائمة العراقية" و"التيار الصدري"، وهم مسعود البارزاني وجلال الطالباني واياد علاوي وأسامة النجيفي ومقتدى الصدر.
وبالفعل فإن علامات ومؤشرات التصدع ـ او التشظي ـ بدت واضحة الى حد كبير خلال الآونة الأخيرة، ولعل من بينها انسحاب "التيار الصدري" بصورة ضمنية من ذلك المشروع، برفضه المشاركة في عملية استجواب المالكي بمجلس النواب، ومن ثم إطلاق تصريحات من قبل شخصيات من التيار اتسمت بالمرونة والاستعداد للتعاطي مع المالكي بعيداً عن سحب الثقة والاستجواب، وفيما بعد اطلق زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مبادرة للاصلاح، مثلت رؤية التيار الاجمالية والتفصيلية لمعالجة الأزمة السياسية القائمة.
اضف الى ذلك فإن القائمة العراقية بدت هي الأخرى وكأنها تبحث عن مخرج مناسب يحفظ لها ماء وجهها ويخلصها من حرج التشدد الذي وضعت نفسها فيه أول الامر، وحديث عدد من أعضائها عن أهمية وضرورة الاصلاحات السياسية، وتأكيدهم ان طرح مشروع سحب الثقة وكذلك الاستجواب كان يراد منه الضغط على الحكومة، وتحديدا على المالكي من أجل معالجة الاشكاليات السياسية القائمة وسد الثغرات والفجوات في بنية الحكومة.
وفي الوقت ذاته، فإن الاخفاق في التوصل الى نتائج ايجابية وسريعة في مشروع سحب الثقة كشف عن مقدار من التقاطعات والاختلافات في وجهات النظر والمواقف بين بعض مكونات القائمة العراقية، ناهيك عن تعميق وتكريس ما هو موجود فيها من الاساس.
وقد لا يختلف الأمر كثيراً مع التحالف الكردستاني، الذي كان واضحا منذ وقت مبكر أن فيه رؤيتين حيال التعاطي مع المالكي، الاولى متشددة يتبناها البارزاني وتقول بحتمية وضرورة سحب الثقة من المالكي وتنحيته، والثانية تتسم بالمرونة ويتبناها الطالباني، وهي تقوم على اساس اللجوء الى خيار الحوار، ولعل رفض الأخير تفعيل مشروع سحب الثقة وفق السياقات الدستورية عكس طبيعة موقفه من جانب، ومن جانب اخر خلق فجوة بينه وبين البارزاني بانت بعض معالمها عبر وسائل الاعلام.
بيد أن كل ذلك لا يعني أن المالكي انتصر في معركة ـ او معارك ـ سحب الثقة على خصومه، وثنيت له الوسادة وبات قادراً على فعل ما يشاء، ربما يكون حتى الآن قد تفوق على خصومه في المناورة والتكتيك لكسب الوقت، وإظهار نقاط الضعف بين صفوفهم، بيد ان القصة لم تنته ولا يمكن ان تنتهي عند هذه النقطة، فالخصوم لم يستسلموا بالكامل وما زالوا يمتلكون مساحات وهوامش وادوات للتحرك والضغط اذا لم تفلح في اسقاطه ـ اي اسقاط المالكي ـ فإنها لا بد ان تسبب له قدرا كبيرا من الازعاج وتجعله محاصرا ليس من قبل الخصوم فحسب، وانما من قبل حلفائه في التحالف الوطني، واكثر من ذلك ربما من قبل بعض أتباعه وشركائه في ائتلاف دولة القانون، مضافا اليه الضغط الخارجي من قبل بعض القوى الاقليمية والدولية الداعمة له من أجل النزول وتلبية بعض مطاليب الخصوم والمنافسين وإبداء نوع من المرونة لا بد منه لتجنب الوصول الى طرق موصدة وحافات خطيرة.
فمشروع سحب الثقة ـ ومعه الاستجواب ـ ما زال قادرا على الحركة في بعض الفضاءات، والتصريحات التي تنطلق من هنا وهناك وعلى لسان زعامات سياسية كبيرة، فضلا عن رؤى المرجعيات الدينية، تكشف عن وجود امتعاض كبير حيال الواقع السياسي القائم الذي يتحمل الجزء الأكبر منه رئيس الوزراء، إضافة الى ذلك فإن مشروع الاصلاحات السياسية الذي انطلق من داخل التحالف الوطني يمثل اشارة واضحة على وجود خلل كبير لا مناص من معالجته واحتوائه.
واذا كان المالكي قد نجح في كسب جولة من الصراع والمواجهة مع خصومه، فإنه اليوم يجد نفسه في مواجهة مع حلفائه وشركائه، وورقة الاصلاحات التفصيلية التي تسربت بعض مضامينها الى وسائل الاعلام تلقي في مجملها الكرة بملعب المالكي قبل غيره، ومثلما يقول ويردد اعضاء في التحالف الوطني "بأنها الفيصل بيننا وبين المالكي، اما ان يتفهم الواقع ويتفهم ما هو مطلوب، او نجد انفسنا عاجزين عن احداث أي تغيير او اصلاح اي خلل، وحينذاك لا بديل عن الذهاب الى المجهول".
وبحسب مصادر مطلعة تتضمن ورقة الاصلاحات التي اعدتها لجنة الاصلاح المنبثقة عن التحالف الوطني برئاسة رئيس التحالف ابراهيم الجعفري، ثلاثة ابواب، باب يتعلق بالسلطة التنفيذية ـ الحكومة ـ وباب يتعلق بالسلطة التشريعية ـ البرلمان ـ وباب اخر يتعلق بالسلطة القضائية.
ولعل ابرز النقاط المطروحة او تلك التي ينبغي طرحها واثارتها هي:
- تحديد ولاية الرئاسات الثلاث بولايتين فقط، علما ان الدستور يحدد ولاية رئيس الجمهورية فقط ولا يشير الى ولاية رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، باعتبار انه في النظام البرلماني لا تتحدد ولاية رئيس الحكومة ولا رئيس البرلمان.
- الاسراع بسد الشواغر في المفاصل العليا والمهمة مثل وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني والمخابرات، ومصادقة البرلمان على اصحاب المواقع الخاصة الذين يشغلون مواقعهم بالوكالة منذ سنين، مثل وكلاء الوزارات والقادة العسكريين والامنيين ورؤساء بعض الهيئات المستقلة.
- اقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وتحقيق مبدأ التوازن السياسي في كل المفاصل وفي كل المستويات، لا سيما العليا منها.
- تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، مثل اتفاقية اربيل التي تمخض عنها تشكيل الحكومة برئاسة المالكي بعد تسعة شهور من الشد والجذب والخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين.
وقد لا يكون غريبا ولا امرا سريا ان تشهد كواليس واروقة التحالف الوطني الكثير من الانتقادات والتحفظات على سياسات ومنهجيات المالكي تصل الى حد المصادمات، وهذه المصادمات تعني فيما تعنيه ان الازمة السياسة القائمة متشعبة ومتعددة الجوانب والابعاد والاطراف، وتراجع اطراف جبهة اربيل والنجف، وحتى اتفاقهم وتوافقهم مع المالكي وطي صفحة الخلافات لايمثل انهاءً للأزمة، وبعبارة اخرى ان اية اتفاقات وتوافقات ثنائية او ثلاثية لا تخرج عن كونها هروبا الى الامام، ومشروع الاصلاحات اذا لم يأخذ بنظر الاعتبار هذا الامر فإنه لن يكون سوى وجه اخر من وجوه الازمة.
منذ أسبوع تقريبا انحسرت مساحات الجدل والسجال حول سحب الثقة عن الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، واستجواب الأخير في البرلمان، وأخذ مشروع الإصلاحات السياسية يشغل الحيز الأكبر من البحث والنقاش، لا سيما في داخل أوساط التحالف الوطني الذي يمثل الكتلة النيابية الأكبر (159 مقعدا في البرلمان).
هذا التحول ـ سواء كان تدريجيا او دراماتيكيا ـ يعني في جانب كبير منه تصدع الجبهة التي تبنت مشروع سحب الثقة عن المالكي، وعرفت بجبهة أربيل، في إشارة الى الاجتماع الذي عقد بمدينة أربيل في أواخر شهر نيسان/ ابريل الماضي، بمشاركة كبار قيادات "التحالف الكردستاني" و"القائمة العراقية" و"التيار الصدري"، وهم مسعود البارزاني وجلال الطالباني واياد علاوي وأسامة النجيفي ومقتدى الصدر.
وبالفعل فإن علامات ومؤشرات التصدع ـ او التشظي ـ بدت واضحة الى حد كبير خلال الآونة الأخيرة، ولعل من بينها انسحاب "التيار الصدري" بصورة ضمنية من ذلك المشروع، برفضه المشاركة في عملية استجواب المالكي بمجلس النواب، ومن ثم إطلاق تصريحات من قبل شخصيات من التيار اتسمت بالمرونة والاستعداد للتعاطي مع المالكي بعيداً عن سحب الثقة والاستجواب، وفيما بعد اطلق زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر مبادرة للاصلاح، مثلت رؤية التيار الاجمالية والتفصيلية لمعالجة الأزمة السياسية القائمة.
اضف الى ذلك فإن القائمة العراقية بدت هي الأخرى وكأنها تبحث عن مخرج مناسب يحفظ لها ماء وجهها ويخلصها من حرج التشدد الذي وضعت نفسها فيه أول الامر، وحديث عدد من أعضائها عن أهمية وضرورة الاصلاحات السياسية، وتأكيدهم ان طرح مشروع سحب الثقة وكذلك الاستجواب كان يراد منه الضغط على الحكومة، وتحديدا على المالكي من أجل معالجة الاشكاليات السياسية القائمة وسد الثغرات والفجوات في بنية الحكومة.
وفي الوقت ذاته، فإن الاخفاق في التوصل الى نتائج ايجابية وسريعة في مشروع سحب الثقة كشف عن مقدار من التقاطعات والاختلافات في وجهات النظر والمواقف بين بعض مكونات القائمة العراقية، ناهيك عن تعميق وتكريس ما هو موجود فيها من الاساس.
وقد لا يختلف الأمر كثيراً مع التحالف الكردستاني، الذي كان واضحا منذ وقت مبكر أن فيه رؤيتين حيال التعاطي مع المالكي، الاولى متشددة يتبناها البارزاني وتقول بحتمية وضرورة سحب الثقة من المالكي وتنحيته، والثانية تتسم بالمرونة ويتبناها الطالباني، وهي تقوم على اساس اللجوء الى خيار الحوار، ولعل رفض الأخير تفعيل مشروع سحب الثقة وفق السياقات الدستورية عكس طبيعة موقفه من جانب، ومن جانب اخر خلق فجوة بينه وبين البارزاني بانت بعض معالمها عبر وسائل الاعلام.
بيد أن كل ذلك لا يعني أن المالكي انتصر في معركة ـ او معارك ـ سحب الثقة على خصومه، وثنيت له الوسادة وبات قادراً على فعل ما يشاء، ربما يكون حتى الآن قد تفوق على خصومه في المناورة والتكتيك لكسب الوقت، وإظهار نقاط الضعف بين صفوفهم، بيد ان القصة لم تنته ولا يمكن ان تنتهي عند هذه النقطة، فالخصوم لم يستسلموا بالكامل وما زالوا يمتلكون مساحات وهوامش وادوات للتحرك والضغط اذا لم تفلح في اسقاطه ـ اي اسقاط المالكي ـ فإنها لا بد ان تسبب له قدرا كبيرا من الازعاج وتجعله محاصرا ليس من قبل الخصوم فحسب، وانما من قبل حلفائه في التحالف الوطني، واكثر من ذلك ربما من قبل بعض أتباعه وشركائه في ائتلاف دولة القانون، مضافا اليه الضغط الخارجي من قبل بعض القوى الاقليمية والدولية الداعمة له من أجل النزول وتلبية بعض مطاليب الخصوم والمنافسين وإبداء نوع من المرونة لا بد منه لتجنب الوصول الى طرق موصدة وحافات خطيرة.
فمشروع سحب الثقة ـ ومعه الاستجواب ـ ما زال قادرا على الحركة في بعض الفضاءات، والتصريحات التي تنطلق من هنا وهناك وعلى لسان زعامات سياسية كبيرة، فضلا عن رؤى المرجعيات الدينية، تكشف عن وجود امتعاض كبير حيال الواقع السياسي القائم الذي يتحمل الجزء الأكبر منه رئيس الوزراء، إضافة الى ذلك فإن مشروع الاصلاحات السياسية الذي انطلق من داخل التحالف الوطني يمثل اشارة واضحة على وجود خلل كبير لا مناص من معالجته واحتوائه.
واذا كان المالكي قد نجح في كسب جولة من الصراع والمواجهة مع خصومه، فإنه اليوم يجد نفسه في مواجهة مع حلفائه وشركائه، وورقة الاصلاحات التفصيلية التي تسربت بعض مضامينها الى وسائل الاعلام تلقي في مجملها الكرة بملعب المالكي قبل غيره، ومثلما يقول ويردد اعضاء في التحالف الوطني "بأنها الفيصل بيننا وبين المالكي، اما ان يتفهم الواقع ويتفهم ما هو مطلوب، او نجد انفسنا عاجزين عن احداث أي تغيير او اصلاح اي خلل، وحينذاك لا بديل عن الذهاب الى المجهول".
وبحسب مصادر مطلعة تتضمن ورقة الاصلاحات التي اعدتها لجنة الاصلاح المنبثقة عن التحالف الوطني برئاسة رئيس التحالف ابراهيم الجعفري، ثلاثة ابواب، باب يتعلق بالسلطة التنفيذية ـ الحكومة ـ وباب يتعلق بالسلطة التشريعية ـ البرلمان ـ وباب اخر يتعلق بالسلطة القضائية.
ولعل ابرز النقاط المطروحة او تلك التي ينبغي طرحها واثارتها هي:
- تحديد ولاية الرئاسات الثلاث بولايتين فقط، علما ان الدستور يحدد ولاية رئيس الجمهورية فقط ولا يشير الى ولاية رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، باعتبار انه في النظام البرلماني لا تتحدد ولاية رئيس الحكومة ولا رئيس البرلمان.
- الاسراع بسد الشواغر في المفاصل العليا والمهمة مثل وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني والمخابرات، ومصادقة البرلمان على اصحاب المواقع الخاصة الذين يشغلون مواقعهم بالوكالة منذ سنين، مثل وكلاء الوزارات والقادة العسكريين والامنيين ورؤساء بعض الهيئات المستقلة.
- اقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وتحقيق مبدأ التوازن السياسي في كل المفاصل وفي كل المستويات، لا سيما العليا منها.
- تنفيذ الاتفاقيات المبرمة، مثل اتفاقية اربيل التي تمخض عنها تشكيل الحكومة برئاسة المالكي بعد تسعة شهور من الشد والجذب والخلافات الحادة بين الفرقاء السياسيين.
وقد لا يكون غريبا ولا امرا سريا ان تشهد كواليس واروقة التحالف الوطني الكثير من الانتقادات والتحفظات على سياسات ومنهجيات المالكي تصل الى حد المصادمات، وهذه المصادمات تعني فيما تعنيه ان الازمة السياسة القائمة متشعبة ومتعددة الجوانب والابعاد والاطراف، وتراجع اطراف جبهة اربيل والنجف، وحتى اتفاقهم وتوافقهم مع المالكي وطي صفحة الخلافات لايمثل انهاءً للأزمة، وبعبارة اخرى ان اية اتفاقات وتوافقات ثنائية او ثلاثية لا تخرج عن كونها هروبا الى الامام، ومشروع الاصلاحات اذا لم يأخذ بنظر الاعتبار هذا الامر فإنه لن يكون سوى وجه اخر من وجوه الازمة.