ارشيف من :أخبار عالمية

ضربة قانونية ذكية في مرمى العسكر: مرسي يستعيد زمام المبادرة

ضربة قانونية ذكية في مرمى العسكر: مرسي يستعيد زمام المبادرة
كان يجب على بقية قوى الثورة المصرية ان تتحد وتقف خلف الرئيس محمد مرسي في بدئه معركة استعادة حقوق الثورة ووضع حد لتجاوز المجلس العسكري الحاكم حدوده القانونية والتي بلغت حدّ منح نفسه إصدار إعلان دستوري وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية والسيطرة على السلطة التشريعية بعد اصداره قرار تنفيذياً لحكم المحكمة الدستورية بحل البرلمان. لكن الاصوات المرتفعة ضد القرار الرئاسي واعتباره تجاوزاً للقانون ورفع بعض الدعاوى القضائية عليه لوقف تنفيذه تشير الى تدهور في مستوى وعي بعض القوى والشخصيات الثورية التي لم تتعلم من تجربة تفكك أواصرها وتشتتها في الانتخابات الرئاسية، والتي ادت الى نتائج سلبية تمثلت بتقليص حجم الأصوات التي نالها مرسي ومنح اصوات تجاوزت الاثني عشر مليونا لمرشح النظام البائد احمد شفيق، اي بما يفوق ما حصلت عليه القوى الليبرالية واليسارية من اصوات في انتخابات مجلس الشعب.

وكان واضحا ان ابتعاد قوى الثورة عن بعضها والانشغال بخلافاتها فتح المجال امام المجلس العسكري ليمارس ما يحلو له من ضغوط وتجاوزات من أجل تلفيق قاعدة شعبية يريد ان يؤسس عليها في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث إنه يمكن بموجب ما منحه لنفسه من حق التشريع ـ وان كان تحت طائلة حق الرئيس في الاعتراض على القوانين ـ ان يصيغ قانونا انتخابيا جديدا على قياسه وقياس مرشحيه، كما يمكن ان يلجأ الى تشكيل هيئة تأسيسية للدستور بما يصادر هذا الحق من مجلس الشعب، وبالتالي يتولى هو صياغة دستور مرحلة ما بعد الثورة، لتنحصر التغييرات التي انتجتها الثورة ببعض المسائل الشكلية.

ورغم ان الرئيس مرسي فتح باب التعاون امام قوى الثورة الأخرى ومنحها منصب نائب الرئيس مقابل التصويت له في مرحلة الاعادة فإن ذلك لم يحصل وأسس لبدء مرحلة من الصراع بين قوى الثورة ستؤدي حكما الى تقليص مكاسبها وزيادة مكاسب المجلس العسكري والجهات الواقفة وراءه.

ضربة قانونية ذكية في مرمى العسكر: مرسي يستعيد زمام المبادرة

وعليه فان قرار الرئيس المصري بوقف تنفيذ قرار المجلس العسكري بحل البرلمان شكل مفاجأة للجميع وفرصة يفترض ان تتلقفها بقية قوى الثورة من اجل المبادرة الى الهجوم من جديد وامساك زمام الامور، لا ان تفتح النار على الرئيس الجديد بزعم انه مخالف للقانون وترفع دعاوى منازعات عليه امام القضاء المصري. مع الاشارة الى ان المحكمة الدستورية العليا ورغم بيانها المقتضب تعقيبا على قرار الرئيس واعتبارها ان احكامها نهائية وملزمة لجميع مكونات الدولة، وانها غير قابلة للمراجعة والنقض، فانها لم تقم بتوصيف قانوني لقرار الرئيس تعتبره غير شرعي أو أنه من خارج اختصاصه.

وهذا الأمر كان لافتا بوضوح، وشكل اقراراً ضمنياً بأن ما قام به رئيس الجمهورية امر متاح دستورياً. كما ان الرئيس نفسه لم يأت على ذكر قرار المحكمة بل قام بوقف تنفيذ قرار تنفيذي صادر عن المجلس العسكري، اي انه لم يقل ان قرار المحكمة غير صحيح او غير قانوني، بل قام بتأجيل تنفيذه من اجل تهيئة امكانية اقرار دستور جديد وقانون انتخابات ومن ثم اعادة اجراء انتخابات تشريعية بعد ستين يوما من اقرار الدستور الجديد، اي انه ضمنا اعتبر ان البرلمان يملأ فراغا ضروريا في مرحلة انتقالية حدودها الزمنية تنتهي بعد اقرار الدستور، وهو ما اكده المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي بقوله انه "لا منازعة مع القضاء"، معتبرا ان من حق رئيس الجمهورية ارجاء تنفيد حكم قضائي مراعاة للمصلحة العليا للدولة والشعب، وان قراره الاخير لا يخالف ولا يناقض حكم المحكمة الدستورية العليا، وإنما يقضي بتنفيذه خلال أجل محدد يسمح به القضاء الدستوري والإداري، مضيفا "ان حيثيات قرار المحكمة لم توجب أن يكون التنفيذ خلال أجل معين أو فوري". وما يثبت صحة هذا التفسير ان المحكمة الدستورية اعلنت انه وفقا لاختصاصها بموجب المادة 50 من قانونها فانها ستنظر في دعاوى عاجلة رفعت امامها من قبل اشخاص اعتبرت ان لهم صفة، ومن ذوي الشأن، اقاموا منازعات امامها تطالب بوقف تنفيذ قرار الرئيس مرسي باستعادة مجلس الشعب صلاحياته التشريعية. ولم يشر بيان المحكمة الى ان المنازعات المرفوعة تعتبر قرار الرئيس باطلا او ليس من اختصاصه، والامر نفسه حصل في دعاوى ممثلة رفعها بعض المحامين والنواب امام القضاء الاداري تطالب بوقف تنفيذ القرار، ما يؤكد ان قرار مرسي يقع في نطاق صلاحياته، الا ان المطلوب من المعترضين وقف تنفيذه وليس الغاءه.

وبمعزل عن الجدل القانوني وما يمكن ان ينتهي اليه من قرارات وآراء ستفتح ابواب الاجتهادات والتفسيرات على ابوابها، ولن يُعدم الرئيس مرسي حيلة في مواجهتها، فانه في التفسير الاولي لخطوة الرئيس انها شكلت ضربة قوية في مرمى العسكر والقضاء، وانها تعتبر بمثابة مواجهة مفتوحة بينه وبين المجلس العسكري، الذي يبدو انه تفاجأ بهذا القرار، ما يجعله يكتفي ـ رغم اجتماعه العاجل وترقب رد فعله ـ ببيان شدد فيه على "ضرورة احترام القانون وسيادته"، في وقت لم يمنع الجنود المولجين بحراسة مقر مجلس الشعب النواب من العودة اليه يوم الثلاثاء بناءً على دعوة من رئيسه محمد سعد الكتاتيني للانعقاد بعدما كان فعل ذلك اثناء اصدار المجلس العسكري قراراً تنفيذياً بحل البرلمان، الامر الذي اعتبره بعض المراقبين مؤشراً على عدم رغبة الجيش في مواجهة قرار الرئيس.
ويمكن القول ان الادوات القانونية التي حاول المجلس العسكري مستعينا بالقضاء ان يطوّق بها الثورة وقواها الاساسية، سيجد منها الرئيس الجديد ما يمكنه من صد الهجمة على التيار الاسلامي ومحاولة تقليص حجمه التمثيلي، وهي الغاية الاساس من قرار حل البرلمان الذي لم يَرُقْ كثيرين ان يفوز الاسلاميون بغالبية سبعين في المئة من مقاعده. وبالتالي فان ابواب المواجهة مشرعة على اشكال عديدة، ولا سيما ان العسكر الذي يمسك بنحو ثلث الاقتصاد المصري لا يريد تسليم السلطة فعلياً لاي جهة سياسية، ويريد ان يكرس نفسه لاعباً اساسياً ومستمراً في ادارة البلاد، بدعم خارجي، ما قد يؤيدي الى اطالة أمد المرحلة الانتقالية، وفي هذه الحالة سيبقى الاعتبار والحاجة قائمين لميادين الثورة لكي تساند رئيس الجمهورية في ما يعتزم القيام به من خطوات لاحقة.


عبد الحسين شبيب
2012-07-11