ارشيف من :آراء وتحليلات

تفاقم الأزمة السياسية في رومانيا

تفاقم الأزمة السياسية في رومانيا
صوفيا ـ جورج حداد*

منذ اسقاط نظام تشاوشيسكو وإلقاء القبض عليه في 1989 واعدامه التعسفي مع زوجته إيلينا من قبل الشرطة العسكرية بعد اجراء مسرحية محاكمة صورية لهما، ـ منذ ذلك الحين ورومانيا تعيش ازمة سياسية متواصلة، لم يخفف منها انضمام رومانيا الى الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي.

وتندلع الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والفساد في كل انحاء البلاد. وخاصة في اوساط عمال المناجم، الذين زحفوا اكثر من مرة نحو العاصمة. ويرى المراقبون ان الصبر الشعبي على الاوضاع القائمة قد نفد إلا انه لم يصل بعد الى حد الانفجار والثورة.

وقد عمدت الحكومة في الفترة الأخيرة الى فصل رئيس الجمارك واعتقال عشرات الموظفين ورجال الامن الحدوديين ورجال الشرطة، في محاولة للبرهنة على اهلية البلاد للدخول في اتفاقية شينغين والمنطقة الاوروبية المفتوحة بدون تأشيرات دخول.

وأجريت تعديلات على التركيبة الحكومية، بهدف مواجهة الأزمة، ويقول المراقبون ان هذه التعديلات هي عديمة الفائدة، الا انها لن تضر.

وقد نشبت مؤخرا ازمة بين رئيس الجمهورية ترايان بوسيسكو ورئيس الوزراء فيكتور بونتا الذي يطلق عليه البعض لقب "الرئيس Copy-Paste" لانتحاله نصوصا كاملة في اطروحته للدكتوراه ولمحاولته تقليد رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان.

وأثارت حملة فيكتور بونتا على خصومه السياسيين انتقادات دولية. ويرى بعض الخبراء ان تبديل الحكومة الرومانية لن يهدئ الاستياء الشعبي ولن يستبعد اجراء انتخابات نيابية مبكرة. وان اجراء انتخابات رئاسية هو المفتاح لايجاد حلول للأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد.

ويشن فيكتور بونتا حربا شعواء على رئيس الجمهورية ترايان بوسيسكو، ما دفع بعض اوساط المعارضة لوصف هذه الحملة بأنها اشبه شيء بـ"انقلاب"، حسبما جاء في جريدة "أديفيرول" و"نشاطات ذات طابع توتاليتاري" (حسبما جاء في جريدة "رومانيا ليبيرا")، وانه ينبغي على الاتحاد الاوروبي واميركا ان يقلقا لان الديمقراطية في البلاد اصبحت مهددة. والجدير ذكره ان هذه الحكومة هي الحكومة الثالثة في رومانيا خلال السنة الحالية.
تفاقم الأزمة السياسية في رومانيا
وفي الايام الاخيرة نجح فيكتور بونتا و"الاتحاد الاجتماعي ـ الليبيرالي" الذي ينتمي الى يسار الوسط، في اجراء التغييرات التالية: تغيير رئيسي غرفتي مجلس النواب، فصل امين المظالم Ombudsman الذي يعينه البرلمان، منع المحكمة الدستورية من اعادة النظر في قرارات البرلمان وتهديد بعض القضاة بالفصل. وكل ذلك بهدف وحيد هو التمكن من ازاحة الرئيس بوسيسكو. وتم تعديل القانون بشكل يسمح بطرد الرئيس من قصر "كوتروتشيني". ولم يتبق سوى اقل من 20 يوما لاجراء الاستفتاء حول عزل الرئيس. واصبح من الممكن العزل اذا صوت عليه 50% زائد واحد من المقترعين، وليس 50% زائد واحد من الناخبين الذين يحق لهم الاقتراع كما كان حال القانون الى الان.

وفي تعليقها على الوضع الراهن تقول آني ـ ماري بلاجان، رئيسة تحرير الموقع الالكتروني Hot News "ان السرعة التي يحصل بها كل شيء لا تصدق. وتبدو الامور وكأنها ناشئة عن انقلاب، علما ان كل الاجراءات انما تتم بمحاذاة القانون. ولكن تبديل قواعد اللعب خلال المباراة ذاتها هو امر غير ديمقراطي". وهي تضيف انه منذ ان وصل بونتا الى رئاسة الوزراء في شهر ايار الماضي، كان من الواضح ان التعايش السلمي بينه وبين بوسيسكو هو غير ممكن. ولكن احدا لم يكن يتصور ان تتطور الامور بهذه السرعة. علما ان ذلك يمكن ان يتحول الى انتحار سياسي للشريحة الحاكمة لانه يهدد الامال بكسب الانتخابات النيابية في شهر تشرين الثاني القادم. "ان بونتا وحزبه الاشتراكي الديمقراطي يعلمان انه في حال حاولا ان يعزلا الرئيس قبل الانتخابات، فإنه سيضطلع بدور الضحية وسيحصل على الدعم مقابل ذلك. وهذا ما سيقوّض حظوظ الحزب في الانتخابات القادمة. ولكن الجناح الليبيرالي بقيادة كرين انتونيسكو، في الاتحاد الاجتماعي ـ الليبيرالي، قد دفع الامور بهذا الاتجاه".

ويقول المحلل السياسي في جريدة "غوندول" كريستيان تودور بوبيسكو ان التعجيل في الاشتباك بين الطرفين تم بفعل عدة فضائح في الاسابيع الاخيرة. وحدث اول اشتباك حينما تبين ان الرئيس بوسيسكو هو الذي يقف خلف فضيحة السرقة الادبية التي سجلت على رئيس الوزراء بونتا والتي قيل فيها انه انتحل مقاطع كاملة من مؤلفات سابقة اودعها في الاطروحة التي نال بموجبها لقب الدكتوراه. ويضيف بوبيسكو "انه لم يعد بالامكان ارجاع عقارب الساعة الى الوراء. وان المخرج الوحيد من الوضع السياسي المتوتر الحالي هو الاستفتاء. والرومانيون يجب ان يقولوا كلمتهم".

"وكجزء من اللعبة الجارية حاليا في رومانيا، فإن انتونيسكو، الذي يضطلع بدور الرئيس الجديد لمجلس الشيوخ، سوف يؤدي دور رئيس الجمهورية بالوكالة، لحين نهاية الانقلاب على بوسيسكو"، حسبما صرح غيونتر كريهباوم، رئيس لجنة الشؤون الاوروبية في البوندستاغ الالماني. وتعلق آني ـ ماري بلاجان على ذلك بالقول "ان الكثيرين في رومانيا يتوقعون ذلك. ولكنني آمل ان الحكام الحاليين ليسوا على هذا القدر من الغباء ان يطلقوا النار على ارجل بعضهم بعضا".

تفاقم الأزمة السياسية في رومانيا


وتضيف بلاجان ان النقطة التي اوصلت النزاع الى حرب مفتوحة بين بونتا وبوسيسكو هي الخلاف حول من كان سيذهب لتمثيل رومانيا في القمة الاخيرة للاتحاد الاوروبي التي عقدت في بروكسل. وكانت المحكمة الدستورية قد اتخذت القرار بأن يذهب بوسيسكو الى بروكسل، ولكن الذي ركب الطائرة هو فيكتور بونتا رغما عن النصوص الدستورية.

وسيجري الاستفتاء على تنحية ترايان بوسيسكو في 29 تموز الجاري.

وفي هذا الوضع السياسي المضطرب يزداد عجز الميزانية تفاقما، ما يهدد بإفشال صفقة قرض مع صندوق النقد الدولي، كما يؤدي الى هروب الرساميل المحلية والتوظيفات الخارجية من رومانيا.

وينتمي الرئيس بوسيسكو الى جناح يمين الوسط، في حين ينتمي رئيس الوزراء بونتا الى الجناح الاشتراكي.

وقد دعت المفوضية الاوروبية الحكومة الرومانية الى احترام استقلالية الهيئات القضائية. كما ان السفير الاميركي في بوخارست مارك غيتينشتاين عبّر عن القلق حيال "المؤسسات الديمقراطية المستقلة" في رومانيا.

2012-07-11