ارشيف من :أخبار عالمية

مجلس أمن كردستان.. لماذا الان؟

مجلس أمن كردستان.. لماذا الان؟
بغداد ـ عادل الجبوري

كان من الطبيعي جدا أن يثير قرار رئاسة إقليم كردستان الاخير بتشكيل مجلس أمن وطني للإقليم حفيظة أطراف عراقية عديدة ابرزها الحكومة الاتحادية في بغداد برئاسة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ويولد ردود افعال غاضبة، من شأنها ان تزيد الهوة بين الخصوم السياسيين في كل من اربيل وبغداد، وتقلص فرص التوصل الى حلول مقبولة ومرضية للازمة القائمة، والتي وصلت الى درجات خطيرة باتت تهدد العملية السياسية برمتها.

نقطة الخلاف والجدل الرئيسية التي تمحور عليها موضوع مجلس امن اقليم كردستان، هي مدى وطبيعة دستورية تلك الخطوة.

لم يتأخر المعسكر الداعم للمالكي في التأكيد على أن تشكيل مثل ذلك المجلس يتعارض جملة وتفصيلا مع الدستور العراقي النافذ، فقد صرح النائب عن دولة القانون محمد الصيهود "ان تشكيل مجلس الأمن الوطني في إقليم كردستان مخالف للدستور العراقي"، معتبرا ان الإقليم يستغل الخلافات السياسية للقيام بخطوات غير دستورية، وان الاكراد يلعبون دورا مزدوجا ويتصرفون وكأنهم دولة".

في مقابل ذلك اعتبر الاكراد ان تشكيل مجلس وطني للامن في الاقليم يأتي ضمن سياقات الدستور، وفي هذا الشأن يشير رئيس ديوان رئاسة اقليم كردستان فؤاد حسين الى "ان تشكيل مجلس الامن الوطني للاقليم يتوافق تماما مع الدستور العراقي، ويأتي في سياق عملية استكمال توحيد الوزارات والمؤسسات، وان الأجهزة المنضوية تحت مظلة المجلس الجديد هي اجهزة امنية عريقة، وتأسيس مجلس خاص بها يهدف الى تنظيم وتخطيط سياسية امنية موحدة واحلال التنسيق بين كل المؤسسات ذات العلاقة كما ينص عليه قانون المجلس".

مجلس أمن كردستان.. لماذا الان؟

ويستند الاكراد ويحتجون على معارضيهم ومنتقديهم بانتهاك الدستور، بالمادة 121 من الدستور في فقرتها الخامسة والتي تنص على انه "تختص حكومة الاقليم ـ اقليم كردستان ـ بكل ما تتطلبه ادارة الاقليم وبوجه خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم كالشرطة والامن وحرس الاقليم".

وكان رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني اعلن يوم الاحد الماضي عن تشكيل مجلس امن وطني لاقليم كردستان، يتألف من مؤسسة الامن (الآسايش) والمديرية العامة للاستخبارات العسكرية ووكالة حماية ومعلومات الإقليم، وعين نجله مسرور مستشارا للمجلس بدرجة وزير، علما ان الاخير شغل منصب رئيس جهاز امن الحزب الديمقراطي (الباراستن) منذ عدة سنين، ويعتبر الشخصية الاقوى في الحزب بعد والده، ولا ينافسه في النفوذ والقوة وطموحات الزعامة سوى ابن عمه وزوج اخته نيجرفان البارزاني الذي يشغل حاليا منصب رئيس حكومة الاقليم. وتم تعيين رئيس جهاز امن الاتحاد الوطني الكردستاني(زانياري) خسرو كول محمد نائبا لمسرور.   

بيد ان هناك رؤية اخرى لتلك الخطوة، تبتعد قليلا عن تفسيرات الدستور ومرتكزاته، لتحمل بعدا سياسيا يرتبط اساسا بتفاعلات الساحة العراقية، واحداث المنطقة وطبيعة الاصطفافات والتحالفات الاقليمية والدولية.

فقد اعتبر مراقبون للشأن الكردي ان خطوة تشكيل مجلس امن للاقليم، يراد من ورائه توحيد وتنسيق الرؤى والخطط والتحركات الامنية في الاقليم بين جهازي الحزبين، وفك التقاطعات التي قد تنعكس سلبا على مجمل اوضاع الاقليم، رغم وجود اختلافات وخلافات في المواقف والتوجهات السياسية بينهما، ناهيك عن تراكمات الخلافات التاريخية التي لابد ان تطل برأسها بين الفينة والاخرى.

وتبقى النقطة الجوهرية في تلك الرؤية تتمحور حول سعي الاكراد لتعزيز نفوذهم واكتساب مزيد من عناصر القوة في الداخل العراقي، حتى يكون بامكانهم ان يكونوا لاعبا مؤثرا وفاعلا في رسم سياسات البلد وفي صناعة القرار، وما يحفزهم على ذلك بصورة اكبر هو  شعورهم بوجود مخططات واجندات من قبل بعض الأطراف تهدف الى تحجيمهم وإضعافهم، والالتفاف على اي مطلب لهم من شأنه ان يمنحهم قوة اكبر، وهم يعتبرون سياسات الالتفاف والتمييع والتسويف المتبعة حيال تطبيق المادة 140 من الدستور، وعدم اقرار قانون النفط والغاز حتى الان، أمثلة ومصاديق حية على حقيقة توجهات الاطراف صاحبة السلطة في بغداد حيال الاكراد.

في ذات الوقت يتحدث مقربون من اوساط الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، بان البارزاني وحزبه كانوا الاكثر تحمسا لتشكيل المجلس الجديد، من اجل ان تكون كل الاوراق الكردية بأيديهم، تحسبا لاي اختلاف وصراع مع منافسهم التقليدي –الاتحاد الوطني ـ وابعد من ذلك فأنهم يفكرون كثيرا بأمكانية رحيل الطالباني في اية لحظة، بأعتبار ان الرجل متقدم كثيرا في السن ويعاني من ظروف صحية صعبة، ورحيله سيولد فراغا في قمة هرم قيادة حزب الاتحاد، وفراغا في منصب رئيس الجمهورية من الطبيعي ان يكون على الاكراد ملئه بشخصية يتوافقون عليها وتحظى بالقبول من قبل القوى السياسية العراقية الشيعية والسنية على السواء.     
 
مجلس أمن كردستان.. لماذا الان؟

من جهة اخرى يرى البعض ان الاكراد باتوا يتصرفون وكأنهم دولة مستقلة بالكامل لا ينقصها سوى الاعلان الرسمي، فهم يبرمون العقود النفطية بعيدا عن الحكومة الاتحادية ويصدرون النفط، ويقيمون العلاقات التي تتميز بالطابع الدبلوماسي مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي بطريقة تبدو متناقضة وغير منسجمة في بعض الاحيان مع طبيعة سياسات البلاد الخارجية، وما استقبال شخصيات سياسية عربية ودولية ـ رسمية وغير رسمية ـ في اربيل من دون اي تنسيق مع بغداد الا مؤشر ودليل على ذلك، وكان قد زار اقليم كردستان خلال العام الجاري والعام الماضي شخصيات سياسية عديدة مثل رئيس الوزراء الاردني السابق معروف البخيت، وزعيم حزب الكتائب اللبناني امين الجميل، وزعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، اضف الى ذلك فأن العلم العراقي يكاد يختفي تماما في معظم مناطق الاقليم، ودخول المواطنين من محافظات وسط وجنوب العراق الى الاقليم يخضع لضوابط وقيود مشددة لا تقل عن الضوابط والقيود التي تعمل بها مختلف الدول عند دخول الرعايا الاجانب اليها، ان لم تكن اشد في كثير من الاحيان.

كل ذلك يقوله ويردده عدد غير قليل من الساسة والمراقبين في داخل الاروقة والكواليس السياسية بالعاصمة بغداد، ويجد في بعض الاحيان صدى واضحا في وسائل الاعلام والمنابر السياسية، مع اهمية التأكيد على ان ذلك كله لا ينفصل عن طبيعة العلاقات وايقاع الحراك في واقعه المتأزم والمتسم بكثير من التشنج والاحتقان بين الفرقاء السياسيين، والغالب عليه انعدام الثقة بشكل كامل او شبه كامل.

والمسألة الاخرى المرتبطة بالبعد السياسي لتشكيل مجلس امن كردستان وتوقيت الاعلان عنه هو الموقف التركي الذي تغير بمقدار كبير خلال العام الاخير لصالح الاكراد، وهذا امر يتسم بالغرابة في نظر الكثيرين،اذا تمت مقارنته بالموقف التركي الرسمي المتشدد والمتصلب على طول الخط ازاء اية سياسيات او خطوات توفر فسحة اكبر من الحركة للاكراد.

وهنا فأن طبيعة تفاعلات الساحة العراقية السياسية، وكذلك احداث الساحة السورية، ومحاولات انقرة تغيير المعادلات لصالح المكون السني، والتحالف والاصطفاف مع قوى اقليمية مثل السعودية وقطر، يمكن ان يدفع الساسة الاتراك لاجراء تعديلات في الجوانب التكتيكية وليس الاستراتيجية لسياساتهم في المنطقة.

ولعل مثل ذلك التوجه يعزز التسريبات التي تقول ان جهاز الاستخبارات التركي(ميت) الذي ازداد نشاطه وحضوره خلال الشهور القلائل الماضية في اقليم كردستان، لا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، كان له دور مهم في مختلف مراحل تشكيل مجلس امن الاقليم وحتى اعلانه، وان دوره سيتواصل في المراحل اللاحقة، علما ان من معطيات التحولات غير المسبوقة في العلاقات بين تركيا واكراد العراق، هو تصدير النفط الخام من قبل الاقليم الى تركيا مباشرة وسط اعتراضات شديدة من بغداد، حيث ان مقدار النفط المصدر يبلغ مائة الف برميل يوميا، وقد اعتبرت الحكومة الكردية ان ذلك حق طبيعي لها، في اطار سعيها للحصول على حاجة الاقليم من المشتقات النفطية، بعد تلويح بغداد بقطع حصة الاقليم منها.

في ذات الوقت تحاول انقرة ومعها الرياض والدوحة واطراف اخرى لكسب الموقف الكردي لصالح المعارضة السورية، والتهيئة لجعل الاقليم محطة للاخيرة في مراحل لاحقة في حال تطلب الامر ذلك، بصرف النظر عن مواقف وتوجهات الحكومة الاتحادية في بغداد.

ومثل هذه القراءات والتحليلات التي يتداولها البعض هنا وهناك، وان لم تكن في بعض جوانبها مستندة الى ارقام ومعطيات واضحة وقطعية الا ان مسارات ومؤشرات المواقف والوقائع والاحداث تعززها الى حد كبير، وبما ان كل موقف او خطوة يتخذها اي طرف لايمكن ان تقرأ بمعزل عن ماقبلها ومابعدها، فأن الامر يصدق على قرار تشكيل مجلس الامن الوطني في كردستان.                                            

2012-07-13