ارشيف من :أخبار عالمية
مصر "الإسلامية"... أي طريق للنجاح؟
لم يكن متوقعا ان يحقق مرشح الإخوان المسلمين في مصر محمد مرسي بانتخابات الرئاسة فوزا ساحقا يتيح له وللتيار الذي يمثله رسم وصياغة مستقبل مصر السياسي والاجتماعي والثقافي وفق رؤية خاصة كانت في الواقع السبب الرئيسي في اقصاء الاخوان عن أي دور سياسي في ادارة شؤون البلد طيلة عقود من الزمن امتدت الى ما قبل الثورة المصرية في تموز/ يوليو عام 1952 بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي ترجم عداءه ورفضه لتيار الاخوان المسلمين بإعدام رمزهم ومفكرهم الاول سيد قطب في التاسع والعشرين من شهر اب/ اغسطس من عام 1966.
تفوّق الاسلامي الاخواني محمد مرسي بفارق ضئيل جدا عن منافسه العلماني العسكري أحمد شفيق، ولعل الفوز بهذه الصورة حتم على المرشح الفائز ان يكون حذرا ودقيقا في مواقفه وأطروحاته وتصوراته، وأن يحرص على اطلاق رسائل تطمين لمختلف المكونات، لا سيما تلك التي لم تصوت له، وهذه اولى خطوات النجاح في المهمة الصعبة والمعقدة، سواء له كشخص، او للتيار الاسلامي الذي ينتمي اليه ويمثله بهذه الصورة أو تلك، وخطاباته التي ألقاها في ميدان التحرير وفي جامعة القاهرة، وهو يؤدي اليمين الدستورية لعدة مرات، اشتملت على رسائل التطمين لا للداخل المصري فحسب، وانما للمحيط الاقليمي والمجتمع الدولي على وجه العموم.
اللغة التي استخدمها مرسي وهو يدشن عهداً جديداً لمصر لم تألفه طيلة تاريخ طويل حافل بشتى الاحداث والوقائع، بعثت على المزيد من الحماسة لدى قواعد وتيارات ونخب التيار الاسلامي في داخل مصر وخارجها، وبعثت كذلك على الارتياح لدى فئات وشرائح لم تصوت له، وربما ما زالت في دواخلها تعيش وتعشّش هواجس ومخاوف مختلفة حيال مستقبلها السياسي او الاجتماعي او الثقافي والفكري، وهذا امر طبيعي ومتوقع.
ولأن مصر كانت على امتداد ستة عقود من الزمن، اي منذ ثورة 22 يوليو عام 1952، وكذلك قبلها، تعيش تفاعلات ومخاضات حادة وخطيرة في معظم الاحيان، بحكم طبيعة نظامها السياسي الحاكم، ومحوريتها في الوضع العربي والاقليمي، والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة المتقاطعة في الكثير من الجوانب والمنعطفات، لذلك فإنه من الطبيعي جدا ان لا تمر عملية التحول والانتقال السياسي الكبير فيها بسلاسة وانسيابية وبلا استحقاقات وخسائر مادية بالتحديد.
ويخطئ من يتصور ان عملية التحول والانتقال قد اكتملت باجراء الانتخابات الرئاسية وفوز احد المرشحين فيها، بل ان الانتخابات تمثل الخطوة الاولى فيها، ولا بد ان تتبعها خطوات أخرى كثيرة، ربما تحتاج الى وقت طويل لاكتمالها فيما لو توافرت الظروف والمناخات الملائمة.
بعبارة اخرى يمكن القول ان هناك جملة تحديات تواجه الرئيس مرسي والنظام السياسي الجديد الذي من الطبيعي ان يصطبغ بصبغة اسلامية ـ اخوانية، وتتداخل مضامين وابعاد تلك التحديات بين القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية، وهي على صعيدين، داخلي وخارجي، ولعل من بينها:
ـ معالجة الاوضاع الاقتصادية المرتبكة والمتردية، والتي زادت تفاعلات احداث الثورة عليها مزيداً من التردي والارتباك لها. فالمعروف ان نسب البطالة مرتفعة في اوساط المجتمع المصري، والطبقية متفشية، وهناك قلة ثرية مرفهة وأكثرية محرومة ومهمشة، وهذه الأكثرية تتطلع الى من ينتشلها من الواقع السيئ الذي ترزح تحت وطأته، وكأحد ابرز معايير نجاح من يمسك بزمام السلطة هو مدى تجاوبه وتفاعله مع المطالب الشعبية ومن ثم القدرة على تلبيتها، او حتى تلبية الجزء الاكبر منها.
ـ ترسيخ مبدأ التعايش السلمي والامن الاجتماعي، من خلال اعطاء الاولوية للتعاطي والتعامل مع مختلف المكونات بروح وطنية بعيدا عن نزعات الثأر والانتقام، وبعيدا عن القوالب والاطر الدينية والايديولوجية المتشددة والمنغلقة، كما هو حاصل حالياً في بعض الدول والانظمة مثل المملكة العربية السعودية، وكما حصل سابقا مع نظام طالبان الذي استحوذ على السلطة في أفغانستان لفترة زمنية قصيرة مطلع العقد الاول من القرن الحالي.
فالمجتمع المصري يمتاز بالتنوع الديني والثقافي والاجتماعي والفكري، ومن الصعب بمكان ان يفرض عليه لون معين، واي توجهات من هذا القبيل يمكنها ان تفجر الاوضاع وتهدد بنية النظام السياسي الديمقراطي الجديد، وحتى مظاهر التحلل الاجتماعي والاخلاقي التي تبدو واضحة في بعض الاحيان في ميادين الفن والادب والثقافة والاعلام تتطلب تعاطيا هادئا وحكيما لكبح جماحها بما يتناسب مع المنظومة القيمية والدينية والاخلاقية للمجتمع.
ـ تنظيم وترتيب العلاقة مع المؤسسة العسكرية التي كانت على امتداد ستين عاما هي المهيمنة على كافة شؤون البلاد والمتحكمة في مجمل السياسات، وهذه قضية حساسة جدا، وقد لاحت بوادر من حساسيتها وخطورتها مؤخراً حينما اقدم الرئيس مرسي على نقض قرار المجلس العسكري القاضي بحل البرلمان المصري.
وكما يقولون فـ"إن قراءة المشهد السياسي في المرحلة الأخيرة تكشف أن المؤسسة العسكرية ممثلة الدولة العميقة لن تترك السلطة للرئيس المنتخب بسهولة، فقرار الضبطية القضائية وإصدار الإعلان الدستوري المُكمل وتقويض صلاحيات رئيس الجمهورية واستعادة المجلس العسكري السلطة التشريعية بعد حل البرلمان"، كلها أمور تبعث على القلق والخشية من حدوث صدام بين مرسي والمجلس العسكري لا يمكن التنبؤ مبكرا بإيقاعاته وأبعاده ونتائجه.
ـ إعادة النظر في السياسات الخارجية، فالنظام السابق كان يتبنى سياسة خارجية ويمتلك شبكة علاقات خارجية يدور حول جوانب منها جدل وسجال واسعان في الاوساط والمحافل المصرية الداخلية بالدرجة الاساس، وفي هذا السياق يمثل موضوع العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية مثالا ونموذجا على ذلك، ولا شك انه من غير المعقول ـ وخصوصا بعد وصول التيار الاسلامي الى قمة السلطة ـ ان تبقى الامور على حالها بين القاهرة وتل ابيب، علما ان قطع العلاقات من قبل الاولى بصورة سريعة ودفعة واحدة لا يبدو ممكنا، والاشارات الضمنية التي اطلقها مرسي لمحت الى ذلك، فالأخير لا يمكنه الاقدام على خطوات تاريخية مثل تلك التي اقدم عليها الامام الخميني بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران حينما قطع العلاقات الدبلوماسية مع "اسرائيل"، وحول سفارة الاخيرة في طهران الى سفارة للدولة الفلسطينية، لكن بامكانه اعادة ترميم وإصلاح العلاقات مع اطراف اقليمية ودولية مهمة مثل ايران.
ـ التوفيق بين عموم التوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة لمختلف مكونات وشرائح المجتمع المصري، ومشاريع واجندات وشعارات وبرامج التيار الاسلامي الذي لا بد ان يسعى ـ ان لم يكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد ـ الى ترجمتها على ارض الواقع، من خلال الاستفادة من وجوده في قمة هرم السلطة التنفيذية، وهيمنته على جزء كبير من السلطة التشريعية، فضلا عن قاعدته الجماهيرية الواسعة.
وقد تكون الهوة واسعة بين التوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة وبين مشاريع واجندات وشعارات وبرامج الاسلاميين، والمهمة الصعبة الملقاة هنا على عاتق الرئيس الجديد هي العمل على ردم تلك الهوة او تقليصها الى ابعد الحدود، ومن غير الممكن ان يتحقق ذلك بيسر وسهولة وسرعة، ولعل المدخل والمفتاح لذلك هو اعادة بناء الثقة، واشاعة مناخات الامن والسلام بين الجميع.
ربما تكون هناك تحديات اخرى امام مرسي ترتبط بشكل او بآخر بما ذكرناه آنفا، ولا شك ان النجاح امر صعب جدا، وفي ذات الوقت فإن الفشل امر لا يمكن القبول به، لانه يعني تبديد كل ما تحقق والعودة الى الماضي الذي يأمل الكثيرون ان تكون صفحته قد طويت الى الأبد.
عادل الجبوري
تفوّق الاسلامي الاخواني محمد مرسي بفارق ضئيل جدا عن منافسه العلماني العسكري أحمد شفيق، ولعل الفوز بهذه الصورة حتم على المرشح الفائز ان يكون حذرا ودقيقا في مواقفه وأطروحاته وتصوراته، وأن يحرص على اطلاق رسائل تطمين لمختلف المكونات، لا سيما تلك التي لم تصوت له، وهذه اولى خطوات النجاح في المهمة الصعبة والمعقدة، سواء له كشخص، او للتيار الاسلامي الذي ينتمي اليه ويمثله بهذه الصورة أو تلك، وخطاباته التي ألقاها في ميدان التحرير وفي جامعة القاهرة، وهو يؤدي اليمين الدستورية لعدة مرات، اشتملت على رسائل التطمين لا للداخل المصري فحسب، وانما للمحيط الاقليمي والمجتمع الدولي على وجه العموم.
اللغة التي استخدمها مرسي وهو يدشن عهداً جديداً لمصر لم تألفه طيلة تاريخ طويل حافل بشتى الاحداث والوقائع، بعثت على المزيد من الحماسة لدى قواعد وتيارات ونخب التيار الاسلامي في داخل مصر وخارجها، وبعثت كذلك على الارتياح لدى فئات وشرائح لم تصوت له، وربما ما زالت في دواخلها تعيش وتعشّش هواجس ومخاوف مختلفة حيال مستقبلها السياسي او الاجتماعي او الثقافي والفكري، وهذا امر طبيعي ومتوقع.
ولأن مصر كانت على امتداد ستة عقود من الزمن، اي منذ ثورة 22 يوليو عام 1952، وكذلك قبلها، تعيش تفاعلات ومخاضات حادة وخطيرة في معظم الاحيان، بحكم طبيعة نظامها السياسي الحاكم، ومحوريتها في الوضع العربي والاقليمي، والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة المتقاطعة في الكثير من الجوانب والمنعطفات، لذلك فإنه من الطبيعي جدا ان لا تمر عملية التحول والانتقال السياسي الكبير فيها بسلاسة وانسيابية وبلا استحقاقات وخسائر مادية بالتحديد.
ويخطئ من يتصور ان عملية التحول والانتقال قد اكتملت باجراء الانتخابات الرئاسية وفوز احد المرشحين فيها، بل ان الانتخابات تمثل الخطوة الاولى فيها، ولا بد ان تتبعها خطوات أخرى كثيرة، ربما تحتاج الى وقت طويل لاكتمالها فيما لو توافرت الظروف والمناخات الملائمة.
بعبارة اخرى يمكن القول ان هناك جملة تحديات تواجه الرئيس مرسي والنظام السياسي الجديد الذي من الطبيعي ان يصطبغ بصبغة اسلامية ـ اخوانية، وتتداخل مضامين وابعاد تلك التحديات بين القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية، وهي على صعيدين، داخلي وخارجي، ولعل من بينها:
ـ معالجة الاوضاع الاقتصادية المرتبكة والمتردية، والتي زادت تفاعلات احداث الثورة عليها مزيداً من التردي والارتباك لها. فالمعروف ان نسب البطالة مرتفعة في اوساط المجتمع المصري، والطبقية متفشية، وهناك قلة ثرية مرفهة وأكثرية محرومة ومهمشة، وهذه الأكثرية تتطلع الى من ينتشلها من الواقع السيئ الذي ترزح تحت وطأته، وكأحد ابرز معايير نجاح من يمسك بزمام السلطة هو مدى تجاوبه وتفاعله مع المطالب الشعبية ومن ثم القدرة على تلبيتها، او حتى تلبية الجزء الاكبر منها.
ـ ترسيخ مبدأ التعايش السلمي والامن الاجتماعي، من خلال اعطاء الاولوية للتعاطي والتعامل مع مختلف المكونات بروح وطنية بعيدا عن نزعات الثأر والانتقام، وبعيدا عن القوالب والاطر الدينية والايديولوجية المتشددة والمنغلقة، كما هو حاصل حالياً في بعض الدول والانظمة مثل المملكة العربية السعودية، وكما حصل سابقا مع نظام طالبان الذي استحوذ على السلطة في أفغانستان لفترة زمنية قصيرة مطلع العقد الاول من القرن الحالي.
فالمجتمع المصري يمتاز بالتنوع الديني والثقافي والاجتماعي والفكري، ومن الصعب بمكان ان يفرض عليه لون معين، واي توجهات من هذا القبيل يمكنها ان تفجر الاوضاع وتهدد بنية النظام السياسي الديمقراطي الجديد، وحتى مظاهر التحلل الاجتماعي والاخلاقي التي تبدو واضحة في بعض الاحيان في ميادين الفن والادب والثقافة والاعلام تتطلب تعاطيا هادئا وحكيما لكبح جماحها بما يتناسب مع المنظومة القيمية والدينية والاخلاقية للمجتمع.
ـ تنظيم وترتيب العلاقة مع المؤسسة العسكرية التي كانت على امتداد ستين عاما هي المهيمنة على كافة شؤون البلاد والمتحكمة في مجمل السياسات، وهذه قضية حساسة جدا، وقد لاحت بوادر من حساسيتها وخطورتها مؤخراً حينما اقدم الرئيس مرسي على نقض قرار المجلس العسكري القاضي بحل البرلمان المصري.
وكما يقولون فـ"إن قراءة المشهد السياسي في المرحلة الأخيرة تكشف أن المؤسسة العسكرية ممثلة الدولة العميقة لن تترك السلطة للرئيس المنتخب بسهولة، فقرار الضبطية القضائية وإصدار الإعلان الدستوري المُكمل وتقويض صلاحيات رئيس الجمهورية واستعادة المجلس العسكري السلطة التشريعية بعد حل البرلمان"، كلها أمور تبعث على القلق والخشية من حدوث صدام بين مرسي والمجلس العسكري لا يمكن التنبؤ مبكرا بإيقاعاته وأبعاده ونتائجه.
ـ إعادة النظر في السياسات الخارجية، فالنظام السابق كان يتبنى سياسة خارجية ويمتلك شبكة علاقات خارجية يدور حول جوانب منها جدل وسجال واسعان في الاوساط والمحافل المصرية الداخلية بالدرجة الاساس، وفي هذا السياق يمثل موضوع العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية مثالا ونموذجا على ذلك، ولا شك انه من غير المعقول ـ وخصوصا بعد وصول التيار الاسلامي الى قمة السلطة ـ ان تبقى الامور على حالها بين القاهرة وتل ابيب، علما ان قطع العلاقات من قبل الاولى بصورة سريعة ودفعة واحدة لا يبدو ممكنا، والاشارات الضمنية التي اطلقها مرسي لمحت الى ذلك، فالأخير لا يمكنه الاقدام على خطوات تاريخية مثل تلك التي اقدم عليها الامام الخميني بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران حينما قطع العلاقات الدبلوماسية مع "اسرائيل"، وحول سفارة الاخيرة في طهران الى سفارة للدولة الفلسطينية، لكن بامكانه اعادة ترميم وإصلاح العلاقات مع اطراف اقليمية ودولية مهمة مثل ايران.
ـ التوفيق بين عموم التوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة لمختلف مكونات وشرائح المجتمع المصري، ومشاريع واجندات وشعارات وبرامج التيار الاسلامي الذي لا بد ان يسعى ـ ان لم يكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد ـ الى ترجمتها على ارض الواقع، من خلال الاستفادة من وجوده في قمة هرم السلطة التنفيذية، وهيمنته على جزء كبير من السلطة التشريعية، فضلا عن قاعدته الجماهيرية الواسعة.
وقد تكون الهوة واسعة بين التوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية العامة وبين مشاريع واجندات وشعارات وبرامج الاسلاميين، والمهمة الصعبة الملقاة هنا على عاتق الرئيس الجديد هي العمل على ردم تلك الهوة او تقليصها الى ابعد الحدود، ومن غير الممكن ان يتحقق ذلك بيسر وسهولة وسرعة، ولعل المدخل والمفتاح لذلك هو اعادة بناء الثقة، واشاعة مناخات الامن والسلام بين الجميع.
ربما تكون هناك تحديات اخرى امام مرسي ترتبط بشكل او بآخر بما ذكرناه آنفا، ولا شك ان النجاح امر صعب جدا، وفي ذات الوقت فإن الفشل امر لا يمكن القبول به، لانه يعني تبديد كل ما تحقق والعودة الى الماضي الذي يأمل الكثيرون ان تكون صفحته قد طويت الى الأبد.
عادل الجبوري