ارشيف من :آراء وتحليلات
طهران تواجه العقوبات الأوروبية والأميركية بثقة عالية... بالانتصار
علي شهاب
لا تثير المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب أي قلق لدى الجمهورية الإسلامية في إيران، بالعكس، تدفعها نحو مزيد من الثقة والثبات في محادثاتها بمشروعها النووي في ظل ظروف اقتصادية ومالية سيئة تمنع اوروبا والولايات المتحدة الامريكية من توجيه ضربة عسكرية ضد ايران بما يعزز موقف الايرانيين اثناء التفاوض. هذا الاستنتاج الذي توصل اليه كلٌّ من "باتريك كلاوسون" مدير الأبحاث في معهد واشنطن وزميله مهدي خلجي.
وفي تقرير لهما قدم الباحثان خلاصات ما توصلا اليه في معرض معالجتهما لجدوى العقوبات الدولية على طهران واليكم قراءة في تفاصيله:
الايرانيون مصممون والغرب منشغل
تعتلي الثقة وجوه قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية، فهم ماضون في مشروعهم النووي في حين يتجه الغرب لتشديد عقوباته على ايران، حيث دخلت العقوبات التي فرضتها امريكا واوروبا حيز التنفيذ في الثامن والعشرين من شهر حزيران/ يونيو، بينما ترى طهران نفسها بموقف قوي مع الغرب وتدرك ان لديها أسبابا قوية تدفعها للتحلّي بالصراحة في المفاوضات، بينما تجد ان مقاومتها في المفاوضات حول مشروعها النووي مع الدول الخمس الدائمة العضوية + 1 "امريكا ـ بريطانيا ـ الصين ـ فرنسا ـ روسيا ـ المانيا" حتى الآن مفيدة وتصريح "المرشد الأعلى علي خامنئي في 18 حزيران/يونيو حيث قال "النصر غير ممكن بدون .... المخاطرة. ونحن نقف [وراء قضيتنا]... ويجب ....على أعدائنا أن يعلموا أن العناد والتكبر والاعتداد بالذات والتوقعات غير المعقولة لن توصلهم إلى أي نتيجة ضد الأمة الإيرانية"، يبيّن أنّ التحدي الماثل أمام الولايات المتحدة وأوروبا يكمن في كيفية إقناع الزعماء الإيرانيين بأنهم بالغوا في نقاط قوتهم ونقاط ضعف الغرب.
لكن طهران ترى ان كلاً من اميركا واوروبا ترغبان في التوصل الى اتفاق مع ايران اكثر مما يرغب الايرانيون انفسهم، فلأوروبا وضعها الاقتصادي الذي انهكها وأثبت فشل نموذجها المتّبع اقتصاديا كما شغلها عن القضايا الدولية بسبب ازمتها المالية كما بالنسبة لأميركا المنشغلة بالحملة الانتخابيّة والمنهكة من حربين طويلتين لم يتم حسمهما في المنطقة.
الحرب ضد ايران مستبعدة
لا اجراءات عسكرية قد تتخذ ضد ايران قبل الانتخابات الامريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى بعد تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث يرى القادة الايرانيون أن الحرب التي قد تشنّ على ايران ستكون منعكساتها اقتصاديا على الدول التي ستقوم بالهجوم كبيرة جدا، لذا فإن القلق من احتمال تأثير الحرب على الاقتصاد الهش سيدفع الغرب إلى التفكير كثيرا قبل شنّ الحرب، ما يريح إيران من الرد السريع على مطالب الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا. ان القلق الغربي بشأن احتمالات انزلاق "اسرائيل" لشنّ إجراء عسكري ضد ايران هو اكثر من قلقه بشأن التقدم النووي الإيراني.
من جهة اخرى، ترى ايران ان احداث الانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية في العام الماضي تدفع بالاسلام السياسي إلى دفات الحكم، سواء في مصر او ليبيا او تونس او اليمن، وفيما يتعلق بالأزمة السورية، فإن القادة الايرانيين يؤمنون بأن السيناريو المرجّح سيكون ببقاء الأسد لكنه سيصبح أكثر عزلة، وبالتالي أكثر اعتماداً على إيران، في حين لن يحقق سقوط الرئيس الأسد أي فائدة للغرب و"إسرائيل" من وجهة نظر ايران، حيث إن سوريا ستشهد اضطرابات وسوف يصبح الإسلاميون المعادون للغرب فاعلاً أكثر أهمية.
أداء اقتصادي ايراني يفوق الغربي
إن أسعار النفط المرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية ساعدت على تدفق الأموال إلى ايران بالرغم منّ التراجع الأخير في أسعار النفط، حيث ترتفع أسعار اليوم "فقط" أربع مرات عما كانت عليه في عام 2002. وفي آب/ أغسطس 2011، قبل التصعيد الأخير في العقوبات، توقع "صندوق النقد الدولي" بأن تصل العائدات من صادرات النفط الإيرانية للفترة 2012-2013، الى 104 مليارات دولار، أو أربعة أضعاف ونصف ما كانت عليه في الفترة 2002- 2003، والتي بلغت 23 مليار دولار. وحتى في حالة تراجع أحجام الصادرات بمعدل النصف وحصول إيران فقط على 50 دولارا مقابل البرميل، فإن أرباحها المعدلة للتضخم ستكون لا تزال أعلى عما كانت عليه منذ عقد مضى. كما أن طهران لديها احتياطيات مالية ضخمة، حتى لو كان 70 في المائة من هذه الأموال غير متاح، بحسب البعض، إلا أن إيران لا يزال بوسعها السحب من احتياطيات العملات الأجنبية التي تتجاوز 30 مليون دولار.
ويرى القادة الايرانيون أّنّ وضعهم الاقتصادي جيد نسبياً مقارنة مع الأزمة الطاحنة التي يعاني منها الغرب، فمنذ عام 2007 كان معدل النمو السنوي في إيران أعلى من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا، ما عزز تصوّر النظام بأن أداء اقتصاده أفضل من أداء اقتصاد الغرب، وقد شعر القادة الإيرانيون بالرضا عن إزالة الدعم الحكومي لسلع مختلفة في الوقت الذي كانت دول "مجلس التعاون الخليجي" المجاورة الغنية بالنفط تنفق الاموال الطائلة على الرفاهية من أجل إحباط أي اضطرابات، ورغم أن التضخم ظهر بوضوح في أعقاب أسعار الطاقة التي تضاعفت أربع مرات، إلا أنهم يرون أن التأثير على العائلات تم تعويضه من خلال زيادة المدفوعات النقدية الشهرية من جانب السلطة.
لا خوف من العقوبات
تثق طهران بأن التبعات الاقتصادية للعقوبات ستحمل تداعيات سياسية ضئيلة، كما لا يرى قادتها ان ما يحدث من استياء شعبي ناتج عن ارتفاع التضخم أو البطالة يشكل تهديداً على النظام وان احتمالية حدوث اضطرابات سياسية كبيرة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.
وقد يكون غياب الأيديولوجية والتنظيم والقيادة عطّل القوى الديمقراطية الإيرانية. إنّ وضع القائدين الرمزيين لـ " الحركة الخضراء" المعارضة من عام 2009 " مير حسين موسوي ومهدي كروبي "رهن الإقامة الجبرية لمدة عامين لم يسمح لأنصارهما باتخاذ إجراء سياسي يضغط على النظام لإطلاق سراحهما.
لمزيد من الضغط على إيران
وبعد ان كان الغرب يتهم إيران بعدم جديتها في خوض محادثات حول برنامجها النووي، اصبحت إيران اليوم تتهم الغرب بذلك، وبحسب ما ذكره الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي شغل منصب رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام" فإن محادثات موسكو الاخيرة قد "أظهرت أن الغرب ليس راغباً في التوصل إلى اتفاق وأنه ليس أميناً. فهم يريدون الاعتماد على التخويف وحده لتلبية أهدافهم"، فبالنسبة لإيران، ان الغرب سينظر لأي تسوية نووية بأنها مجرد خطوة اولى، وسيطلب من ايران مزيدا من الشفافية وأعمال التفتيش قبل رفع العقوبات بالكامل، وبحسب تصريح وزير الاستخبارات حيدر مصلحي في 20 حزيران/ يونيو فإن امريكا والغرب يحاولان تضييق الخناق على ايران عبر اثارة قضية حقوق الانسان و العقوبات والارهاب.. لكن السبب الحقيقي يكمن في الاسلام وخطاب الثورة الاسلامية، كما ترى طهران ان الغرب واسرائيل سيسعيان للاضرار بالبرنامج النووي واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين حتى لو ابرمت الصفقة.
محاولات لإضعاف الثقة الايرانيّة
لدى ايران ثقة بقوتها في المضي ببرنامجها النووي، وعلى الرغم من ان زعماء الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق في المقام الأول إزاء الأزمة المالية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى اقتراح إلغاء أو حتى تأجيل الحظر المفروض على النفط الإيراني، وهذا الأمر ينطبق على اليونان، العميل الأوروبي الرئيسي لاستيراد النفط الإيراني والبلد الأكثر تضرراً من المتاعب المالية، وفي حين ان الوضع الاقتصادي الحالي في إيران أفضل مما كان عليه قبل عقد من الزمن، إلا أن الشعب الإيراني لا يزال غير راض إلى حد كبير بهذا الوضع، حيث يؤمن بأن أحواله يمكن أن تكون أفضل بكثير لولا العزلة الدولية المفروضة عليهم بسبب المتشددين.
لكنّ تحديا كبيرا تواجهه الدول الخمس الدائمة العضوية وألمانيا لتغيير تصورات القادة الإيرانيين حول ثقتهم المفرطة بأن إيران هي القوة الصاعدة وأن الغرب يتراجع، وربما يحتاج تغيير هذه العقلية إلى فرض عقوبات صارمة أو عزلة سياسية اكبر أو القيام بعمل عسكري، وقد يكون الإعلان عن الجولة الأخيرة من التدابير المالية اجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات على الرغم من انها لم تقدّم تنازلات مقبولة بالنسبة للدول الخمس الدائمة العضوية وألمانيا، لذا ستخطط واشنطن وحلفاؤها لفرض عقوبات إضافية.
في حين قد تكون فرص التواصل مع القادة الايرانيين نحو مزيد من التحسّن في حال تمكّن الغرب من التواصل مع الإيرانيين العاديين وتعريفهم بالحقائق التي تمر بها بلادهم. فهذه الحاجة تؤكد على أهمية اختراق الستار الإلكتروني للنظام، كما أكد الرئيس أوباما في خطابه إلى الشعب الإيراني في 20 آذار/مارس.