ارشيف من :أخبار عالمية

سوريا بعد اغتيال العمادين: اختبار لتماسك النظام ..ولفرضية الحرب

سوريا بعد اغتيال العمادين: اختبار لتماسك النظام ..ولفرضية الحرب
يشكل اغتيال كل من وزير الدفاع السوري العماد داوود عبد الله راجحة ونائب رئيس هيئة الأركان المشتركة العماد آصف شوكت ضربة مؤلمة للقيادة السورية التي تدير الأزمة الراهنة، وتعتبر الأخطر منذ اإندلاعها مطلع العام 2011، لكنهاـ  مضافا اليها خروج العميد مناف طلاس الى فرنسا وتوصيف هذا الحدث بأنه الانشقاق الأكبر في حلقة المقربين من الرئيس بشار الاسد ـ تشكل في معنى آخر اختباراً هو الأكبر من نوعه لقدرة النظام السوري على التماسك في مواجهة استشراس الحملة الدولية والاقليمية والداخلية عليه، الى حد ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نفسه تحدث عن معارك حاسمة تجري في سوريا هذه الأيام، فضلا عن توصيف المبعوث الدولي والعربي كوفي انان لدرجة حراجة المرحلة السورية الراهنة التي باتت في أعلى مستوياتها.

وفي ظل عجز الفريق الذي يقود الحرب لإسقاط نظام الرئيس الأسد عن استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي بسبب الفيتو الروسي والصيني، فإن الانظار تتجه الى الوقائع الميدانية المترتبة على أكثر من جبهة داخل سوريا، بينها ما يجري الحديث عنه من معارك تدور في أحياء من دمشق للمرة الاولى، وما ستنتهي اليه من تثبيت المجموعات المسلحة حضوراً عسكرياً لها في تلك المناطق، ام ستنتهي الاشتباكات الى اخراجها منها والقضاء عليها كما حصل في الكثير من المحافظات والمدن السورية.

سوريا بعد اغتيال العمادين: اختبار لتماسك النظام ..ولفرضية الحرب

ومن الطبيعي ان يتم توظيف حدث الاغتيال وخسران النظام لثلاثة من أركانه العسكريين: راجحة وشوكت وطلاس، في ضخ جرعات معنوية لدى المسلحين للاستمرار في توسيع نطاق هجماتهم مشفوعين بدعم من بعض الاطراف الدولية والاقليمية، فضلا عن التوظيف الأعلامي الدعائي من قبل الفضائيات التي تتولى ادارة الحرب النفسية ضد القيادة السورية وفي مقدمها قناتي "الجزيرة" و"العربية"، لكن العبرة تكمن في النتائج الميدانية التي ستنتهي اليها هذه الجولة التي يمكن وصفها بالاعنف.

لكن تطورات الأيام القليلة الماضية سجلت مؤشرات قوة عدة للنظام تمثلت ميدانيا على سبيل المثال بدخول القوات السورية الى مدينة دوما في ريف دمشق وإحكام سيطرتها عليها بعد اخراج المسلحين منها بحسب اعتراف قياداتهم بذلك، اضافة الى احباط الكثير من الهجمات واعتقال اعداد كبيرة من المسلحين وسقوط اعداد اخرى منهم قتلى في المواجهات.

واذ تبقى هذه الوقائع خبراً يومياً يرويه كل طرف من جهته، فإن الخبرين الآخرين الذين لم تختلط فيهما الحقائق بالشبهات تمثلا باسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة حربية تركية خرقت الاجواء السورية الأمر الذي أشار الى درجة اليقظة العالية لدى القوات المسلحة وقدرتها على الاشتغال على أكثر من جبهة، واسقاط الاعتبارات التي عادة تؤخذ بعين الاعتبار في خطوات وظروف مماثلة. وهذه القدرة تمثلت بعد ايام عدة بمناورات ملفتة عرض التلفزيون السوري لقطات حية منها وشملت أسلحة البر والبحر والجو، بحيث نفذت تمرينات عملية وتكتيكات قتالية اظهرت جهوزية تلك الاذرع وقدرتها على التنسيق فيما بينها في مواجهة اي مخاطر تتهدد سوريا.

وقد تقصدت القيادة السورية عرض صور لنماذج عن الاسلحة المتطورة التي بحوذتها والقادرة على حماية سوريا من البحر والجو، وهما المجالان الذين يمكن لمن يفكر بالعدوان على هذا البلد استخدامهما لتنفيذ هجماته، نظراً لانعدام الارضية اللازمة لتفعل قوات هجومية من البر بعدما فشلت حتى الآن محاولات اقامة مناطق عازلة على الحدود السورية، سواء في لبنان أو تركيا أو الاردن.

سوريا بعد اغتيال العمادين: اختبار لتماسك النظام ..ولفرضية الحرب

وعليه فان مؤشر القوة سجل ارتفاعاً لدى قوى النظام السوري، الذي لا يزال يحظى بحماية دولية توفرها له روسيا والصين، وبقاعدة شعبية كبيرة كما تكرر موسكو القول، تمكنه من الاستمرار، دون أن يؤثر عليه انشقاق سفير في العراق او فرار ضابط من حلقة قريبة من الرئيس الاسد، وهما شيئان لا يذكران بعد اكثر من سنة ونصف على بدء تلك الحرب الضروس عليه.

ومع أن دمشق أظهرت تماسكاً في التعامل مع هذا الحدث الأمني الكبير برمزية المكان المستهدف، وهو مجلس الامن القومي، وبانعقاد الاجتماع اثناء التفجير الانتحاري، وبالأشخاص الموجودين، حيث بادرت سريعا الى تعيين العماد فهد جاسم الفريج وزير جديداً للدفاع خلفاً لراجحة، لكن عملية اغتيال العمادين راجحة وشوكت، والأخير زوج شقيقة الرئيس، قد تغري مفعلي الأزمة في سوريا على توظيف نتائجها السلبية في الدفع نحو خيارات حربية كثر الحديث عنها مؤخراً تلميحاً وتصريحاً، بينها على سبيل المثال ما نقلته صحيفة "الاخبار" اللبنانية آواخر الشهر الماضي من أن السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري يكرر في مجالسه الخاصة الحديث عن ضربة عسكرية لسوريا بداية العام المقبل تقوم بها الولايات المتحدة الاميركية بالتعاون مع حلف الاطلسي دون الحاجة الى صدور قرار من مجلس الأمن الدولي. وايضا قول السفير نفسه ان ضربة "اسرائيلية" لايران وهجوما عسكرياً على حزب الله في لبنان سيتزامنان مع تلك الضربة.

كما كتب الصحفي الاميركي ديفيد إغناثيوس مقالاً نشرته صحيفة "واشنطن بوست" تحت عنوان «هل تنجح الجهود الدبلوماسية مع سوريا وإيران؟" تحدث فيه عن توقعات سعودية بحرب على سوريا ومواجهة غربية مع ايران، وقال ان أحد المؤشرات الصغيرة على تصاعد التوتر هو ما توارد عن قيام المملكة العربية السعودية بتحذير بعض قادتها العسكريين ومسؤولي الأمن بإلغاء عطلاتهم الصيفية. وهذه التعبئة المحدودة بحسب ما ينقل  اغناثيوس عن مسؤولون سعوديون واميركيون تعكس مخاوف المملكة من الصراع العسكري المحتمل مع إيران والحرب في سوريا.

سوريا بعد اغتيال العمادين: اختبار لتماسك النظام ..ولفرضية الحرب

واللافت في حديث الحرب واحتمالاتها ضد دمشق هو اكثار الاسرائيليين من الحديث عن مخاطر افلات مخزون سوريا من الاسلحة الكيميائية عن السيطرة واحتمال انتقالها الى جهات خطرة مثل حزب الله، ووصف هذا المخزون بأنه الاكبر في المنطقة، مما يستدعي برأي الاسرائيليين تحركاً استباقيا لدرء هذا الخطر، وهي المعزوفة نفسها التي تم تسويقها لتبرير غزو العراق باسم الاسلحة غير التقليدية، ويتم تفسير هذا الامر الان وكأنه تهيئة لضربة مماثلة لسوريا.

ومنذ اندلاع الازمة كان في  قيادة العدو الاسرائيلي من يفكر بان الرئيس بشار الاسد قد "يهرب" من أزمته من خلال فتح جبهة حربية مع "اسرائيل" من شأنها ان تعيد لم الشمل السوري وتوحيد الجمهور وراءه. لكن ثمة من الاسرائيليين من بات يعتقد اليوم ان الاسد لم يعد بمقدوره ان يبادر الى الحرب حتى لا يبرر توجيه ضربة عسكرية لنظامه من دون تفويض من مجلس الامن، بل بات هناك من يعتقد بان الضربة العسكرية لنظام الأسد الآن، سواء قامت بها "اسرائيل" او غيرها، من شأنها ان تمنح المجموعات المسلحة فرصة ميدانية للعمل من الداخل تواكب به عمل القوات الخارجية، وبالتالي اسقاط النظام.

والسؤال المطروح الان هو ما اذا كان سيتم توظيف عملية اغتيال اكبر شخصيتين عسكريتين في نظام الرئيس الأسد لتعزيز هذه الفرضية والدفع باتجاه عمل عسكري مباشر تقوده واشنطن على قاعدة ان النظام يتضعضع والفرصة مؤاتية لتوجيه الضربة النهائية له، مع الاشارة طبعا الى ان تقييم هؤلاء لطبيعة تماسك الجيش السوري وقياداته العسكرية والسياسية ليست صائبة. لكن يبقى امام هؤلاء فحص ردود افعال الاطراف الاخرى المعنية بالازمة السورية وفي مقدمها روسيا التي باتت تعتبر ما يجري في دمشق استهدافاً مباشراً لها، وبالتالي يصعب التنبؤ برد فعلها وسلوكها الميداني.
عبد الحسين شبيب

2012-07-18