ارشيف من :آراء وتحليلات

اليورو يتدهور والأزمة الأوروبية تشكل تهديداً للبلدان النامية

اليورو يتدهور والأزمة الأوروبية تشكل تهديداً للبلدان النامية
صوفيا ـ جورج حداد*

بدأ اليورو يفقد قيمته أكثر فأكثر أمام الدولار والعملات المرتبطة به وذلك بسبب الضغوطات التي يتعرض لها جراء المحن المالية في اسبانيا، والتخفيضات الأخيرة للفائدة على الآجال القصيرة في منطقة اليورو. والتعليقات التي أدلى بها وزير المالية الالماني فولفانغ شويبلي لم تقدم أي مساعدة للعملة الاوروبية الموحدة. وكان شويبلي قد اعلن ان المشكلات المالية لإسبانيا لا تزال بعيدة عن الحل وان الحكومة ستكون في الحساب الأخير هي المسؤولة عن المساعدات الأوروربية للبنوك الاسبانية.

وعدا المخاوف التي يبديها المقرضون حول أزمة المديونية الأوروبية يتعرض اليورو للضرر بنتيجة قيام البنك المركزي الأوروبي في الشهر الحالي بتخفيض سعر الفائدة الى مستوى الصفر. وهذا ما أثر على الحركة التجارية، علماً أن اليورو هو عملة مستخدمة لتمويل المشتريات.

ومن جهة ثانية فإن مشاركة الدول النامية اقتصادياً في التجارة الدولية تنمو باستمرار. والبلدان النامية هي مصدر مهم للخامات الطاقوية والزراعية في الاسواق العالمية، وهي تزيد باستمرار مساهمتها في التصدير الصناعي العالمي. والنتائج السلبية للازمة في منطقة اليورو يمكن ان يكون لها تأثير ضار كبير على تلك البلدان. ويؤكد الخبراء ان هذه الازمة ستكلف البلدان النامية ما لا يقل عن 238 مليار دولار خلال سنتي 2012 و 2013.
اليورو يتدهور والأزمة الأوروبية تشكل تهديداً للبلدان النامية

ومنذ ثلاث سنوات ومشكلات المديونية في منطقة اليورو لا تزال تنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي. كما وتوجد تحذيرات جديدة. فانخفاض مستوى القروض التي تقدمها البنوك الاوروبية يعني ان آثار الازمة ستنعكس بأكثر ما يكون من العمق على البلدان النامية.

وفي شهر حزيران الماضي اصدرت مؤسسة التنمية الخارجية (وهي مؤسسة لندنية توصف بأنها "بنك عقول") تحليلاً عن آثار ازمة منطقة اليورو. وجاء في التحليل ان الأزمة ستكلف البلدان النامية 238 مليار دولار في سنتي 2012 و2013. وجاء في التقرير ايضاً ان البلدان المعرضة اكثر من غيرها للخطر هي موزامبيق، كينيا، النيجر، كاميرون، كابو فيردي وباراغواي. وكتبت ايزابيلا ماسا واضعة التقرير "ان قدرة الدول النامية على الرد على الموجات الصادمة، المتأتية عن الازمة في منطقة اليورو، ستكون بالتأكيد محدودة جداً، اذا كانت مصادر التمويل العالمي تجف والاوضاع العالمية تزداد سوءا".

وبالفعل فإن البنوك الأوروبية بدأت تسكر صنابير التمويل الذي كانت تقدمه للاقتصادات الناشئة، بعد ان اخذ اهتمام تلك البنوك يتجه نحو الهزات المالية في بلدانها الخاصة. ففي السنوات من 2000 حتى 2008 كان المستثمرون والمقرضون من بلدان منطقة اليورو هم المصدر الاساسي للرأسمال الخاص في العالم، والمقرض الاكثر اهمية للاسواق الناشئة حديثا. وفي شهر حزيران/يونيو، افادت "شركة التمويل العالمي" (IFC)، المتفرعة عن البنك الدولي، والتي تساعد القطاع الخاص في البلدان النامية ـ افادت عن الانكماش في الرساميل التي كانت تقدم بشكل توظيفات اجنبية مباشرة، وانخفاض مَحافظ التوظيفات والقروض التي كانت تقدمها البنوك التجارية.

وفي سنة 2011 فإن الانكماش من منطقة اليورو الى بقية اجزاء العالم قد زاد عن 248 مليار دولار. وهو مبلغ يقارب نصف مبلغ التوظيفات في السنة السابقة. وفي الفترة عينها انخفض ايضاً تدفق الرساميل نحو الاقتصادات الجديدة الناشئة، حسبما تقول "شركة التمويل العالمي" (IFC). وهذا الانخفاض في الاقراض يهدد مصير الاقتصادات النامية، التي تعتمد على الدعم المالي من قبل الاقتصادات المتطورة في منطقة اليورو.

وقد توقع صندوق النقد الدولي ان تحقق الاسواق النامية الجديدة نمواً بمعدل 5،4% سنة 2012، وهو معدل اقل من معدل 6،2% الذي حققته سنة 2011. ويرجع الصندوق هذا الانخفاض، جزئياً، الى انخفاض التوظيفات المالية من اوروبا. ويعلق على ذلك فرانكو ريكا، الخبير الاقتصادي الرئيسي في البنك الاوروبي للانهاض والتنمية، بالقول "عندما يأخذ الهلع بالمستثمرين، فهم يتجنبون مخاطر الاسواق النامية الجديدة".

ويلاحظ فرانكو ريكا ان هذا الوضع يدفع البنوك الاوروبية الى قطع العلاقات المالية مع الاسواق الناشئة الجديدة، ولا سيما بعد ان اخذ المنظمون الماليون يلحون على تخفيض العلاقة المتبادلة مع رساميل المديونية، وان تعمل البنوك على تعزيز توازناتها. ان تدفق الرساميل الخاصة في الاقتصادات التي هي في مرحلة انتقالية، والخاضعة لرقابة البنك الاوروبي للانهاض والتنمية، في اوروبا الوسطى والشرقية، وكذلك اربعة بلدان في الشرق الادنى وفي افريقيا الشمالية، كان سلبياً في الثلاثة الاشهر الثالثة والرابعة من سنة 2011. وتشير الاحصاءات الجديدة ان هذا التدفق قد بقي سلبياً كذلك في الثلاثة الاشهر الاولى من سنة 2012.

اليورو يتدهور والأزمة الأوروبية تشكل تهديداً للبلدان النامية

ويؤكد الخبراء الاقتصاديون ان ضعف التمويل الخاص يمكن ان يؤدي الى تخفيض النمو الاقتصادي، والمداخيل وامكانية الوصول الى السيولة في البلدان النامية. وفي مثل هذه الاوضاع من المؤكد تقريباً ان البطالة سترتفع. وربما يكون اهم شيء انه لدى انكماش عرض القروض فإنه قد يستثير هزات في القطاع الطاقوي والزراعي في البلدان الاكثر ضعفاً. وقد حذر صندوق النقد الدولي "ان ذلك يمكن ان تكون له نتائج سلبية جداً".

ولاجل تسوية المشكلة، فإن البنك الاوروبي للانهاض والتنمية وصندوق النقد الدولي لديهما برامج تهدف الى تخفيف المخاطر بالنسبة للبنوك، والنشاطات التوظيفية، المرتبطة بالتجارة مع الاسواق الناشئة الجديدة. وفي شهر اذار اطلق صندوق النقد الدولي برنامجاً لتمويل الخامات "الحرجة"، على قاعدة تقاسم مخاطر التوظيف بين الصندوق وبين البنوك، التي بدأت تتردد في تقديم القروض للشركات، المرتبطة بالزراعة في البلدان النامية. ولهذا البرنامج اهمية حاسمة، حسب رأي صندوق النقد الدولي، لانه يوجد 38 من البلدان الاكثر فقراً في العالم تعتمد على القطاع الزراعي من اجل تشغيل اكثر من نصف اليد العاملة فيها.

ان افريقيا، التي تصدر بالدرجة الاولى الخامات الى اوروبا، هي الاكثر تعرضاً لتأثير امتداد الازمة من منطقة اليورو. وتبقى اوروبا هي الشريك التجاري الاكبر لافريقيا كاقليم. واكثر من ذلك، فإن الاقتصادات الاوروبية الموجودة في حالة جمود تساهم كذلك في تبريد النمو في الصين ـ اللاعب ذي الاهمية المتزايدة في الاقتصادات الافريقية. وتقول السيدة ميموري ديوب، الخبيرة الاقتصادية في المؤسسة الجنوب الافرقية للعلاقات الدولية "ان من شأن ازمة مديونية مستدامة ان تؤدي الى اضعاف الطلب على التصدير من افريقيا". وتشير ديوب ان تأثير منطقة اليورو على افريقيا في الوقت الحاضر هو "محدود نسبياً". وحسب رأيها فإن تدهور النمو الاقتصادي في اوروبا سيؤدي الى "تهديد" التوظيفات الاجنبية المباشرة في افريقيا. وهي تضيف "لا يمكننا ان نسمح للازمة ان تطول، لاننا سنبدأ حينذاك نشعر بتأثيراتها، بنفس الطريقة كما شعرنا بها لدى وقوع الازمة الاقتصادية سنة 2008".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2012-07-23