ارشيف من :آراء وتحليلات

مجزرة النروج: قصاص إسرائيلي بأداة داخلية

مجزرة النروج: قصاص إسرائيلي بأداة داخلية
مرت منذ أيام في 22 تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى للمجزرة المروعة التي وقعت في النروج العام الماضي والتي إرتكبها يميني أصولي متيم بـ"إسرائيل" واسفرت عن عشرات القتلى. حينها وبعد أسابيع قليلة، بادرت مؤسسة الشؤون العالمية لليهود الى توزيع رسالة عبر البريد الإلكتروني، ومضمونها دراسة أصدرها مركز أورشاليم للشؤون العامة عام 2008 وهي ذات عنوان ملفت: "خلف القناع الإنساني: الدول الإسكندنافية، إسرائيل واليهود". لا شك أنه لو وصلت هذه الرسالة قبل بضعة أسابيع من المجزرة لما أعرناها إهتماماً إستثنائياً، إلا ان وصولها بعد المجزرة المروعة جعل من الدراسة امراً لافتاً.

تقع الدراسة في 256 صفحة وهي تركز على تجذر معاداة السامية واليهودية والعداء لـ"إسرائيل" في الدول الإسكندنافية وخاصة في النروج. وتهدف الدراسة بحسب محررها الى رفع قناع الإنسانية وحقوق الإنسان التي تتقن هذه الدول الإختباء وراءه لممارسة سياسات عنصرية تجاه اليهود و"إسرائيل". هذا القناع يخفي صفات بشعة من، تمويل شيطنة "إسرائيل"، فوقية أخلاقية مبتدعة، فضيلة مزيفة، والأهم "عنصرية إنسانية" أي تلك التي تعتقد أن "البيض" هم فقط المسؤولون كاملاً عن أفعالهم بعكس الأعراق الأخرى، كالفلسطينيين والعرب عموماً الذين لا يحق لـ"إسرائيل" الرد على أفعالهم ولا يحاسبهم المجتمع الدولي.

التكبر والمعايير المزدوجة تجاه "إسرائيل" غالباً ما يجتمعان في سياسة النروج والسويد، ولكن ـ يسأل الكاتب ـ  هل يمكن لهاتين الدولتين أن تبقيا ديموقراطيتين لو أنهما تواجهان تهديدات كتلك التي تواجهها "إسرائيل" ؟ المؤشرات التي يسردها الكاتب تجعله يجزم بالنفي. إلا ان الكاتب يستدرك ـ حسباُ للردود ـ أن هذه الدول وقفت في فترات محددة الى جانب "إسرائيل" واليهود خلال عقود مضت، إلا ان ذلك لا يلغي أن معاداة السامية ومعاداة "إسرائيل" والصهيونية تبلغ أشدها في هذه الدول مقارنة بسائر أوروبا.

تتقدم النروج على سائر الدول الإسكندينافية بل والأوروبية في خطابها المعادي للسامية و"إسرائيل" كما تروج الدراسة، وللإستدلال يشير الكاتب الى: دور وسائل الإعلام النروجية (كما أثناء تغطية الإنتفاضة الثانية)،الدعوات المتكررة لمقاطعة "إسرائيل"، المقاطعة الإكاديمية، دور منظمات المجتمع المدني، حملة الرسوم الكاريكاتورية (تصوير اليهود كطفيليات، شياطين، مشكلة العالم، كوحوش)، تجاهل المحرقة، والمواقف الرسمية لشخصيات رسمية. ففي أثناء حرب 2006، كتب جوستين غاردير في أحدى أشهر الصحف النروجية: "إسرائيل هي من التاريخ، نحن لا نعترف بدولة إسرائيل ولا يوجد طريق للعودة الى الوراء". يضاف الى ذلك كله ما يصفه التقرير بإزدياد الهجمات ذات الخلفية العنصرية تجاه اليهود لا سيما بعد حرب لبنان 2006.
مجزرة النروج: قصاص إسرائيلي بأداة داخلية

من أمثلة هذه الكراهية في النروج ـ بحسب الدراسة: الصور الكاريكاتورية في الصحف النروجية التي تجعلها "أسوا من الصحف النازية". دعوات المقاطعة الرسمية كما فعلت كريستين هالفورسين ـ وزيرة مال نروجية ـ التي هي "على الأغلب أول شخصية حكومية غربية تدعم مقاطعة "إسرائيل" إستهلاكياً". نداءات الإتحادات التجارية النروجية لمقاطعة "إسرائيل" عام 2002 كانت من أولى المنظمات الغربية التي تقوم بذلك. وفي ظل مقاطعة حماس، حصل قادتها على تأشيرات دخول للنروج، في حين كان نائب وزير خارجيتها رايموند جوهانسن أول مسؤول غربي رفيع المستوى يلتقي بقادة حماس ومن ضمنهم إسماعيل هنية. بالإضافة لدور المجتمع المدني النروجي في شيطنة "إسرائيل".

إلا أن الدراسة تلحظ أن حرب 2006 على لبنان شكلت علامة فارقة إذ ساند اليسار الأوروبي والقوى الإشتراكية النروجية حينها حزب الله "الإرهابي" بوجه "إسرائيل الديموقراطية" كما يشير النص. ويستدل الكاتب بتصريح لوزير الخارجية النروجي أدان فيها الهجوم الإسرائيلي "غير المقبول" ، هذا الموقف يعني إنكار حق "إسرائيل" بالدفاع عن مدنييها بل ويدعم "الإرهاب". هذه التصريحات ـ الأسوأ أوروبياً ـ هي مزيج من العجرفة والجهل من سياسيي هذا البلد "الصغير"، تقول الدراسة. يضاف الى كل ذلك تصريحات اعضاء لجنة جائزة نوبل النروجيين الذين صرح بعضهم عن ندمه عام 2002 لمنح بيريز جائزة نوبل للسلام فيما كانت "إسرائيل" ترتكب جرائم حرب.

تعتبر هذه الدراسة – كما عشرات مثيلاتها- جزء أساسي من الدبلوماسية العامة الإسرائيلية في مواجهة تردي صورتها على الصعيد الدولي، لا سيما وأنها الدولة التي تجهد لإقناع الغربيين بأنها واحة "الديموقراطية" وسط غابة الإستبداد العربي بكل وحشيته. يسعى الصهاينة من خلال هذه الحملات الى إبتزاز هذه الدول، وإضعاف مصداقيتها لدى الرأي العام الدولي وخلق إعتقاد بأن مواقفها المناهضة ل،"إسرائيل" لا تستند الى معطيات موضوعية بل إلى تلفيقات عنصرية.

والأدهى أن "إسرائيل" تعمد الى مواجهة هذه الدول – كما النروج – من خلال إستغلال إنقساماتها الداخلية والسعي لتعميقها قدر المستطاع, وصولاً الى خلق حالات تطرف شاذة تشوه صورة الإعتدال والديموقراطية المأخوذة عن تلك الدول مما يضعف مصداقية إنتقادتها لجرائم "إسرائيل".

 لقد وفرت الحملة الإسرائيلية المركزة على النروج مادة خصبة لإستفزاز مجموعات يمينية، واستغلت عقيدتهم العدوانية تجاه المسلمين لا سيما في ظل الأزمات التي تعصف بالأوروبيين، وتكشف الرماد عن جمر متطرفيهم. لم تنبت أفكار بريفيك وسلوكه الإجرامي بعيداً عن الرعاية العنصرية الإسرائيلية، ولم تكن أفكاره حول العرب و"إسرائيل" بل وحتى عن موطنه وحكومته إلا نتاجاً لما ورد في هذه الدراسة ومثيلاتها من الدعاية الصهويونية، ولم تكن الحملة الصهيونية لكشف " القناع الإنساني" عن النروج  إلا المقدمة الضرورية لخلق "مبررات أخلاقية" لأفكار بريفيك ومجزرته.

حسام مطر

2012-07-30