ارشيف من :ترجمات ودراسات
خاص الانتقاد.نت: لولا المقاومة لما وجدت قضية "قرية الغجر"
كتب المحرر العبري
أن تكون إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الاميركية معنية بالانتخابات النيابية في لبنان، فهذا امر لا يشكك به أي متابع للشأنين الاسرائيلي والاميركي. وان تكون إسرائيل والعالم الغربي، مهتمان بفوز المعسكر المناوئ لخيار المقاومة، فهذا امر من البديهيات. وان تكون إسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة تبحثان، في ظل احتمالات ومؤشرات قوية على فوز معسكر المعارضة في لبنان، عن سبل لدعم المعسكر المناوئ للمقاومة، بشكل او بآخر، لهو أمر تفرضه رؤية هذه القوى لموقع لبنان، والمقاومة فيه، وتأثيرها على الأمن القومي الإسرائيلي وفي المنطقة.
وعليه لا يمكن قراءة الإعلان عن ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي الإعراب عن استعداده للانسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر، ونقل السيطرة عليها إلى الأمم المتحدة، إلا في السياق الذي تقدم. خاصة بعدما اثبت فريق الموالاة تفانيه في خوض المعارك السياسية والاعلامية...، في ظل عجزه وعدم جرأته على خوض المعارك العسكرية، ضد المقاومة وحلفائها في لبنان.
لكن إلى جانب ما تقدم ينبغي التوقف عند بعض النقاط:
ان ما سيتم قبل الانتخابات النيابية، هو فقط الإعلان عن الاستعداد للانسحاب، وليس تحقيقه، ولعل التسريب الإعلامي عبر صحيفة هآرتس أدى قسطا وافرا في هذا المجال.
في مقابل هذه النيات يوجد مخاوف إسرائيلية من أن يتم الانسحاب، أو على الأقل الالتزام الرسمي به، ثم تفوز المعارضة في الانتخابات النيابية. وفي هذا المجال تعتقد محافل في وزارة الخارجية والجيش، ان "خطوة الانسحاب لن تؤثر على الانتخابات اللبنانية"، لأنها "تتحرك برأي مصادر إسرائيلية بواسطة المال وليس بواسطة السياسة". وتتساءل هذه المصادر "عما سيحصل لو صادقنا على قرار الانسحاب ثم فاز حزب الله في الانتخابات".
ومما يلفت في هذا المجال هو ان البحث الاسرائيلي يتركز، بحسب هآرتس، حول كيفية توظيف الانسحاب أو الإعلان عنه، بما "لا يبدو على انه انجاز لحزب الله" ومن هنا فإن المطروح هو توقيع اتفاق مع الامم المتحدة والحكومة اللبنانية.
ايضا بدا واضحا ان القضية غير مرتبطة بمبادرة اسرائيلية ابتداءً، وانما تأتي هذه استجابة للطلب المتواصل من قبل الادارة الاميركية، اضافة إلى الرغبة الاسرائيلية في تقديم بادرة حسن نية تجاه حكومة السنيورة قبيل الانتخابات النيابية اللبنانية، وفق ما اوردت صحيفة هآرتس (3/5/2009). وفي هذا الاطار كشفت هذه الصحيفة عن ان المبعوث الأميركي إلى الشرق الاوسط، جورج ميتشل، اثار خلال محادثاته الاخيرة مع المسؤولين الاسرائيليين، انسحاب إسرائيل من الغجر واكدت ان "الإدارة الأميركية تضغط على إسرائيل في هذه المسألة".
لكن إلى جانب الأبعاد اللبنانية لهذا الإعلان فإن له أبعاد تتصل بالعلاقة الأميركية الإسرائيلية لذلك أشارت هآرتس إلى أن نتنياهو معني بإصدار بيان يتضمن استعداد إسرائيل للانسحاب من الغجر، قبل موعد زيارته إلى الولايات المتحدة هذا الشهر. وفي هذا السياق أوضح مصدر دبلوماسي غربي لصحيفة هآرتس، التي شددت على أن له صلة بالموضوع، أن "نتنياهو وباراك معنيان بحل المسألة سريعا، خاصة ان رئيس الحكومة معني باتخاذ قراره قبل توجهه إلى واشنطن، كي يظهر للرئيس الأميركي باراك اوباما انه قادر على توفير البضاعة" المطلوبة.
أما في البعد الإسرائيلي الخاص والمباشر فقد أوضحت مصادر أمنية رفيعة لهآرتس بأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ناقشت أخيرا وفي جلسات تحضيرية موضوع الغجر، لكن "لم تصل الجهات المهنية في الجيش إلى توصية كاملة، ذلك بأنهم معنيون بالدفاع عن إسرائيل في قطاع الغجر". اما على المستوى السياسي فان نتنياهو بحث موضوع الانسحاب من الغجر في اطار سلسلة من المشاورات اجراها اخيرا، ومن بينها نقاش خاص في "منتدى الثلاثية" مع وزير الدفاع إيهود باراك ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان، و"على ما يبدو فان الاخيرين يعارضان الخطوة مبدئيا، برغم ادراكهما لاهمية اعلان إسرائيل عن استعدادها للانسحاب من القرية".
في كل الأحوال وأياً ما آلت إليه التطورات على صعيد قضية الغجر فقد كشف الضغط الأميركي على إسرائيل للتحرك في قضية الغجر، واستعداد الاخيرة لتحرك ما بهذا الاتجاه عن أن هذه الأطراف لا تريد الوقوف مكتوفة الأيدي بانتظار ما ستؤول إليه الانتخابات النيابية، بل تريد القيام بما تستطيع، لدعم القوى المناوئة للمقاومة وحلفائها، كما أوضحت بأن إسرائيل والولايات المتحدة تتخوفان جدا من فوز المعارضة، إضافة إلى حقيقة لا مفر منها وهي انه مهما كانت الصيغ التي سيتم فبركتها، فإن التدقيق في حقيقة الواقع يؤكد على حقيقة واحدة هي انه لولا وجود المقاومة لما كان هناك تفكير او بحث بقضية الغجر بل ولما عرف الرأي العام إطلاقا بوجود قضية تتعلق بأراض لبنانية محتلة في قرية الغجر.
الانتقاد/ العدد1345 ـ 8 ايار/ مايو 2009