ارشيف من :أخبار عالمية

بغداد وأربيل وظلال الأزمة السورية

بغداد وأربيل وظلال الأزمة السورية
بغداد ـ عادل الجبوري

ألقت الازمة السورية ببعض من ظلالها على الأزمة السياسية العراقية، لتزيد الأمور تعقيداً وتداخلاً وتشابكا، ولتوسع الهوة بين بعض الفرقاء، وتفتح أبوابا اخرى من المسالك الوعرة والمظلمة، وتدفع الى نقاط حرجة وحافات خطرة!.

الى وقت قريب لم تتعدّ مساحة الخلاف بين هذا الطرف السياسي العراقي وذاك حول الازمة السورية، المواقف السياسية البحتة، فقد كان ـ وما زال ـ هناك فريق يدعم ويساند الحكومة السورية، او بتعبير اخر يدعم الحلول السلمية ويرفض خيار اللجوء الى القوة العسكرية والتدخلات الخارجية لحسم الأمور، يقابله فريق اخر يدعم ويساند بقوة المعارضة السورية، من دون التوقف عند الكثير من الممارسات والسياقات الخاطئة الصادرة عنها ومن ودون التأمل في طبيعة الاجندات والمشاريع المطروحة والمتبناة من قبل قوى اقليمية ودولية ومدى تأثيرها المستقبلي على الواقع السياسي والامني العراقي.

بيد انه قبل ايام قلائل، وبعدما اخذ إيقاع الاحداث يتسارع ويتسع نطاقها على الساحة السورية، وكان من معطياته تدفق اعداد غير قليلة من السوريين الى العراق عبر الحدود، تعدى الخلاف بين الفرقاء العراقيين مساحة وجهات النظر والمواقف النظرية المتباينة او المتقاطعة، ليدخل في حيز مساحة الصدام المباشر بطابعه العسكري المسلح، حينما قررت الحكومة الاتحادية إرسال قطعات من الجيش العراقي لامساك الحدود بين العراق وسوريا ضمن المناطق التي يتدفق عبرها النازحون السوريون ومعهم العراقيون المقيمون في سوريا، للحؤول دون دخول الارهابيين والسيطرة على الاوضاع.

هذا التحرك استفز الاكراد لأن مساحة انتشار القطعات العسكرية من الجيش العراقي، كانت قريبة من الحدود الإدارية لاقليم كردستان، وضمن نطاق مناطق توصف بالمتنازع عليها ولم تحسم تابعيتها او هويتها حتى الآن وفق سياقات ومضامين المادة 140 من الدستور العراقي النافذ عام 2005.

ولعله في ظل اوضاع وظروف طبيعية لا يشكل اي تحرك عسكري بأوامر صادرة من القائد العام للقوات المسلحة امرا غريبا او مرفوضا او استفزازيا، ولكن بما ان هناك "ازمة ثقة" تهيمن على مجمل المشهد السياسي العام في العراق، تتفرع منها ازمة ثقة بين الاكراد ومكونات عربية مختلفة هويتها سنية، وبينهم وبين الحكومة الاتحادية متمثلة بالتحديد في شخص رئيسها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.

وأزمة الثقة بين الاكراد والاطراف ـ او الطرف الاخر ـ قد بلغت في الاشهر القلائل الماضية مديات خطيرة جدا، بحيث بات أي عامل اضافي من البساطة بمكان ان يعمقها ويجعلها تقف على كف عفريت!.

والنقطة التي وصلت اليها الأزمة بين بغداد وأربيل مؤخرا كافية للاشارة الى مستوى الخطر المقلق، حتى ليبدو للمراقب أنه كما لو ان دولتين متجاورتين تقفان على حافة الحرب، وليس وحدات عسكرية تحركت داخل أراضي الدولة.

بغداد وأربيل وظلال الأزمة السورية

الحكومة الاتحادية ـ ومن يساند موقفها ـ تؤكد ان الدستور ينص بصراحة ووضوح على ان الامن وما يتعلق به والسياسة الخارجية هي من صلاحيات ووظائف الحكومة الاتحادية، وهي ـ اي الحكومة الاتحادية ـ لا تحتاج للحصول على موافقات وتصاريح مسبقة من الحكومات المحلية حينما ترتئي التحرك بأي اتجاه او اتخاذ موقف معين، في حين يصر الاكراد على انه لا بد من حصول التنسيق المسبق في حال ارادوا هم او ارادت الحكومة الاتحادية تحريك اية قطعات عسكرية في المناطق المتنازع عليها.

البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بهذا الشأن يقول "ان الهدف من ارسال تلك التعزيزات هو حماية حدود العراق وسيادته، وليس تهديد كردستان، والدفاع عن الحدود شأن سيادي، ومن مسؤوليات الحكومة الاتحادية ان تتخذ الاجراءات الاحترازية في حال حدوث اي تطورات اقليمية".

في حين يقول الاكراد على لسان أحد قادة قوات البيشمركة، وهو نائب آمر اللواء الثامن العميد محمد رستم "ان مهمة حماية الحدود تقع على عاتق قوات حرس الحدود، صحيح ان كردستان جزء من العراق، لكن لا يجوز لقوة عسكرية تابعة للجيش العراقي ان تتقدم الى الحدود، خصوصا الى المناطق المتنازع عليها، وعليه نؤكد للجانب الآخر اننا لدينا اوامر بإطلاق النار في حال أي تقدم لقوات الجيش، ونحمل قيادة الجيش العراقي اي تداعيات خطيرة تحصل جراء هذا التقدم".

وبين هذا الرأي وذاك، راحت الامور على الارض تتجه الى حيث مكامن الخطر والتصعيد العسكري، فقوات الجيش العراقي ترابط على مسافة قصيرة جدا من قوات البيشمركة الكردية، والاخيرة بحسب التصريحات الرسمية تلقت اوامر بإطلاق النار في حال تقدمت قوات الجيش العراقي، في ظل غياب اية مؤشرات حقيقية وواضحة لاحتواء التصعيد ومعالجة الموقف ونزع فتيل هذا المفصل من الازمة، وليس بالضرورة كل مفاصلها.

ولا شك ان التأزم والاحتقان "العسكري" بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان يعكس في جانب منه ازمة الثقة، والحساسيات التي طغى عليها الطابع الشخصي بين المالكي والبارزاني، وتباين المواقف والتوجهات بشأن جملة من الملفات العالقة، كالمادة 140 من الدستور، والعقود النفطية، وحدود صلاحيات اقليم كردستان، بيد انه ثمة جانب اخر عكسته تداعيات الاحداث ومسارات التأزم والتصعيد، ألا وهو التفاوت الكبير بين مواقف الحكومة الاتحادية ومواقف حكومة اقليم كردستان حيال مجريات الاوضاع في سوريا، هذا التفاوت يمثل مفارقة غريبة في الواقع السياسي العراقي الراهن، ولا يمكن ان نجد له اوجه شبه في اي نظام اخر يقوم على اساس الصيغة الفيدرالية.

ومثلما اشرنا آنفا فإن حكومة بغداد اظهرت حتى الان مواقف متوازنة ازاء الازمة السورية عبرت عنها خلال مؤتمر القمة العربية الثالثة والعشرين التي احتضنتها بغداد اواخر شهر اذار/مارس الماضي، وقبل ذلك وبعده، واخر شيء في هذا السياق تمثل بمعارضة بغداد لقرار اتخذه وزراء خارجية جامعة الدول العربية قبل بضعة ايام يطالب بتنحي الرئيس بشار الاسد عن السلطة وتشكيل حكومة انتقالية في سوريا.

في حين تذهب مجمل المعطيات الى ان الاكراد العراقيين يتحركون بالاتجاه المعاكس تماما، فلديهم اتصالات ومباحثات متواصلة مع بعض الاطراف الداعية والساعية الى الاطاحة بنظام الحكم السوري الحالي مثل تركيا، فضلا عن وجود اتصالات وتنسيق مع قوى وشخصيات من المعارضة السورية، وابرز واقرب دليل على ذلك زيارة رئيس المجلس الوطني السوري المعارض عبد الباسط سيدا إلى اقليم كردستان من دون مواقفة او علم الحكومة الاتحادية في بغداد، وكذلك اعتراف قيادات كردية بتدريب اكراد سوريا وتقديم الدعم والاسناد لهم لتمكينهم من الدفاع عن انفسهم في حال تطلب الامر ذلك.

ويشير هيمن هورامي مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الى "ان الشباب الكرد السوريين عددهم قليل جدا وتم تدريبهم تدريبات بدائية في مخيمات الاقليم، وان هذه التدريبات تهدف الى ملء اي فراغ امني بعد سقوط النظام السوري". وجاءت تلك التصريحات تزامنا مع زيارة عبد الباسط سيدا لاربيل.

ويضيف هورامي قائلاً "نحن في الحزب الديمقراطي وحكومة الاقليم لن نتدخل في الشأن السوري ولن نفرض اي صيغة سياسية حول كيف يجب ان يكون وضع الاكراد في سوريا، ولكن ساندنا توحيد الصف الكردي في سوريا ليكون داعما اساسيا للمعارضة السورية، ويكون داعما اساسيا للتغيير الايجابي في سوريا".

وتعزز التوجهات الكردية بشأن الازمة السورية، المنحى الذي تتخذه القيادات الكردية، لا سيما في الحزب الديمقراطي القائم على تبني مواقف مختلفة عن مواقف الحكومة الاتحادية في بغداد، والعمل على توظيفها واستثمارها من اجل تحقيق مكاسب وامتيازات خاصة بالاكراد، وهذا واضح الى حد كبير في المتغيرات والتحولات الاخيرة بعلاقات الاكراد مع تركيا، وعلاقاتهم الايجابية مع دول اقليمية تثير سياساتها ومواقفها الكثير من التحفظ والجدل في العراق مثل قطر والسعودية.

وربما تساهم ـ او تدفع ـ تلك الاطراف في هذه المرحلة الى دعم الاكراد، في اطار السعي الى ايجاد ترتيبات جديدة في المنطقة، وفي اطار العمل على اضعاف الحكومة العراقية بوضعها وهويتها الحالية، ودفعهم وتشجيعهم بالذهاب بعيدا في مواقفهم التصعيدية المتشنجة، لكن ما هو مؤكد ان مثل تلك التوجهات والسياسات لا تعدو كونها متطلبات وضرورات ومقتضيات مفصل زمني معين ليس الا، وعلى الحكومة في بغداد ان تتحسب لذلك مثلما على الاكراد ايضا.
2012-08-01