ارشيف من :آراء وتحليلات

الصناديق الأوروبية تسكب المياه في الرمال العطشى

الصناديق الأوروبية تسكب المياه في الرمال العطشى
صوفيا ـ جورج حداد*

من الصعب على السياسيين الأوروبيين ان يكونوا في علاقات انسجام مع علماء الاجتماع. فهم يتشاجرون معهم كلما هبطت نسبة شعبيتهم، او لم تصعد إذا كانت منخفضة. وهم يسعون لايجاد صيغة لاخضاعهم: بواسطة الاغراءات المالية، او الضغط السلطوي، او علاقات الصداقة. وليس واحدا او اثنين فقط من رؤساء الوزراء الذين يعلنون انهم لا يثقون بالاستقصاءات العامة، وانهم يملكون علم الاجتماع الخاص بهم. ولكن صناديق الاقتراع هي التي تحسم الامر في نهاية المطاف.

وتتعمق الازمة السياسية في أوروبا من خلال تعمق الأزمة الاقتصادية. وقد طرحت مؤخرا فكرة جعل سقف آلية المساعدة المالية الاوروبية للبلدان المحتاجة سقفا مفتوحا. ونالت هذه الفكرة المزيد من المؤيدين في منطقة اليورو وفي المؤسسات الأوروبية. وهي فكرة ليست جديدة. فمنذ شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي يجري الحديث عن امكانية منح ترخيص بنكي خاص لصندوق الانقاذ الاوروبي، وبهذه الطريقة الملتوية يتم الالتفاف على السقف الاعلى للمساعدة، التي تحد من امكانية المساعدة. والسقف في الوقت الحالي هو 700 مليار يورو.

ومنذ ايام بحثت فكرة ان يمنح لآلية الانقاذ الاوروبية الحق بإيداع ما تشتريه من سندات الخزينة العائدة لبلدان المنطقة الاوروبية في البنك المركزي الاوروبي. ومقابل هذه السندات ستتلقى الآلية عملة طازجة، يمكن ان تصب من جديد في العواصم المأزومة.

وقد ايدت الفكرة باريس، روما، مدريد وغالبية اعضاء المجلس الاداري للبنك المركزي الاوروبي. ولكن وقفت ضد هذه الفكرة الحكومة الالمانية والبنك الفيدرالي الالماني اللذان أبديا تخوفاً من ان مثل هذه الآلية سوف يتولد عنها تضخم معقّد.

وحسب اقوال بعض المصادر الوزارية الالمانية فإن الغاء سقف الصندوق الانقاذي يمكن ان يتناقض مع الاتفاقيات التي تأسست بموجبها منطقة اليورو. وستبين الايام القادمة اذا كانت برلين ستستطيع ان تفرض وجهة نظرها.

الصناديق الأوروبية تسكب المياه في الرمال العطشى

وفي باريس وبعد غداء عمل جمعه مع رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي عبر الرئيس الفرنسي فرنسوا اولاند عن إرادته في ان يعمل كل ما هو ممكن من اجل ان تكون منطقة اليورو "محمية، محفوظة وموحدة". كما عبر ماريو مونتي عن التصميم على معالجة الازمة في منطقة اليورو. وقال "لا يمكننا ان نسمح بأية دقيقة من عدم الانتباه". وقبل اللقاء بقليل كان رئيس وزراء ايطاليا قد صرح بأنه بدأت تظهر نهاية النفق لايطاليا والاتحاد الاوروبي فيما يتعلق بأزمة الدين، بعد ان قدم البنك المركزي الاوروبي وقادة منطقة اليورو الضمانات لانقاذ اليورو.

وفي لقاء الرئيسين بحثت ايضا المسائل الثنائية ولقاء القمة الفرنسي ـ الايطالي القادم، الذي سينعقد في مطلع كانون الاول/ ديسمبر القادم في مدينة ليون الفرنسية. وحسب رأي فرنسوا اولاند فإن نوعية العلاقات الفرنسية ـ الايطالية هي "نقطة مهمة لتسوية المسائل، التي هي من مسؤوليتنا في الايام القادمة، من اجل توحيد وتدعيم منطقة اليورو".

ومن جهة ثانية اعلن مركز الاحصاءات الاوروبية (يوروستات) ان البطالة في منطقة اليورو بلغت في شهر حزيران/يونيو الماضي نسبة قياسية هي 11،2%. وتقول الاحصاءات ان 17،8 مليون اوروبي هم بدون عمل، وهو ما يزيد 123000 عن الشهر الذي سبقه. وشهر حزيران/يونيو هو الشهر الرابع عشر على التوالي الذي تبلغ فيه البطالة او تزيد عن نسبة 10% في منطقة اليورو. وتضيف اليوروستات انه في خلال سنة زاد عدد العاطلين من العمل في الاتحاد الاوروبي 2،02 مليون. وفي الاتحاد الاوروبي بشكل عام بلغت نسبة البطالة 10،4% في شهر حزيران/يونيو، وهي النسبة ذاتها في شهر ايار/مايو. وهذه النسبة هي قياسية بالنسبة للاتحاد.

وفي الدول الاعضاء في منطقة اليورو فإن النسبة الاقل للبطالة هي في النمسا (4،5%)، وفي هولندا (5،1%)، وفي المانيا ولوكسمبورغ هي (5،4% في كل من البلدين). واعلى نسبة بطالة سجلت في شهر حزيران/يونيو هي في اسبانيا (24،8%). اما في اليونان فإن الاحصاءات المقدمة هي عن شهر نيسان/ابريل، وقد بلغت النسبة 22،5%. وفي هذين البلدين فإن البطالة تطال اكثر ما تطال الشبان حتى سن الخامسة والعشرين، وتبلغ اكثر من نصف الشباب وهي 52،8% في اليونان و52،7% في اسبانيا.

وبالرغم من ان المانيا هي من البلدان ذات النسبة الادنى للبطالة، فقد بدأت الزيادة تسجل هناك ايضا، بعد ان بدأت الاهتزازات في منطقة اليورو تنعكس على سوق العمل في البلاد. وحسب احصاءات اولية غير مدققة، فإن البطالة في المانيا بدأت تزداد بشدة. فعدد الاشخاص الذين يبحثون عن عمل، قد ازداد 66800 خلال شهر تموز/يوليو بزيادة عن الشهر الذي سبقه. واصبح الرقم الاجمالي يبلغ 2،88 مليون. حسبما جاء في احصاءات الوكالة الفيدرالية للعمل. وقالت الوكالة "ان المخاطر على الاقتصاد الالماني اصبحت اكثر من السابق". وحذرت الوكالة بالقول "ان اتجاهات سوق العمل تبقى ايجابية، ولكن بدأت تظهر علائم ملحوظة للضعف".

والى جانب زيادة البطالة في المانيا بدأت تظهر معطيات مشجعة في رومانيا. فبعد ان كانت هذه البلاد البلقانية الغارقة في ازمة اقتصادية خانقة، قد صرفت من العمل في القطاع العام 100 الف شخص سنة 2010، من اجل ان تخفض العجز الضخم في ميزانيتها، سجلت رومانيا انخفاضا طفيفا في العجز 7،6% في حزيران/يونيو، مقابل 7،7% في ايار/ماو. ووقف عدد العاطلين من العمل عند رقم 735 الفا تقريبا، في حين كان في شهر ايار/مايو 744 الفا. وقد اعلنت هذه الارقام مؤسسة الاحصاءات الوطنية في بخارست. وبعد سنتين من الركود بدأ الاقتصاد الروماني يسجل نموا بمقدار 2،5% في سنة 2011، ويتوقع ان يسجل نموا بنسبة 1،5% هذه السنة.

وفي هذا الوقت اعلنت احصاءات البطالة في ايطاليا، وهي تدل على ان البطالة في البلاد وصلت الى نسبة قياسية وهي 10،8% في شهر حزيران، حيث بلغ عدد الباحثين عن عمل مليونين و790 الف شخص حسبما ذكرت وكالة فرانس برس، مستندة الى الاحصاءات الرسمية. ونسبة البطالة في شهر حزيران/يونيو تزيد عن النسبة في شهر ايار/مايو التي كانت 10،6%، وهي نسبة تزيد 37،5% عما كانت عليه في الشهر ذاته سنة 2011.

والبلدان الاوروبية ذات النسب الاعلى في البطالة هي: بلغاريا، اسبانيا، اليونان، بولونيا، ليتوانيا، ايرلندا، سلوفاكيا ولاتفيا.

*كاتب لبناني مستقل

2012-08-02