ارشيف من :ترجمات ودراسات
"احتواء إيران": عمليات استخبارية لمنع صادراتها العسكرية
إعداد: علي شهاب
تتعامل دوائر صناعة القرار الأميركية مع ملف الصادرات العسكرية والتكنولوجية للجمهورية الاسلامية الايرانية من زاوية ضرورة سحب ورقة القوة هذه من يد طهران بهدف فرض مزيد من الشروط عليها في المفاوضات الدولية.
"تعطيل صادرات ايران العسكرية والتكنولوجية" هو عنوان تقرير بحثي وضعه مدير برنامج "ستاين" لشؤون الاستخبارات ومكافحة الارهاب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ماثيو ليفيت استهله بالإشارة الى أنه "في وقت سابق من هذا العام، قامت قبرص بحجز سفينة الشحن الإيرانية المستأجرة «مونشيغورسك»، المحملة بمعدات حربية كان مقصدها سوريا (وربما ما وراءها). ويسلط هذا الحدث الضوء على أوجه قصور العقوبات الحالية المتخذة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي ضد إيران، ويشدد على ضرورة اتباع نهج أكثر انتظاماً للتعامل مع جهود طهران الرامية إلى نقل تكنولوجيا وأسلحة الى حلفائها الراديكاليين في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، حتى في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للتعاطي مع إيران".
«مونشيغورسك» وحمولتها
في كانون الثاني/يناير الماضي، قامت البحرية الأميركية باعتراض السفينة «مونشيغورسك» وإيقافها عندما كانت تمر في البحر الأحمر في طريقها إلى سوريا. وقد جاء ذلك وفقاً لمعلومات استخبارية مفادها أن السفينة كانت تنقل صادرات لأسلحة إيرانية الصنع انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 1747. ووفقاً لوثائق الأمم المتحدة، كانت «مونشيغورسك»، وهي سفينة روسية ترفع العلم القبرصي، مستأجرة من قبل «شركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للملاحة» (شركة الملاحة الإيرانية). وفي أيلول/سبتمبر 2008، قامت وزارة الخزانة الأميركية بتصنيف «شركة الملاحة الإيرانية» على قائمة الشركات المنغمسة في أنشطة الانتشار النووي، حيث ذكرت أن "«شركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للملاحة» لا تقوم فقط بتسهيل نقل البضائع للضالعين في انتشار الأسلحة النووية والذين تم تصنيفهم من قبل الأمم المتحدة، بل تقوم أيضاً بتزوير وثائق وتستخدم خططا خادعة لتغطية مشاركتها في تجارة غير مشروعة".
وقد قام أعضاء من طاقم سفينة تابعة للبحرية الاميركية كانوا قد صعدوا على متن «مونشيغورسك»، بتأكيد الشكوك المتعلقة بحظر الأسلحة وأمروا السفينة الروسية بالتوجه إلى قبرص. وهناك، وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عثرت السلطات القبرصية على مكونات قذائف هاون وآلاف من الحقائب تحتوي على مساحيق، ومواد مولدة للطاقة، وأغلفة لقذائف مدافع من عيار 125 ملم و130 ملم. وقد تم تفريغ البضائع واحتجازها من قبل السلطات القبرصية.
إيران تسلح خصوم الولايات المتحدة
وقع في السنوات الأخيرة عدد من الحوادث المماثلة، التي شملت جهودا إيرانية لنقل أسلحة ومعدات عسكرية بحراً وبراً وجواً. فقد ساعدت إيران، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، على تسهيل نقل شحنات الأسلحة إلى غزة عن طريق حزب الله و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بواسطة حاويات عائمة مقاومة للمياه، وذلك باستخدام اثنتين من السفن المدنية، وهي «سانتوريني»، التي استولت عليها إسرائيل في أيار/مايو 2001، و «كاليبسو 2». وفي كانون الأول/ديسمبر 2001، حاولت إيران تسليم السلطة الفلسطينية خمسين طناً من الأسلحة كانت على متن السفينة «كارين إيه»، ولكن قوات البحرية الإسرائيلية قامت بالاستيلاء على شحنتها في البحر الاحمر. وخلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، ادعت الاستخبارات الإسرائيلية بأن إيران عادت مرة أخرى وبدأت تزويد الحزب بالأسلحة عن طريق تركيا. وفي أيار/مايو 2007، اكتسبت هذه المزاعم مصداقية عندما تبين أن قطارا خرج عن مساره في جنوب شرق تركيا، وقد كان القطار يحمل صواريخ إيرانية غير معلنة، وشحنات أسلحة صغيرة متجهة إلى سوريا ـ وربما لكي يعاد شحنها إلى حزب الله ـ.
في الآونة الأخيرة، برزت إيران كمصدر رئيسي لتزويد «حماس» بالأسلحة في غزة، وكذلك للحكومات المناهضة للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية. وفي كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2009، قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بقصف قافلتي مركبات، أُفيد بأنها كانت تحمل أسلحة إيرانية متجهة الى «حماس» في غزة.
تؤكد هذه الأحداث الأخيرة ظهور إيران المتنامي كمصدر يقوم بتزويد العتاد والمعدات والأسلحة العسكرية إلى الإسلاميين وحلفاء طهران المناهضين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وما وراءه. ولهذا السبب، من المهم بصورة متزايدة إنشاء نظام شامل للحد من قدرة إيران على نقل الأسلحة والعتاد العسكري لحلفائها وعملائها بحراً وبراً وجواً، وخصوصاً إذا قامت إيران بتسويق تكنولوجيتها النووية في الخارج.
تعزيز التأثير على طهران
تشير تلك الحوادث السابقة بأنه يتعين القيام بعمليات استخباراتية - في الوقت المناسب وبصورة موثوقة - لتجنب وقوع حوادث محرجة تقوض مصداقية الولايات المتحدة؛ كما أنها تسلط الضوء على الثغرات القائمة في "أدوات السياسة المتاحة" للتعامل مع عمليات نقل الاسلحة الإيرانية الى حلفاء طهران وأتباعها. ومن أجل إغلاق هذه الفجوات، يتعين على الولايات المتحدة العمل مع حلفائها والمجتمع الدولي للقيام بما يلي:
* تشجيع لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة على إصدار بلاغ رسمي من قبل مجلس الأمن يُرسل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويؤكد على واجب جميع الدول الأعضاء، بما فيها إيران وسوريا، على الالتزام التزاماً تاماً بالحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على نقل الأسلحة.
* العمل مع الاتحاد الأوروبي على توسيع نطاق سياسته الحالية التي تحظر بيع أو نقل "جميع الأسلحة والمواد ذات الصلة، فضلاً عن تقديم المساعدة، والاستثمار والخدمات في هذا المجال" إلى إيران لتشمل أيضاً حظراً على شراء أو نقل الأسلحة والمواد من إيران.
* العمل مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على اعتماد تشريعات تتعلق بالأسلحة الإيرانية وعمليات نقل التكنولوجيا، لتمكين هذه الدول من الوفاء بالتزاماتها تجاه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما يجب تشجيع المنظمات الإقليمية في أميركا الجنوبية وجنوب وشرق آسيا على اعتماد قرارات مماثلة.
* العمل مع الاتحاد الاوروبي وتركيا (التي هي في الواقع البوابة الشرقية لأوروبا) على تطوير وتعزيز "نظام أمن حدود وجمارك" لمنع عمليات نقل التكنولوجيا والأسلحة الإيرانية عن طريق تركيا.
* إشراك القطاع الخاص لتوجيه الانتباه إلى خطر التعامل مع «شركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للملاحة»، وفروعها، وغيرها من الكيانات المحظورة. وكما قالت وزارة الخزانة الاميركية عندما قامت بتصنيف «شركة الملاحة الإيرانية»: "قد تقوم البلدان والشركات، وضمنها العملاء والشركاء التجاريون، وشركات التأمين البحري التي تتعامل مع «شركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للملاحة»، بمساعدة الخط الملاحي بدون قصد على تسهيل أنشطة الانتشار في إيران". وفي الواقع، ونظراً لتاريخ إيران، ينبغي إجراء فحص دقيق لأي سفينة رست مؤخراً في ميناء إيراني.
* تشجيع البلدان على الطلب من الموانئ و/أو السلطات جمع معلومات كاملة ودقيقة ومفصلة، عن جميع البضائع التي يتم شحنها إلى بلدانهم أو عن طريقها (وخاصة من "الولايات القضائية" المعرضة للخطر مثل إيران)، وإجراء تقويمات مخاطر دقيقة، والمضي قدماً في عمليات تفتيش فعلية عند الضرورة؛
* تشجيع تنفيذ مشروع «منظمة الجمارك العالمية» المعروف بـ"إطار معايير لتأمين التجارة العالمية وتيسيرها". وتمثل «منظمة الجمارك العالمية» 174 إدارة جمارك من جميع أنحاء العالم (بما في ذلك إيران) تعمل مجتمعة على معالجة حوالى 98 في المئة من التجارة العالمية. وفي ظل الإطار المقترح، سيتم تنفيذ نهج إدارة المخاطر على جميع البضائع لتحديد الشحنات العالية المخاطر في أقرب وقت ممكن. وسيستفيد الأعضاء المشاركون من تعزيز الأمن والكفاءة، وبإمكانهم الاستفادة أيضاً من خفض أقساط التأمين.
الآثار المترتبة على السياسة العامة
تدل الأحداث الأخيرة بأنه حتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة أوباما للتعاطي مع طهران، واصلت جمهورية إيران الإسلامية العمل من أجل تقويض المصالح الأميركية، ودعم العناصر المناهضة للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، كما يتبين من جهودها المستمرة لإعادة تزويد «حماس» مرة أخرى بالأسلحة، ودعم حزب الله، ومساعدة المقاتلين العراقيين. ولهذا السبب، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بصورة أفضل على تقييد قدرة طهران على تسليح حلفائها المعادين لمصالح الولايات المتحدة.
إن القيام بذلك من شأنه أن يعزز نفوذ واشنطن في مفاوضات محتملة مع طهران، ويساعد على احتواء إيران فيما إذا فشلت هذه الجهود الدبلوماسية، ويمنع إيران من المساهمة في انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وما وراءه.
الانتقاد/ العدد1345 ـ 8 ايار/ مايو 2009