ارشيف من :آراء وتحليلات
بعد العقوبات والديبلوماسية... نهاية الحرب النفسية ضد ايران
من الموضوعات الاساسية التي تتموضع في رأس جدول الاعمال الاميركي ـ الاسرائيلي المشترك كيفية التخلص من القوة الايرانية بفرعيها: التقليدي المثبت وجوده، وغير التقليدي الذي تراه واشنطن و"تل ابيب" في المشروع النووي الايراني وتحمّلانه ابعاداً عسكرية تنفيها طهران دائماً.
منذ عقد من الزمن على اقل تقدير يطلق بين يوم وآخر تهديد اميركي او اسرائيلي بشن الحرب على ايران، لكن اي شيء من هذا القبيل لم يحصل. ورغم أن منسوب الخطر الايراني الوجودي على "اسرائيل" يتم ترفيعه درجات كل فترة، فان من يفترض بهم ان يقوموا بعمل ما لدرء هذا الخطر لا يزالون مكتوفي الايدي. وفي واشنطن و"تل ابيب" لا يواجه الصحفيون عناءً او جهداً في التتبع السريع لتدوين تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين حول كيفية التعامل مع هذا الخطر: الجميع بمن فيهم الرأي العام باتوا يحفظون الجمل المكررة وأكثرها شهرة تلك الجملة التي يجيب بها أي مسؤول اميركي لدى سؤاله عن الكيفية التي سيمنعون فيها ايران من حيازة القنبلة النووية هي أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، او تلك التي يكررها المسؤولون الاسرائيليون ويرون في استخدامها عامل ضغط على حلفائهم كي يبادروا الى اخراج هذا الخيارات عن الطاولة وتحويل الخطط الورقية الى خطط ميدانية فعلية، ونقصد عبارة "نقطة اللاعودة". هذه العبارة ترفق دائما بأي تقدير استخباراتي عن المراحل التي وصل اليها البرنامج النووي الايراني، ومدى اقترابه كما يقولون من انتاج القنبلة النووية الايرانية، ويتراوح تقدير نقطة اللاعودة الزمني بين بضع سنوات، وبضعة شهور كما هو الحال هذه الايام.
من الواضح ان هذا الضخ الكبير من التصريحات الحربية التي "تبشر" بالضربة العسكرية كانت تهدف الى إحداث تأثير نفسي لدى الجانب الايراني من أجل ثنيه عن المضي في برنامجه النووي المدني، والاستجابة للضغوط والمطالب التي تعرض في جولات التفاوض المتعددة الجنسيات التي تديرها طهران مع مجموعة الخمسة زائد واحد وغيرها، وايضا اظهار حزم الجانبين الاميركي والاسرائيلي وجهوزيتهما لاستخدام القوة العسكرية. ويمكن القول إن هذه الاستراتيجية القائمة على تكثيف التهديد بالحرب هي عمل مكمل لخياري: العقوبات الذي تصعِّده بعض الدول الغربية مجتمعة او منفردة او باسم مجلس الأمن تدريجيا ضد ايران، والديبلوماسية المتمثلة بجولات التفاوض التي تتنقل بين عاصمة واخرى، لكي يقنع الاميركيون والاوروبيون "اسرائيل" بأنهم مهتمون جدا بمعالجة هواجسهم وقلقهم من ايران نووية.
اليوم الانطباع السائد لدى قادة العدو ان الرزمة الكبيرة من العقوبات القاسية ضد عناصر الاقتصاد الايراني لم تؤت أكلها، ولم يسجل اي تقرير ينبئ بحدوث اهتزاز على شكل ثورة داخل المجتمع الايراني ضد قيادته، بل العكس صحيح، فإن العقوبات رغم قساوتها، تؤدي نتائج ايجابية اكثر مما هو متوقع وبينها على سبيل المثال تكريس نظرية الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس في تأمين البدائل، وبينها ايضا مزيد من الالتفاف حول القيادة الايرانية متمثلة بالامام السيد علي الخامنئي وفق ما اظهرته نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية الاخيرة والتي بلغت 65 في المئة رغم انعدام المنافسة السياسية بين المرشحين، وهو ما اعتبر نصرا كبيرا للسيد الخامنئي بعدما جيش الاعلام الغربي كل فضائياته وتويتراته ووجوهه القبيحة لثني الايرانيين عن المشاركة في الاقتراع. اما الارقام الاقتصادية والمالية فهي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك متانة قدرة ايران على الالتفاف على نظام العقوبات الدولي او الغربي.
اما الديبلوماسية وما يجري فيها من مفاوضات فهي بشكل او بآخر تعتبر احدى الخطوات الايجابية التي يظهر فيها الجانب الايراني استعداده للحوار والتفاوض وايجاد الحل المقبول وفق القانون والاخلاق والسيادة حول اي قضية خلافية مع الغرب بما فيها البرنامج النووي، ولذا يحرص دائما على مواصلتها رغم وصولها في بعض المحطات الى طرق مسدودة، بحيث يمكن القول ان الديبلوماسية هي نقطة لحساب ايران وليس على حسابها.
يبقى الحرب النفسية التي يقودها متخصصون من الجانبين الاميركي والإسرائيلي من اجل التأثير على سلوك الشعب والقيادة في الجمهورية الاسلامية، وبين أساليبها التهديد المستمر بالحرب، من اجل اظهار قدرة المعسكر المعادي لطهران على المبادرة وأنه لا يزال يمسك بزمام الامور. لكن الامور انتهت الى خيبة متوقعة عندما نعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه هذه الاستراتيجية علناً حيث اشتكى امام وزير الحرب الاميركي ليون بانيتا خلال زيارته الأخيرة الى كيان العدو من ان الايرانيين لا يصدقوننا. وقال له بالحرف: "رغم كل التصريحات الأميركية والإسرائيلية بأن كل الخيارات موجودة على الطاولة، إلا أن ذلك لم يقنع الإيرانيين بجديتنا ونياتنا، بل إن الحكام في إيران يعتقدون حالياً بغياب الإرادة والرغبة لدى المجتمع الدولي لوقف برنامجهم النووي"، وتوجه نتنياهو لبانيتا قائلاً: "وأنت شخصياً قلتَ قبل عدة أشهر إنه بعد أن تفشل كل الخيارات الأخرى، ستتحرك أميركا، ولكن حتى هذه التصريحات لم تردع الإيرانيين عن المضي قدماً في برنامجهم النووي". الانكى من ذلك ان صحيفة " هآرتس" الاسرائيلية وفي معرض تحليلها للتصريحات النارية المستمرة لكل من نتنياهو ووزير حربه ايهود باراك بان "اسرائيل" ستتصرف بطريقة أحادية ضد ايران اذا لم تبادر الولايات المتحدة الى القيام بهذه العملية، خلصت الى ان عدداً من المسؤولين الاسرائيليين ممن شاركوا في اجتماع امني مؤخرا ضم نتنياهو وأركان الجيش الاسرائيلي يعتقدون أن "نتنياهو وباراك يشنان حرباً نفسية لتكثيف الضغوط على الولايات المتحدة ودفعها للقيام بالضربة العسكرية".
هذا الانطباع صحيح، فمن يحتاج الى حرب نفسية هو حكماً واشنطن وقيادتها المرتعبة من نتائج حروبها الفاشلة المتنقلة بين افغانستان والعراق وسوريا ولبنان والتي لا يزال شبحها يخيم على صانع القرار الاميركي سواء كان سياسيا او عسكريا، وتمنعه حتى من التفكير بحرب جديدة ولو محدودة، اما صانع القرار في ايران فهو على اهبة الاستعداد وفي جهوزية تامة لرد الصاع صاعين، ولن تباغته اي ضربة مفاجئة، بل انه هو من يملك مفتاح المفاجآت التي حكماً ستغير وجه المنطقة وربما العالم، وهذا ما هو موجود في تقديرات امنية وتقارير بحثية كثيرة ترى ان " اسرائيل" ومعها واشنطن اوقعتا نفسيهما في فخ تهديد ايران بحرب ربما باتت الأخيرة تستعجلها اليوم قبل الغد، وهو ما يعرفه الاميركيون والاسرائيليون جيدا، وباتت الآية مقلوبة حيث بات على الاسرائيليين والاميركيين تقدير كيف سيكون الرد الايراني وما هي نتائجه، وكيف ستنتهي اي مغامرة عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية، اكثر من الكلام عن نتائج حربهم المفترضة عليها.
عبد الحسين شبيب
منذ عقد من الزمن على اقل تقدير يطلق بين يوم وآخر تهديد اميركي او اسرائيلي بشن الحرب على ايران، لكن اي شيء من هذا القبيل لم يحصل. ورغم أن منسوب الخطر الايراني الوجودي على "اسرائيل" يتم ترفيعه درجات كل فترة، فان من يفترض بهم ان يقوموا بعمل ما لدرء هذا الخطر لا يزالون مكتوفي الايدي. وفي واشنطن و"تل ابيب" لا يواجه الصحفيون عناءً او جهداً في التتبع السريع لتدوين تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين حول كيفية التعامل مع هذا الخطر: الجميع بمن فيهم الرأي العام باتوا يحفظون الجمل المكررة وأكثرها شهرة تلك الجملة التي يجيب بها أي مسؤول اميركي لدى سؤاله عن الكيفية التي سيمنعون فيها ايران من حيازة القنبلة النووية هي أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة"، او تلك التي يكررها المسؤولون الاسرائيليون ويرون في استخدامها عامل ضغط على حلفائهم كي يبادروا الى اخراج هذا الخيارات عن الطاولة وتحويل الخطط الورقية الى خطط ميدانية فعلية، ونقصد عبارة "نقطة اللاعودة". هذه العبارة ترفق دائما بأي تقدير استخباراتي عن المراحل التي وصل اليها البرنامج النووي الايراني، ومدى اقترابه كما يقولون من انتاج القنبلة النووية الايرانية، ويتراوح تقدير نقطة اللاعودة الزمني بين بضع سنوات، وبضعة شهور كما هو الحال هذه الايام.
من الواضح ان هذا الضخ الكبير من التصريحات الحربية التي "تبشر" بالضربة العسكرية كانت تهدف الى إحداث تأثير نفسي لدى الجانب الايراني من أجل ثنيه عن المضي في برنامجه النووي المدني، والاستجابة للضغوط والمطالب التي تعرض في جولات التفاوض المتعددة الجنسيات التي تديرها طهران مع مجموعة الخمسة زائد واحد وغيرها، وايضا اظهار حزم الجانبين الاميركي والاسرائيلي وجهوزيتهما لاستخدام القوة العسكرية. ويمكن القول إن هذه الاستراتيجية القائمة على تكثيف التهديد بالحرب هي عمل مكمل لخياري: العقوبات الذي تصعِّده بعض الدول الغربية مجتمعة او منفردة او باسم مجلس الأمن تدريجيا ضد ايران، والديبلوماسية المتمثلة بجولات التفاوض التي تتنقل بين عاصمة واخرى، لكي يقنع الاميركيون والاوروبيون "اسرائيل" بأنهم مهتمون جدا بمعالجة هواجسهم وقلقهم من ايران نووية.
اليوم الانطباع السائد لدى قادة العدو ان الرزمة الكبيرة من العقوبات القاسية ضد عناصر الاقتصاد الايراني لم تؤت أكلها، ولم يسجل اي تقرير ينبئ بحدوث اهتزاز على شكل ثورة داخل المجتمع الايراني ضد قيادته، بل العكس صحيح، فإن العقوبات رغم قساوتها، تؤدي نتائج ايجابية اكثر مما هو متوقع وبينها على سبيل المثال تكريس نظرية الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس في تأمين البدائل، وبينها ايضا مزيد من الالتفاف حول القيادة الايرانية متمثلة بالامام السيد علي الخامنئي وفق ما اظهرته نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية الاخيرة والتي بلغت 65 في المئة رغم انعدام المنافسة السياسية بين المرشحين، وهو ما اعتبر نصرا كبيرا للسيد الخامنئي بعدما جيش الاعلام الغربي كل فضائياته وتويتراته ووجوهه القبيحة لثني الايرانيين عن المشاركة في الاقتراع. اما الارقام الاقتصادية والمالية فهي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك متانة قدرة ايران على الالتفاف على نظام العقوبات الدولي او الغربي.
اما الديبلوماسية وما يجري فيها من مفاوضات فهي بشكل او بآخر تعتبر احدى الخطوات الايجابية التي يظهر فيها الجانب الايراني استعداده للحوار والتفاوض وايجاد الحل المقبول وفق القانون والاخلاق والسيادة حول اي قضية خلافية مع الغرب بما فيها البرنامج النووي، ولذا يحرص دائما على مواصلتها رغم وصولها في بعض المحطات الى طرق مسدودة، بحيث يمكن القول ان الديبلوماسية هي نقطة لحساب ايران وليس على حسابها.
يبقى الحرب النفسية التي يقودها متخصصون من الجانبين الاميركي والإسرائيلي من اجل التأثير على سلوك الشعب والقيادة في الجمهورية الاسلامية، وبين أساليبها التهديد المستمر بالحرب، من اجل اظهار قدرة المعسكر المعادي لطهران على المبادرة وأنه لا يزال يمسك بزمام الامور. لكن الامور انتهت الى خيبة متوقعة عندما نعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه هذه الاستراتيجية علناً حيث اشتكى امام وزير الحرب الاميركي ليون بانيتا خلال زيارته الأخيرة الى كيان العدو من ان الايرانيين لا يصدقوننا. وقال له بالحرف: "رغم كل التصريحات الأميركية والإسرائيلية بأن كل الخيارات موجودة على الطاولة، إلا أن ذلك لم يقنع الإيرانيين بجديتنا ونياتنا، بل إن الحكام في إيران يعتقدون حالياً بغياب الإرادة والرغبة لدى المجتمع الدولي لوقف برنامجهم النووي"، وتوجه نتنياهو لبانيتا قائلاً: "وأنت شخصياً قلتَ قبل عدة أشهر إنه بعد أن تفشل كل الخيارات الأخرى، ستتحرك أميركا، ولكن حتى هذه التصريحات لم تردع الإيرانيين عن المضي قدماً في برنامجهم النووي". الانكى من ذلك ان صحيفة " هآرتس" الاسرائيلية وفي معرض تحليلها للتصريحات النارية المستمرة لكل من نتنياهو ووزير حربه ايهود باراك بان "اسرائيل" ستتصرف بطريقة أحادية ضد ايران اذا لم تبادر الولايات المتحدة الى القيام بهذه العملية، خلصت الى ان عدداً من المسؤولين الاسرائيليين ممن شاركوا في اجتماع امني مؤخرا ضم نتنياهو وأركان الجيش الاسرائيلي يعتقدون أن "نتنياهو وباراك يشنان حرباً نفسية لتكثيف الضغوط على الولايات المتحدة ودفعها للقيام بالضربة العسكرية".
هذا الانطباع صحيح، فمن يحتاج الى حرب نفسية هو حكماً واشنطن وقيادتها المرتعبة من نتائج حروبها الفاشلة المتنقلة بين افغانستان والعراق وسوريا ولبنان والتي لا يزال شبحها يخيم على صانع القرار الاميركي سواء كان سياسيا او عسكريا، وتمنعه حتى من التفكير بحرب جديدة ولو محدودة، اما صانع القرار في ايران فهو على اهبة الاستعداد وفي جهوزية تامة لرد الصاع صاعين، ولن تباغته اي ضربة مفاجئة، بل انه هو من يملك مفتاح المفاجآت التي حكماً ستغير وجه المنطقة وربما العالم، وهذا ما هو موجود في تقديرات امنية وتقارير بحثية كثيرة ترى ان " اسرائيل" ومعها واشنطن اوقعتا نفسيهما في فخ تهديد ايران بحرب ربما باتت الأخيرة تستعجلها اليوم قبل الغد، وهو ما يعرفه الاميركيون والاسرائيليون جيدا، وباتت الآية مقلوبة حيث بات على الاسرائيليين والاميركيين تقدير كيف سيكون الرد الايراني وما هي نتائجه، وكيف ستنتهي اي مغامرة عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية، اكثر من الكلام عن نتائج حربهم المفترضة عليها.
عبد الحسين شبيب