ارشيف من :آراء وتحليلات

الصراع السياسي بين الحزبين يعرقل حلول الأزمة الاقتصادية في أميركا

الصراع السياسي بين الحزبين يعرقل حلول الأزمة الاقتصادية في أميركا
صوفيا ـ جورج حداد*

تقول الاحصاءات الاخيرة ان نسبة البطالة في الولايات المتحدة الاميركية قد ارتفعت وبلغت 8،3%. هذا مع العلم ان أرباب العمل اعلنوا عن وجود 163 الف وظيفة عمل شاغرة. ومع استمرار أزمة الديون وحالة الانحطاط التي تولدها، فإن الصراع بين الحزبين الرئيسيين يستمر، ويعمل الجمهوريون كل ما باستطاعتهم لوضع العصي في دواليب ادارة اوباما.

وقد تم توجيه انتقادات شديدة الى الادارة الاقتصادية للرئيس اوباما. الا ان اهم ما ينبغي الاشارة إليه مؤخرا ليس الاخطاء التي ارتكبتها ادارة اوباما في السنوات الأخيرة، بل المقاومة الشديدة التي قام بها الجمهوريون، الذين عملوا كل ما بوسعهم من اجل وضع العصي في الدواليب، والان بعد ان قاموا هم انفسهم بمقاطعة سياسة اوباما، فهم يطمحون إلى العودة الى البيت الابيض، زاعمين ان التدابير التي اتخذها قد فشلت.

الصراع السياسي بين الحزبين يعرقل حلول الأزمة الاقتصادية في أميركا

وفي الاسبوع الاول من آب/ اغسطس لفت النظر الرفض الذي قوبلت به الرغبة في اتخاذ تدابير من اجل تخفيف الشروط على قروض الرهنيات، وهو ما اعلن عنه مدير الوكالة الفيديرالية لتمويل السكن، وهو عرفٌ باق من عهد جورج بوش، ولم يكن الرئيس اوباما في وضع يسمح له بتغييره، وهذا ما يدل بوضوح عما يجري. ومعلوم ان الكثير من الاقتصاديين يؤكدون ان المتوجبات الكبيرة على الميزانية الاسرية، الموروثة من وقت انفجار الازمة، هي العامل الاساسي الذي يعرقل الانتعاش الاقتصادي. واذا عدنا الى المفاهيم العامة، فإن الدين الكبير جدا، ادى الى نتيجة ان الجميع صاروا يحاولون ان ينفقوا اقل مما يحصلون عليه. وأخذاً بالاعتبار ان هذا غير ممكن كمسلك جماعي، ذلك ان مصاريف البعض هي مداخيل للبعض الاخر، وبالعكس. والنتيجة المتحصلة من ضغط الانفاق هي اقتصاد مضغوط بشكل متواصل. ما هي السياسة التي ينبغي اتباعها في هذه الحالة؟ يكمن احد الحلول في زيادة انفاق اموال الدولة، من اجل دعم الاقتصاد، الى ان يستطيع القطاع الخاص ضبط موازينه العامة. ليس من المناسب اجراء تقشفات وتقليص انفاقات الدولة لان ذلك يعد عقبة كبيرة امام الاقتصاد.

ويكمن حل اخر في اتباع سياسة مالية ديناميكية، ومن وجهة النظر هذه، كان بمثابة فضيحة ان البنك المركزي الاميركي (الفيديرال ريزيرف) قد امتنع عن التصرف، آخذاً بالاعتبار البطالة والتضخم، الذي كان تحت المستوى المعهود. فالسياسة الضرائبية والسياسة المالية كان بالامكان، وكان يجب، استخدامهما بطريقة يمكنهما فيها معا ان يسهما في تخفيض الديون الرهنية. ان تخفيض العبء الذي يضغط على الاميركيين ذوي المشكلات الاقتصادية، يمكن ان يؤدي الى زيادة الشَّغالة والى تحسين ظروف الجميع. ولكن للاسف فإن المحاولات الاولى للحكومة لتخفيض العبء المتأتي عن الديون، لم تعط النتيجة المرجوة: فالقادة وضعوا الكثير من التقييدات التي لا تسمح بمساعدة المقترضين "غير المستحقين"، وهكذا لم يصل بالبرنامج الى اي مكان.

وفي مثل هذه الحالة عزمت الحكومة منذ وقت قريب ان تصبح اكثر جدية في جهودها لحل هذه المشكلة. ومن الواضح ان عبء الديون يمكن ان يتم تخفيفه عبر الرهونات الخاصة بشركتي Fannie Mae و Freddie Mac، وهما شركتا الإقراض اللتان تديرهما الحكومة، لانه تم عمليا تأميمهما في الايام الاخيرة من عهد جورج بوش. وقد دعم الحزبان فكرة الاستفادة من Fannie و Freddie. وعمليا فإن غلين هوبارد من كولومبيا، وهو مساعد مرموق للمرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني، طلب من Fannie و Freddie ان تسمحا لملاّكي المساكن، الذين لديهم القليل من المال النقدي او ليس لديهم اي مال نقدي، ان يعيدوا تمويل رهوناتهم، وهذا ما يسمح بتخفيض كبير للفوائد، التي عليهم ان يدفعوها الان، كما يعني انه يمثل حافزا قويا للاقتصاد. لقد ايدت حكومة اوباما هذه الفكرة، كما اقترحت وضع برنامج خاص للتخفيف عن كواهل المقترضين ذوي المشاكل الثقيلة.
الصراع السياسي بين الحزبين يعرقل حلول الأزمة الاقتصادية في أميركا

الا ان ادوارد ديماركو، المدير المؤقت للهيئة التي تشرف على Fannie و Freddie رفض ان يطبق المشروع المقترح لاعادة النظر في الرهونات واعادة تمويلها، وفي الاسبوع الماضي رفض المشروع الحكومي لتسهيل القروض الرهنية. فمن هو ديماركو؟ موظف، تم تكليفه بمركز المدير المؤقت للهيئة المختصة بتمويل السكن، بعد ان استقال المدير المعين من قبل جورج بوش سنة 2009. ويستمر ديماركو بإشغال هذا المنصب في السنة الرابعة لعهد اوباما، لان الجمهوريين في مجلس الشيوخ يعرقلون كل الجهود لتعيين مدير دائم للهيئة. ومن الواضح انهم بكل بساطة يكرهون فكرة تسهيل الديون. هل يمكن عزل ديماركو من هذا المنصب الحساس؟ بعض الاجوبة تقول: اذا تمت اعادة انتخاب باراك اوباما، فإنه يمكن ان يستبدله. وهو بالواقع كان يجب ان يفعل ذلك منذ سنوات. وقضية ديماركو تبين كيف ان الازمة الاقتصادية ذاتها تصبح وسيلة لدى الحزبين الحاكمين لانتزاع مكاسب سياسية على حساب المكلف الاميركي العادي.

*كاتب لبناني مستقل

2012-08-09