ارشيف من :آراء وتحليلات
على ماذا سيحاسب ميشال سماحة؟
كتب أحد الأصدقاء على حائطه في الفايسبوك ما يلي: "إن صحت التهمة على ميشال سماحة يجب محاكمته على فشل العملية"، قد تكون هذه الجملة هي الأكثر تعبيرا عن الحال اللبنانية، وفيها توصيف صادق لمناخات البلد، وتنطوي على دلالات لا يجوز إهمالها لدى مقاربة قضية الوزير السابق ميشال سماحة، كونها تختصر كل الالتباسات التي تحيط بهذه القضية.
لقد طفح الكيل، هذا ما تصرخ به الجملة في وجه الازدواجية التي تمارس باسم سياسة "النأي بالنفس"، فهذا العنوان الخلّاب الذي يداري الانقسام اللبناني حول الحدث السوري، تم تجويفه من معانيه السامية لسببين، الأول ضعف فريق في داخل الحكومة أمام حساباته الشخصية والانتخابية، والثاني، افتقاد المعارضة لحس المسؤولية الوطنية وذهابها بعيدا في زج البلد في صراع دولي لقاء مكافأتها بالعودة إلى الحكم.
عرفت المعارضة كيف تصوّب على نقطة الضعف الموجودة داخل الحكومة، وأخذت تتمادى في ابتزاز طرف حكومي معين، إلى أن تحقق لها ما تسترضي به مشغليها الدوليين، فانخرطت بشكل كامل وفعّال في تغذية الاضطرابات السورية، وصولا إلى تحويل لبنان ساحة حرب حقيقية ضد النظام في دمشق، تبدأ بالإعلام وإيواء المعارضين السياسيين السوريين، وانتهاء بتهريب الأسلحة وتسريب المقاتلين إلى الداخل السوري.
لن يغير الانتهاء من التحقيق مع ميشال سماحة في الموقف من هذا الرجل، وليست المشكلة بالمآخذ القانونية والأخلاقية على طريقة توقيفه، ولو كانت هذه المآخذ محقة يجب مراعاتها، فكما سبق القول لبنان ساحة حرب حقيقية، تمدّد عليها الصراع الدولي المحتدم على الأرض السورية بتسهيل وتشجيع من فريق 14 آذار، في وقت لم تستجب الدولة اللبنانية للمناشدات السورية لها باحترام القوانين الدولية والاتفاقات الثنائية لجهة ضبط الحدود ووقف استخدام لبنان منطلقا للتآمر على سوريا.
وبغض النظر عما ستأتي به التحقيقات مع سماحة، لن يكون لبنان أمام قضية جزائية كما يريد فريق 14 آذار، لأن هذه القضية ستعود طوعا إلى سياقها الطبيعي الذي لن تنفكّ عنه، وهو سياق سياسي مرتبط مباشرة بالانقسام اللبناني اللبناني، وسيصار إلى فتح الأدراج وسحب الملف الكبير المتعلق باستخدام لبنان منصة للهجوم على دمشق، وسيتم استدعاء كل الوقائع والأفعال والارتكابات التي صنعت من لبنان جبهة عسكرية وأمنية وإعلامية ضد دمشق.
كانت أول خطوة وضعت لبنان على عتبة الصراع الدولي في سوريا، مقولة فريق 14 آذار، عندما ربط استقامة التغيير في لبنان بحدوثه في سوريا، هذه المقولة هي التي أسست لكل المعابر غير الشرعية للدخول في الاضطراب السوري، وفيها من الديناميت ما يفجر لبنان بأسره وما لا تقوى على حمولته سيارة ميشال سماحة أو غيره، وقد جرى تثبيت هذه المقولة، بسلسلة طويلة من الاقترافات والأفعال والوقائع المعاقب عليها قانونا، وكانت تطوى المساءلة والمحاسبة عليها بذريعة إبقاء منسوب الانقسام الداخلي ضمن حدود لا تهدد الاستقرار العام.
في لبنان وجود مسلح للمعارضة للسورية في أكثر من منطقة، وهناك مسارب في وضح النهار لتمرير الأسلحة والمقاتلين إلى الداخل السوري، وبعض العمليات التخريبية في المدن الشامية تتم بناء لفتاوى تصدر من رجال دين لبنانيين، في حين أخذت وسائل إعلامية على عاتقها مهمة تحريضية ضد دمشق خلافا للقوانين اللبنانية، أضف إلى تصدي مجموعات المستقبل وحلفائه للجيش اللبناني لردعه عن تنفيذ واجباته الحدودية، سواء في طرابلس أو في عرسال إو في مناطق أخرى، وكذلك العثور على مخازن أسلحة وضبط بواخر وشاحنات محملة بالاعتدة العسكرية لزوم المتمردين على الحكومة السورية.
إلى هذا، تحوّل لبنان إلى ملجأ لإيواء سفاحين من المعارضة السورية ارتكبوا جرائم فظيعة في حق أبناء وطنهم في سوريا، وهم موجودون حاليا في المدن اللبنانية ويتمتعون بحماية الأجهزة الأمنية اللبنانية، وتحوّل لبنان أيضا إلى محطة تستقبل كل صنوف الاستخبارات الدولية المناوئة للحكومة السورية، وقد تحدثت مرارا وسائل الإعلام الغربية عن استخدام هذه الأجهزة للأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات أمنية في سوريا، لا بل، جرى ترهيب الأجهزة الأمنية اللبنانية (مخابرات الجيش والأمن العام) في حال إعاقتهما النشاطات الأمنية والعسكرية للمعارضة السورية في لبنان، وتشاركت قوى 14 آذار مع السفراء الغربيين في بيروت في هذا الترهيب، إلى أن وصل الأمر للقضاء اللبناني الذي أصدر احكاما تجعل من لبنان مرتعا لكل متربص بالأمن السوري، كان آخرها قبل أيام، عندما أطلق القاضي صقر صقر سراح ضابط سوري فار يحمل سلاحا على الأراضي اللبنانية.
نحن أمام ساحة حرب، تستعمل كافة الأسلحة ضد سوريا، وكل هذه الاعتداءات ضد سوريا تنفذ بأصابع لبنانيين، هم معرفون اسما اسما، ويتوارون الآن عن أنظار السياسة العوراء لشعار النأي بالنفس...ليس المهم انتظار التحقيقات مع ميشال سماحة، إنما يجب الالتفات إليه، هو على ماذا سيحاسبه الصديق الفايسبوكي.