ارشيف من :أخبار عالمية

زوايا النظر العراقية والايرانية للازمة السورية

زوايا النظر العراقية والايرانية للازمة السورية
بغداد ـ عادل الجبوري

دلت الزيارة التي قام بها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني سعيد جليلي لبغداد مؤخراً ضمن جولة مكوكية قادته الى دمشق وبيروت أيضاً على ان العراق يعد عنصراً مهماً ومحورياً في حل ومعالجة الأزمة السورية بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات.

والتصريحات التي أطلقها عدد من الساسة العراقيين الذين التقاهم جليلي، عكست من جانب رؤية واقعية وعملية لمسارات الحلول المنطقية، التي من شأنها ان تجنب ـ ليس سوريا فحسب وانما ـ مختلف الاطراف في المنطقة مشاكل وأزمات هي في غنى عنها، وعكست من جانب آخر عبر تلك التصريحات وجود تقارب كبير في وجهات النظر بين بغداد وطهران حيال ما يجري من وقائع وأحداث على الساحة السوريّة وما يمكن ان تؤول اليه من نتائج كارثية فيما لو لم يتم بذل الجهود والمساعي الجادة والسريعة لاحتوائها وتطويقها.

من الطبيعي جداً أن يفكر العراق حين يتخذ موقفاً معيناً حيال سوريا أو حيال اي طرف آخر بمصالحه المرحلية والاستراتيجية، في ابعادها السياسية والامنية والاقتصادية، ونفس الشيء بالنسبة لايران، ولكن هناك فرق كبير بين من يذهب الى خلط الاوراق وافتعال المزيد من الأزمات من خلال صب الزيت على النار بدلاً من الماء، وبين من يسعى الى وضع حد لواقع لا ينبغي بأي حال من الاحوال ـ ومن زاوية الاعتبارات السياسية والانسانية والاخلاقية ـ استمراره او العمل على توسيع نطاقه.


مثلما كانت طهران واضحة في مواقفها من الأزمة السورية، كانت بغداد كذلك، رغم ما في المشهد السياسي العراقي من تقاطعات وتداخلات وتشابكات بسبب طبيعة الحراك السياسي المرتبط بعدد غير قليل من المشاكل والازمات بين الفرقاء، وبسبب المؤثرات الخارجية، كانت بغداد واضحة في موقفها، والذي كان من تبعاته ونتائجه الآنية عليها اتساع نطاق العداء وتصدير المشاكل اليها من قبل أكثر من طرف اقليمي لم يكن له رهان غير رهان الاطاحة بنظام الحكم السوري بأي ثمن، ورسم خرائط جديدة وصياغة معادلات اخرى للمنطقة تقوم على اساس طائفي ـ مذهبي صرف.

زوايا النظر العراقية والايرانية للازمة السورية

الاطار العام للموقف العراقي حيال الوضع السوري، ارتكز ومنذ بداية اندلاع الأزمة قبل نحو العام ونصف العام على جملة اسس ومرتكزات من بينها:

ـ حل الأزمة سلمياً وتجنب اللجوء الى استخدام القوة المسلحة.

ـ احترام حق الشعب السوري في اختيار من يحكمه ويدير شؤونه عبر صناديق الاقتراع.

ـ عدم تدويل الأزمة واخضاعها الى مشاريع واجندات خارجية قد تتقاطع فيما بينها، ما ينعكس سلباً على الشعب السوري، كما حصل في التعاطي مع العراق من قبل المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي في عهد نظام الحكم السابق.

ـ ضرورة احترام كل مكونات المجتمع السوري وتنوعاته القومية والطائفية والمذهبية واتجاهاته الفكرية والسياسية والاجتماعية، وعدم انتهاج سياسة الاقصاء والتهميش والتغييب مع اي من تلك المكونات.

ـ اجراء اصلاحات حقيقية وواقعية تساهم في تحقيق مطالب المجتمع هناك، وتنسجم مع الحراك السياسي والاجتماعي العام الذي تشهده المنطقة العربية.

وكل ذلك عبر عنه العراق في مناسبات عديدة، مثل القمة العربية الثالثة والعشرين التي عقدت ببغداد آواخر شهر اذار/مارس الماضي، ومختلف اجتماعات وزراء خارجية جامعة الدول العربية، ومجمل اللقاءات السياسية الثنائية وبشتى المستويات مع شخصيات واطراف عربية واقليمية ودولية، واختزلها بيان رسمي صدر بعد لقاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بسعيد جليلي بالقول "ان موقف العراق داعم لأي جهد يحقق للشعبب السوري اهدافه بشكل سلمي وعبر الحوار والتفاهم، وتجنيب سوريا وشعبها المزيد من المآسي بما يساعد على حفظ امن واستقرار المنطقة".

والتوافق في مواقف بغداد وطهران حيال الأزمة السورية، هو في الواقع تعبير عن قراءات تنطلق من رؤى واقعية وموضوعية، وكذلك تعبير عن قوة وتماسك العلاقات بين الطرفين، لا سيما وان هناك الكثير من الملفات والقضايا المشتركة بصورة مباشرة او غير مباشرة، فمثلما انه ليس من مصلحة العراق ان تتأزم الامور وتتعقد بين ايران والاطراف الدولية بخصوص برنامجها النووي، فإنه ليس من مصلحة ايران أن تندلع ازمات وحروب بين العراق وجيرانه الاخرين مثل تركيا. وهكذا فإن القناعة المشتركة بين بغداد وطهران بأن وجود بيئة اقليمية مستقرة بعيداً عن النزاعات والصراعات والحروب امر يعود بالنفع والفائدة على الجميع بصرف النظر عن العناوين الطائفية والقومية والمذهبية والدينية، تمثل الارضية الصحيحة والقوية والرصينة لصياغة واتخاذ المواقف الصائبة والرشيدة والحكيمة حول سوريا وغير سوريا.

2012-08-13