ارشيف من :آراء وتحليلات

أعداء سوريا أمام الباب المسدود

أعداء سوريا أمام الباب المسدود
في ليبيا، قلصت الولايات المتحدة دورها العسكري المباشر وتركت تنفيذ المهمة لحلف الأطلسي وامتداداته العربية. أما في سوريا، فإن الولايات المتحدة قلصت حتى الآن دورها العسكري المباشر وزادت بأن قلصت أيضاً دور الحلف الأطلسي. والواضح أن السبب في ذلك هو المقولة الشهيرة التي أصبحت بمثابة أمر بديهي يعترف به الجميع: سوريا ليست ليبيا.

وقد ينبغي القول أيضاً، إذا ما نظرنا إلى الموضوع من زاوية دخول المعسكر الغربي في طور التضعضع رغم استفراده بالساحة الدولية بعد انهيار المعسكر السوفياتي، بأن سوريا ليست أفغانستان العام 2001، ولا عراق العام 2003، ولا سوريا نفسها وشقيقاتها العربيات في العام 1967، عام هزيمة العرب أمام الكيان الإسرائيلي، أو في العام 1948، عام اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة، أو في العام 1918، عام تقاسم التركة العثمانية من قبل القوتين العظميين البريطانية والفرنسية في تلك الفترة.

فسوريا اليوم، ومنذ مطلع السبعينيات، في ظل الرئيسين حافظ وبشار الأسد، وبعد الخروج من مرحلة طويلة من اللااستقرار والانقلابات العسكرية، هي نتاج إرادة الرد على سايكس ـ بيكو، واغتصاب فلسطين، وهزيمة الخامس من حزيران/يونيو، واتفاقيات الاستسلام وما سبقها ولحقها من هزائم العرب، ومن حالة التأسن التي يعيشها العالم العربي في ظل حكام يعيشون بقدر ما يخضعون بدقة لإملاءات المحور الصهيو ـ أميركي على حساب مصالح شعوبهم المغلوبة على أمرها.

أعداء سوريا أمام الباب المسدود

سوريا اليوم تشكل، بالنسبة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ما يشكله لبنان بالنسبة للكيان الصهيوني: لا شيء غير الخوف والهزيمة وصرير الأسنان.

وهذا ما يفسر ضراوة الحرب على سوريا، لأن مشروعها وموقعها في جبهة المقاومة على مستوى المنطقة، وفي الجبهة المناهضة للقطبية الأميركية الواحدة، على المستوى الدولي، يشكلان عنصر تهديد جدي لمشاريع الهيمنة الغربية، وهي المشاريع المسؤولة عن حالة التردي والبؤس التي يعيشها عالم اليوم والتي تقفل أمام البشرية جمعاء أبواب الغد.

وإذا كانت الولايات المتحدة تقلص دورها، فلأنها نجحت في إقامة دول وأشباه دول في الخليج وغير الخليج، وأوهمتها أن من الممكن لها، من خلال الاضطلاع بمهة تنفيذ المخططات الصهيو ـ أميركية في سوريا، أن تلعب أدواراً كبرى في قيادة المنطقة وأن تتبوأ مواقع هامة على الصعيد الدولي.

والمعلوم أن الولايات المتحدة تتعامل مع هذه الدول وأشباه الدول على طريقة المثل العربي القائل "أركب عبدك على الفرس، فإن هلك هلك وإن ملك فلك".

والمثير للدهشة وللشفقة هو اعتقاد تلك الدول وأشباه الدول بأن طواعيتها للأميركيين والصهاينة ترفعها إلى موقع الحلفاء، مع أن أكثر الناس سذاجة لا يشكون للحظة بأن ما يجري في سوريا ليس في النهاية حرباً على سوريا وحدها، بل هو حرب على المنطقة بأسرها. فهذه الحرب تهدف إلى إخضاع المنطقة لعملية تفتيت وتجزئة تتجاوز سايكس ـ بيكو لتفضي إلى تركيب مئات الكيانات الطائفية والإتنية والعشائرية القابلة للذوبان في إطار الكيان الإسرائيلي.

وقد بدأت بوادر مخططات التفتيت بالظهور من خلال حالة الاهتزاز التي تعيشها تحديداً تلك القوى الإقليمية المتورطة في الحرب على سوريا. فالخلافات داخل الأسرة السعودية بدأت بالظهور إلى العلن، وحالة التململ الشعبي لم تعد مقتصرة فيها على المناطق الشرقية، ناهيكم عن الشرر المتطاير إليها عبر الحدود مع اليمن. أما دولة الإمارات ومن ورائها بقية كيانات الخليج فقد دخلت في صراع مكشوف مع الإسلاميين القادمين على أجنحة ما يسمى بالربيع العربي.

أعداء سوريا أمام الباب المسدود

أما تركيا، فالواضح أنها لم تعد بعيدة عن حالة الاحتراق التي ذكرها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. إذ بالإضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي الداخلي، انتقلت تركيا وبسرعة قياسية من حالة تصفير المشاكل مع الجيران إلى حالة مراكمة المشاكل مع جميع الجيران. فعبثية الحلم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتفاقم المشكلة القبرصية، والتوتر في العلاقة مع أرمينيا والعراق، وفتور العلاقة مع إيران، والازدواجية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وبروز مشكلة ثالثة مع الأكراد في سوريا تضاف إلى المشكلة معهم في شمال العراق وفي الداخل التركي، كل ذلك يعيد تركيا إلى الوضع الذي كانت عليه يوم كانت تسمى بـ "الرجل المريض".

مع فارق مهم جداً: يومها حال تفجر الثورة البلشفية والتدخل الغربي الفاشل في الحرب الأهلية الروسية دون إجهاز الحلفاء على تركيا كدولة، وإن كانوا قد أجهزوا عليها كنظام حكم. أما اليوم، فإن رعونة السياسة التي يعتمدها حزب أردوغان كفيلة وحدها بتفكيك تركيا.

بعد توريط تركيا في الحرب على سوريا من خلال تحويلها إلى قاعدة إسناد للجماعات المسلحة، وبعد فشل هذه الاستراتيجية في النيل من سوريا، يسعى الحلف الأطلسي إلى المزيد من توريطها عبر دفعها إلى الدخول في صراع مفتوح مع سوريا. وبالطبع يدرك أردوغان ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة. لذا فهو يطالب بتدخل أطلسي تشارك فيه تركيا بوصفها أحد مكونات الحلف.

لكنه يصطدم بالباب المسدود. فالحلف الأطلسي ينطلق من قاعدة أن سوريا ليست كليبيا. ما يعني، أياً تكن التطورات، أن تركيا وغيرها من المتورطين الإقليميين في الحرب على سوريا قد ركبوا الفرس ولم يبق أمامهم غير الهلاك. لكن ذلك لا يعني أن المنهزمين في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة سيملكون. لأن في المنطقة والعالم قوى جديدة وشديدة التحفز.

2012-08-15