ارشيف من :آراء وتحليلات

انعكاسات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على البلقان

انعكاسات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على البلقان
صوفيا ـ جورج حداد*

بدأت مضاعفات الأزمة الاقتصادية الاوروبية تنعكس على بلدان البلقان ذات الاقتصادات الضعيفة، وألبانيا وبلغاريا هما الاكثر معاناة. وتمثل الازمة تحديا جديا للمهارات الخطابية للسياسيين. في كرواتيا اعترف وزير المالية سلافكو لينيتش، الذي استلم الوزارة منذ سبعة اشهر، بأن الوضع الاقتصادي لبلاده "سيئ جدا" وسيصبح "اكثر سوءا". فالناتج الداخلي القائم "ينهار باستمرار"، وفقط البطالة هي التي تزداد. "من اجل ان نستطيع فعلا ان نسوي مشاكلنا، يجب ان نقوم بانفاقات اكبر، ولكن ليس لدينا خيار سوى ان نتابع التقشف". واضاف "لاجل ان نقلب الاتجاه السائد، نحن نحتاج الى نمو يبلغ 5%". ولكن هذا الهدف يبدو غير واقعي بتاتا، فالناتج الداخلي القائم لكرواتيا قد انخفض من جديد 1،3% في الثلاثة الاشهر الاولى من السنة الجارية.

ان العودة الى مستويات ما قبل الأزمة تبدو غير قابلة للتحقيق. وكرواتيا ليست حالة استثنائية. فجميع دول البلقان تعاني كثيرا من الازمة الاوروبية. اذ ان هبوط المبيعات في الاتحاد الاوروبي يؤدي الى مضاعفات في الاقليم المتخلف بدون ذلك. فقطاع التصدير الضعيف في بلدان جنوب شرقي اوروبا يتأثر فورا بكل انهيار في الوضعية القائمة. وحسب المعطيات التي اذاعتها "Economist Intelligence Unit" فإن الازمة التي بدأت سنة 2008 في البلقان طالت اكثر ما يكون البانيا، البوسنه والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، مكدونيا، الجبل الاسود، رومانيا وصربيا. وبالرغم من شيء من التماسك الذي تحقق سنة 2011 فإن هذه البلدان لم تستطع الى الان العودة الى مستويات ما قبل الازمة. والمؤشرات المنخفضة للنمو وهبوط الانتاج الصناعي تنعكس على سوق العمل: ففي السنوات الاربع ـ من 2007 حتى 2011 ـ تزايدت البطالة في صربيا من 14 حتى 24 بالمائة. وفي مكدونيا بلغت النسبة 33 %، وفي كوسوفو 45%. وانخفضت المؤشرات كذلك في البلدان البلقانية الاعضاء في الاتحاد الاوروبي: في بلغاريا (11 بالمائة) وفي رومانيا (7،7 بالمائة). وقد حدثت المشكلات الكبرى للازمة في اليونان.

انعكاسات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على البلقان

وفي الواقع، فبدلا من اليونان، فإن الكثيرين هذه السنة فضلوا قضاء عطلتهم في كرواتيا والجبل الاسود. ولكن حتى الان لا تزال اليونان تمثل سوقا كبير الاهمية لشركات التصدير في البانيا، بلغاريا ومكدونيا. اما المؤسسات اليونانية فظهرت بوصفها مستثمرا مهما في المنطقة: اذ يقدر حجم توظيفات البنوك اليونانية في جنوب شرقي اوروبا بنسبة 20%.

وما حدث في اليونان له انعكاسات مباشرة في البانيا. هذا على الاقل ما يقوله رئيس غرفة التجارة في مدينة غيروكاسترو مصطفى ديفولي. فحتى وقت قريب كانت شركته التي تضم 60 شخصا، تخيط الملابس الرسمية للجيش اليوناني. وبنتيجة انقطاع الطلبيات بسبب الازمة فإن شركته توقفت عن العمل. ومن المؤشرات على مشكلات البانيا الفقيرة بدون ذلك: انخفاض الانتاج الصناعي في الثلاثة الاشهر الاولى من السنة بنسبة 16،9%.

لا يوجد اي بلد محصن ضد ميكروبات الازمة. وحتى بلد مثل سلوفينيا، التي تأثرت بشكل خاص بأزمة بنكية عميقة. وعقب الازدهار الكبير في تجارة العقارات بعد انضمام البلاد الى الاتحاد الاوروبي سنة 2004، فإن البنوك التي تشرف عليها الدولة اخذت تمنح القروض بكثير من الخفة. والان يتوجب على دافعي الضرائب ان يدفعوا الحساب بعد ان انفخت البالون المنفوخ في قطاع العقارات بسبب منح قروض تتجاوز قيمتها المليارات. وقد عمدت حكومة ليوبليانا حتى الان الى تقديم عدة حقن مالية لقطاع العقارات المصاب. ولكن الدولة ليست قادرة لوحدها على تسوية اوضاع البنوك المحلية. ومن المحتمل جدا ان سلوفينيا ستكون البلد التالي الذي سيحتاج الى مظلة انقاذية اوروبية مثل اليونان.

واليوم فإن 1 من كل 4 يونانيين رجلا او امرأة هو الان من دون عمل. واعلنت وكالات الانباء العالمية ان اليونان ستقوم بصرف 40 الفا من الموظفين الحكوميين من اصل 700000. وهذا ما كان ينبغي ان يحصل منذ سنة 2011، ولكن حينذاك تم صرف 6500 اغلبهم احيلوا الى التقاعد. والبرنامج الموضوع هو ان يحالوا الى "الاحتياط"، وان يتلقوا حينذاك 40% من مستحقاتهم، قبل ان يصرفوا نهائيا.

انعكاسات الأزمة الاقتصادية الأوروبية على البلقان

وحتى هذه اللحظة تجنبت اليونان اعلان الافلاس بفضل الدعم المالي العالمي. وبالمقابل على اليونان ان تطبق اجراءات تقشف شديدة. وتحاول الحكومة الائتلافية الحالية ان توفر 11،5 مليار يورو في الفترة بين 2013 ـ 2014.

وفي هذا الوقت فقد جرى صرف رئيس مجلس مديري الشركة الحكومية اليونانية "لاركو" اتناسيوس باراكوس، بسبب رفضه تخفيض اجور مستخدميه، عملا بقرارات التقشف في الميزانية.

وشركة "لاركو" هي من الشركات الاولى في العالم في انتاج السبائك المعدنية. وكان من المقرر ان يتم تخفيض الاجور في الشركة بمقدار الثلث. واعلنت وكالة الاحصاءات اليونانية ان نسبة البطالة في البلاد وصلت الى 23،1% لشهر ايار، مقابل 16،8% قبل سنة من ذلك، حسبما اذاعت الاسوشيتد برس. وبالاجمال بلغ عدد العاطلين من العمل في شهر ايار سنة 2012 1،15 مليون شخص، مقابل 1،1 مليون في شهر نيسان، اي بزيادة 22،6%. وهذا الرقم هو قياسي بالنسبة للبلاد التي تتخبط في ازمة مالية واقتصادية عميقة. والصعوبة الاكبر هي بالنسبة للشباب. فواحد من كل اثنين من الشباب بعمر يتراوح بين 15 و24 سنة لا يستطيع ان يبدأ العمل لانه لا يوجد اماكن عمل شاغرة. الصراع هو شديد، واحيانا يعمد ارباب العمل الى تخفيض الاجور بمقدار النصف لانهم هم الذين يُملون ارادتهم على سوق العمل الان.
*كاتب لبناني مستقل
2012-08-15