ارشيف من :آراء وتحليلات

معركة حلب ومستقبل الأزمة السورية

معركة حلب ومستقبل الأزمة السورية
الثابت في مسار الأزمة السورية حتى الآن ما يلي:
أولاً: ان اطراف الأزمة الدوليين والاقليميين والمحليين ملتزمون أهدافهم الخاصة: التحالف الغربي ـ الصهيوني ـ التركي ـ السعودي ـ القطري مصر على اسقاط النظام وعلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، لأنه لا سبيل لإحداث تغيير جذري في موقع ودور سوريا إلا هذا السبيل، وهو سبيل يراد منه كما بات معروفاً الاجهاز على محور المقاومة والممانعة كخط دفاع استراتيجي يحول دون تمكن هيمنة المشروع الاميركي ـ الصهيوني في المنطقة، ويحول دون الاجهاز نهائياً على القضية الفلسطينية.
فالمستهدف أولاً وأخيراً هو فلسطين والشعب الفلسطيني، هذا التحالف يراهن على أنه قطع شوطاً كبيراً على طريق تحقيق هذا الهدف، ولم يعد بالامكان عكس عقارب الزمن الى الوراء:
أ ـ عزل النظام السوري خارجياً وبدءاً من العالم العربي ومروراً بالعالم الاسلامي وانتهاء بالإطار الدولي، ما خلا خروقات هنا وهناك تبقى لهذا النظام قنوات تنفس خارجية، ومرتكزات شرعية خارجية.
ب ـ  تشويه صورة النظام الى حد تمريغها بالوحل، وجعل كل من يقترب منها بأي نحو من الاقتراب مدان حتى في انسانيته.
ج ـ ضغوط  اقتصادية غير مسبوقة لإفقاد النظام كل مقدرات الصمود والبقاء، ولخلق البيئة الملائمة لنشر الفوضى الداخلية، وحض الناس للانفكاك عنه.
د ـ صرف موازنات هائلة تبلغ المليارات من الدولارات لشراء ذمم البعض، وتشجيعهم على الانفضاض من حول النظام تحت يافطة الانشقاق بكل دلالاتها السياسية والمعنوية.
 ، ضغوط اقتصادية غير مسبوقة لإفقاد النظام كل مقدرات الصمود والبقاء،
هـ ـ دفع الصراع الى حدود الانقسامات المذهبية والاتنية والأقلوية، بما يهدد وحدة الدولة والمجتمع، ويفتح الطريق واسعاً نحو مرحلة خطيرة لحروب أهلية لا تبقي ولا تذر.
و ـ القيام بحملة تجنيد تذكرنا بحملة التجنيد ضد السوفيات إبان احتلالهم لافغانستان، حيث جرى استقدام المقاتلين وبتحضيرات متنوعة لا سيما الاسلامية منها من كل بلدان العالم للمشاركة في رقصة الدم وغزل نسيجها في سوريا باسم الشعب السوري، بينما هي على حسابه بالمطلق، وكل ذلك في سياق لعبة استنزاف النظام ومقدراته العسكرية والأمنية التي كانت مرصودة أصلاً للصراع مع العدو الاسرائيلي، وصولاً الى اسقاط هذا النظام.
ان خطة متكاملة وعلى هذا المستوى من التحضير وبذل الجهد والتكلفة، وعلى هذا المستوى من الأهداف لا يتوقع من أصحابه أن يتراجعوا بسهولة.
التحالف الدولي ـ الاقليمي ـ المحلي المقابل حرص منذ اللحظة الأولى على ايجاد حل يوفق بين المطالب الاصلاحية والحفاظ  على موقع سوريا ودورها، وهو نجح الى حد بعيد في توفير التوازن  النسبي للنظام في حربه الكونية التي يخوضها للحفاظ على هذا الموقع والدور.
نقول هذا، للتأكيد بأن المعيار الصحيح للحكم على النقطة التي بلغتها الأزمة السورية، لا يكون من خلال قياس الوضع الحالي على ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة، وإنما يقابل بمعيار نجاح النظام والتحالف المؤيد له في منع التحالف الآخر من تحقيق أهدافه، أم لا، وفق هذا القياس يمكننا القول بارتياح نعم ـ حتى الآن ـ نجح هذا التحالف في منع التحالف الغربي ـ الصهيوني .. الخ من تحقيق أهدافه، وهذا التحالف يخوض اليوم في حلب أهم وأخطر معاركه التي في ضوئها سيتقرر ما اذا كان سيتمكن من استعادة المبادرة، وبالتالي الاعتبار الى امكان تحقيق أهدافه مجدداً، أم أنه ستكتب له الهزيمة، ويضطر ـ بالتالي ـ لاحقاً الى احد الخطوات:
أ ـ التدخل من خارج مجلس الأمن مع ما سيعنيه ذلك من تدحرج للصراع الى ابعاد دولية واقليمية لن يعرف أحد مداها.
ب ـ القبول بتسوية سياسية متوازنة توفق بين قبول الاصلاحات التي تطال موقع ودور سوريا في المنطقة.
ج ـ الاصرار على المضي في  الصراع ولو بأشكال مختلفة، وتعليق النتائج على عامل الوقت.
  ، واشنطن تدرك أن أي مغامرة من قبلها أو من قبل حلفائها ستؤدي الى اندلاع مواجهة دولية ـ اقليمية لا أحد يعرف مداها ،
بناء عليه، فإن معركة حلب تبدو حاسمة لكل الأطراف: النظام مطلوب منه حسمها وبأقصى سرعة حتى لا تتحول الى حرب استنزاف طويلة له، بينما المجموعات المسلحة ستعمل بكل ما أوتيت من قوة ودعم على تثبيت نفسها في تلك المنطقة بما يفتح الطريق لاحقاً للمطالبة بإقامة منطقة حظر جوي، وإلا الصمود أطول فترة ممكنة لفرض حرب استنزاف قاسية على النظام.
واذا كانت واشنطن على لسان وزير دفاعها ترى أن اقامة منطقة حظر جوي تحتاج الى قرار كبير غير متوفر حتى الآن، فهذا لا يعني أنها لا تضع الخطوط، أو أنها لم تضع الخطط اللازمة له، بل أن كل التحضيرات العسكرية التي تجري حول سوريا بدءاً من الكيان الاسرائيلي ومروراً بالأردن ولبنان (حلفاء اميركا) وانتهاء بتركيا، يقول بفم الملآن ان واشنطن تعد العدو لأمرين أساسيين: الأول، امكان فرض منطقة حظر جوي، والثاني، امكان التدخل المباشر من قبلها أو من قبل حلفائها أو كليهما معاً سواء للتعجيل ـ كما يقولون ـ في اسقاط النظام، أم لتوفير الجهوزية اللازمة للتعامل مع  مرحلة ما بعد سقوط النظام.
إلا أن كلام بانيتا لا يخلو من دقة أيضاً عندما يقول بأن هذا الأمر يحتاج الى قرار كبير غير متوفر حتى الآن، ذلك  أن واشنطن تدرك أن أي مغامرة من قبلها أو من قبل حلفائها ستؤدي الى اندلاع مواجهة دولية ـ اقليمية لا أحد يعرف مداها، وهي مواجهة لا يستطيع أحد لا سيما الغرب تحمل كلفتها العامة والاقتصادية خاصة.
في هذا السياق، تبدو الأشهر التي تفصلنا عن الانتخابات الاميركية هي التي ستقرر مسار الأمور فيما بعد، وذلك بالاستناد الى ما ستستقر عليه المعادلة الميدانية، الأمر الذي يعني بدوره أن حمى المواجهات ستشتد، وأن كل طرف سيسقط الكثير من الخطوط الحمراء لضمان فوزه، وان كانت المؤشرات حتى الآن تقول أن النظام ما زال يملك الكلمة الأقوى في هذه المواجهات، ويحتاج الى أن يحولها الى الكلمة الحاسمة في اسرع وقت ممكن.
2012-08-18