ارشيف من :آراء وتحليلات

حتى لو اســــــــتقال الأســــد.. المطلـوب رأس ســـوريا !... وما بعدها!!.

حتى لو اســــــــتقال الأســــد.. المطلـوب رأس ســـوريا !... وما بعدها!!.
لا أقول إن زوجتي لا تجيد الطهو، ولكنها تعتمد على جرس إنذار الحريق كمؤقت للفرن!!.
بوب مونكهاوس: ممثل كوميدي إنجليزي


تبدو أمريكا ـ وبالتواتر إسرائيل ـ الرابح الأكبر مما يحدث في سوريا، إذ ليس المطلوب أكثر من استنزاف الحلقة السورية في هذا الصراع الممتد من وسط آسيا إلى شرق المتوسط. لا ترغب الولايات المتحدة، أن تتدخل مباشرةً في هذه الحلقة على غرار ما فعلته في العراق. هي تطبق الآن ما تسميها بـ "الوسائل الذكية " أو "النظيفة"! تزجُّ بالآخرين نيابةً عنها في هذه الحرب حيث يتولى تكاليفها أصدقاؤها من عرب الخليج، يدفعونها من خزائنهم عن طيب خاطر وبسخاء بالغ!

وأما الأرواح فيقدمها السوريون من حياة أبنائهم ومستقبلهم، فضلاً عن بعض (المتطوعين) من تنظيمات القاعدة وأخواتها، وقد عادت الحاجة إليهم في الأجندة الأمريكية تحتل مكانا مهما في الحالة السورية. هذا الأمر ما كان ليتوافر لهم بالطبع لولا توافر أرضية حاضنة في الداخل السوري، وهذه الأرضية هي الأخرى ما كانت لتبلغ مداها اتساعا وعمقاً لولا سلسلة الأخطاء التي وقعت بها السلطة في سوريا في معالجة الأحداث عند بداياتها!!.. مسألة باتت من الماضي ولطالما تحدثنا عنها في حينه، فيما بات الحديث عنها الان ثرثرةً غير مجدية، بينما الهاجس الآن يختصره سؤال: سوريا إلى اي مصير؟!!..وكيف السبيل لإنقاذها من محنتها؟!!.

ليس هاجس الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن ان تربح المعارضة، إذ هي تعي بواقعيتها السياسية استحالة تحقيق نصر عسكري على الجيش السوري من قبل ميليشيات مسلحة. أما الممكن في هذه المرحلة فهو تعزيز قدرات الجماعات المسلحة في الداخل على الصمود والحركة، ولهذا سعت واشنطن وتسعى كي تزودها ببعض ما يمكنها استيعابه من أسلحة متطورة نسبياً، بغية تقليص الفارق في ميزان القوى بينها وبين الجيش السوري وتمكينها من استنزاف هذا الأخير بوتائر أعلى؛ هذا مع جرعات نفسية لرفع الروح المعنوية للمعارضة من خلال التطمينات عن "قرب سقوط النظام "!! ومحاولات لشد مفاصل ميليشياتها، ويندرج ضمنها الإيحاء بأن انشقاقاً من هنا، أو انشقاقاً من هناك "سيسرع بنهاية الأسد"، وهي انشقاقات، كما يعرف القريب والبعيد انشقاقات مدفوعة الأجر!!. والخلاصة ان امريكا لا تهرول لاستبدالٍ سريع للفريق السياسي الحاكم في سوريا بآخر. بل المهم عندها في هذه المرحلة أن تستمر الفوضى تنخر المجتمع والدولة السورية وصولاً لجغرافيتها؛ وبعدها سيصبح في الجيب الأمريكي ،بل والإسرائيلي أي طاقم سياسي سوري ـ أو بالأحرى أطقم سياسية! ـ تأتي إلى موقع السلطة فوق اكوام الركام والدمار، وعلى أشلاء القتلى والشتات!! وتحت أثقال الخزينة الخاوية والاقتصاد المنهار!!!!..

لكن الأمر لابد وأنه على غير ما سبق بالنسبة لحلفاء سوريا، فذهاب الطاقم الحالي الحاكم سيضع مصالحهم الاستراتيجية في دائرة الخطر! كما وإن إطالة أمد الصراع يستنفد أرصدته؛ وانطلاقاً من هذا، فإن مسعى أمريكا انصب وينصب على زعزعة صورة الرئيس الأسد بالبروباغندا، وبالعزل الدولي، ودفع ما أمكن من فريق عمله للإنفضاض من حوله ـ بالإنشقاقات !

حتى لو اســــــــتقال الأســــد.. المطلـوب رأس ســـوريا !... وما بعدها!!.

يأتي هذا كله في إطار قطع الطريق على أية امكانية يكون الأسد فيها جزءًا من تسويةٍ ما، هذا لو اقتضت الحاجة بالأساس البحث عن تسوية! باعتبارها (أبغض الحلال!) عند الأمريكيين، وحيث جذر موقفهم يتركز في إيجاد المناخات المؤدية لتحويل سوريا إلى مجموعة كنتونات، إذ إن إطالة أمد الصراع تعزز تلقائياً نفوذ قوى الأمر الواقع في الأقاليم وتهيئ لها مصالح مرتبطة بأقاليمها/ مزارعها!! .ما سيؤل في آخر المطاف إلى تعزيز سلطة الأطراف على حساب المركز؛ أمـرٌ يشبه إلى حد كبير ما خبرناه في لبنان!!. وعليه فإن من أسباب حرص أمريكا على تزويد المليشيات المسلحة بأسلحة متقدمة نسبياً هو استنزاف الجيش السوري لجعل يده مغلولة مع الوقت بحيث يصعب عليه تغطية كل المناطق بفعالية، وهكذا وصولاً لحشر ما تبقى منه في بقعة جغرافية محدودة نسبياً. وعند هذا المستوى ـ الذي تمتلك فيه أمريكا أكثر الأوراق ـ (قد!) تفكر بدعوة روسيا إلى الطاولة لنيل جائزة ترضية من الوليمـة!!!.
هل هذا هو ما تريده روسيا؟؟ !!.قطعاً لا؛ فخبراؤها الاستراتيجيون يدركون جيداً، أن الدفاع عن وسط آسيا "بطن روسيا الرخو" ومقتلها يبدأ من شرق المتوسط... ويدركون ان تفكيك الحلقة السورية سيفضي إلى تفتيت الصخرة التي تقف في وجه المد الأمريكي الزاحف إلى قلب آسيا، أي محور: طهران ـ دمشق ـ المقاومة، لتصبح امكانية سقوط الوسط من آسيا بيد الأمريكيين مسألة أقل صعوبة وربما مسألة وقت لا أكثر!! وعندها سيستكمل الأمريكيون تطويق روسيا، والصين، فضلاً عن وضع اليد على خطوط الغاز بل ومجمل الثروات النفطية والمعدنية لتلك الدول، واستطراداً يمكننا من هنا إدراك الغاية من زرع وتد (جحا) الأفغاني في وقت مبكر كرأس جسر للعبور إلى الهدف الأكبر.

لهذه الاعتبارات الموضوعية، لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن سوريا بإرادتها، أو بصفقة ما. الأمريكيون وضمن مناخات وشروط الصراع الدائر الآن في سوريا يريدون أن يقولوا لروسيا إن النظام السوري، حليفك بات حصاناً خاسراً، وذلك بغية استدراجها لبازار يكون في مصلحتهم!!.
ولتثبيت شروط هذا الاشتباك الدائر في سوريا ـ وهو على المدى المتوسط والبعيد لمصلحة أمريكا ـ ومن أبرزها دور القوى الإقليمية فيه، ومجال حركة كل منها، توعز واشنطن لتل أبيب بالتصعيد في وجه حلفاء سوريا، تارةً بالتهديد بضرب إيران، وتارة بالتوعد بضرب المقاومة في لبنان! وهو ما رد عليه سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة، معطلا هذه الورقة، ومذكراً بأن لا شيء ثابتا في هذا الصراع، ومنه الامكانية و الإرادة، وقبلهما أو من بعدهما القرار السياسي بخوض حرب قاسية لمرة واحدة وأخيرة يتقرر فيها مستقبل "اسرائيل".

حتى لو اســــــــتقال الأســــد.. المطلـوب رأس ســـوريا !... وما بعدها!!.

لكن هذا التثقيل في ميزان الصراع من جانب المقاومة لا يستكمل الاجراءات التي يستوجبها كسر قواعد الاشتباك الحالية ما لم تنتقل روسيا من دور الدفاع السلبي إلى دور الدفاع الإيجابي. وإذا وضعنا هذا أمامنا، سنجد بأن الهجوم على سوريا هو تظهير لمعركة أكبر تتعداها، وهذا التكثيف أي حصرها في إطار سوريا يُحَمِّل الأخيرة استنزافاً تدفعه مع كل شروق شمس وغروبها، بقدر ما يحمِّل مع كل يوم لأمريكا وربيبتها "اسرائيل" المزيد من الأرباح. لا شيء يوقف الحرب على سوريا وكسر قواعد اللعبة إلا عمل يخلط الأوراق. وليس بهذه الخفة في البحث عن حلول أو التلميح بمخارج كما صرح بها قدري جميل من موسكو. فالمراقب المدقق يعرف بأن الرئيس الأسد لو بادر من تلقاء نفسه لوضع استقالته على الطاولة، سيأتي الإيعاز الأمريكي للمعارضة بإفشال مبادرته بمطالب تعجيزية بدأنا نسمع بعضها فور إذاعة كلام السيد جميل!!. المطلوب كما سبق وقلنا نحر النظام من خلال نحر سوريا، وبالتالي فإن أي مبادرة تنطوي على تنازل ما ـ الآن على الأقل ـ هي موقف مجاني من خارج بازار لم يحن موعده بعد!!!. ويفترض أن لا يكون مطلوباً إلا بعد إعادة ترتيب الأحجار. سوريا سعت على قدر ما تستطيع إلى المبادرة باطلاقها يد حزب العمال الكردي وتسليحه، لكن تأثير هذا سيبقى محدوداً وقابلاً للاستيعاب من تركيا؛ وحدها روسيا القادرة على التوسع. فهناك ما يستحق وما هو ثمين من أمنها القومي ما يجعل من الخندق السوري خط الدفاع الأخير عنها، أي الذي يعادل سقوطه هزيمة حقيقية لروسيا وتهديداً لمستقبلها على المدى البعيد. على العكس من ذلك أمريكا، فهي مستعدة لتحمل الخسارة في هذه الجولة الهجومية، بانتظار جولات أخرى !! إذ إنها ليست في الحلقة السورية على صفيح ساخن فهي تستهدفها مداورةً، بغير أبنائها، ومن خارج خزانتها.!!!. فيما الثنائي الأهم في استراتيجيتها لم يمسسه الخطر: "إسرائيل" وآبار النفط!!!.
إن الدفاع عن سوريا يحتاج إلى مقاربات أخرى، شيء يذكرنا الآن باندربوف آخر الأقوياء من قادة "الاتحاد السوفياتي". الذي قلب الطاولة في وجه ريغن مجبرا إياه على إعادة حساباته الشرق اوسطية إثر غزو "إسرائيل" للبنان، يومها كان الهدف هو سوريا أيضاً، مع أن هامش الأمان في ذلك الحين كان أوسع حيث الدفاع عن موسكو يبدأ من المجر غرباً، ومن باب المندب ـ اليمن الجنوبي ـ حنوباً.. فماذا عن الآن؟؟!!!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                                                              
لؤي توفيق حسن(كاتب من لبنان)

2012-08-23