ارشيف من :آراء وتحليلات
مصر الثورة ... هل تعود مجدداً تحت رحمة البنك الدولي!
في ظل ما تعيشه منطقة الشرق الأوسط في هذه الفترة من ترقب لما يجري في سوريا من أحداث، وترقب لحرب يمكن ان تُشعلها "إسرائيل" من خلال اي اعتداء على إيران ورد الأخيرة على التهديدات بوعد "إسرائيل" بردّ مدمّر، نرى إزاء ذلك ان هناك تحركا آخر لا يقل أهمية من التحضيرات للحرب العسكرية المحتملة، وهو اختيار بعض الدول التي تخاف الولايات المتحدة و"إسرائيل" من إصطفافها مع إيران في حال الإعتداء على الأخيرة ونشوء حرب مستعرة كما يصفها البعض لوضع تلك الدول المختارة قيد الإنضباط.
الدولة التي تخشى الولايات المتحدة و"إسرائيل" من اصطفافها مع إيران هي مصر، مصر التي حققت صحوتها وأسقطت حسني مبارك "اللعبة الأميركية ـ الإسرائيلية". هنا يرى ما يسمى المجتمع الدولي انه لا بد من إعادة تلك الدولة إلى ما كانت عليه كي لا تظهر العملية وكأنها إرغام بالسياسة واضحة المعالم، بل لا بد ان تأتي طواعية وبالتدريج وبالإرغام المقنّع، وخاصة بعد النجاح السابق الذي تحقق في دول عدة تم تفقيرها والسيطرة السياسية عليها من خلال قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكي تعود مصر إلى ما كانت عليه من تبعية مقنّعة لا بد من ان تعود مرتهنة للبنك الدولي الذي تم تأسيسه بالأصل من أجل رهن إرادة الدول.
لم يكن من المتوقع أن تسمح مصر الثورة والصحوة بأن تعود مجددا إلى حضن البنك الدولي، وخاصة أن رئيسها مرسي ورئيس وزرائها من المتخصصين والعارفين بالشأن الإقتصادي وبلعبة البنك الدولي نتيجة التجارب السابقة مع مصر ومع غيرها من البلدان التي ساهم البنك الدولي بزيادة الفقر فيها وبزيادة أعداد العاطلين عن العمل والتسبب بانهيار إقتصاد البلد المدين للبنك الدولي من أجل فسح المجال أمام فرض الإملاءات السياسية والعسكرية والإنمائية على حد سواء، لدرجة بيع البلد كليا إلى شركات خاصة وانتقال السلطة والحكم الى يد تلك الشركات من خلال مفهوم الخصخصة الذي يفرضه البنك الدولي على الدول على شكل هيكليات يفرضها للإصلاح كما يدعي، وبذلك تضع الشركات العملاقة العابرة للمحيطات يدها على العالم كله من خلال المديونية التي ترزخ تحتها الدول المدينة. لعبة البنك الدولي لم تعد خافية على أحد، وقد شرح وكتب الكثير من المفكرين والمحللين عن اهدافهما، وقد وافق هذا الشرح وهذا التحليل الكثير من التجارب التي شهدها العالم نتيجة الإرتهان لهما.
يراهن العقل المخطط لما وراء البنك الدولي على عدم قراءة العرب وبعض المسلمين للتاريخ جيدا لاستخلاص العبر، لذلك نراه يكرر المحاولة مجددا مع مصر التي عانت الأمرّين من جراء المديونية ووصل الأمر إلى أن ثار الشعب المصري ضد التجويع والبطالة والظلم الذي مارسه حسني مبارك بحق الشعب المصري نتيجة ارتهانه للبنك الدولي. يراهن العقل الغربي المخطط كما يصفه زياد الحافظ نقلا عن المؤرخ البريطاني برنار لويس على العقل العربي الذي ألف الهزائم على يد الغربيين ما جعل العديد من العرب والمسلمين ينصاعون إلى الغرب وما يقدمه لهم من نماذج، ومنها الرفاهية التي يعد بها البنك الدولي من خلال مشاريع يقدمها الى الدول المدينة يُظهرها على انها الجنة على الارض، ثم بعد ذلك تكون الصدمة بالنتيجة وهي أن الرفاهية تكون من نصيب بعض النخب في المجتمع على حساب الطبقة الفقيرة التي تزداد فقرا بعد أن تصرف الدولة المدينة القروض في مشاريع اعمار لمؤسسات أجنبية وجسور وتغيير معالم البلد التاريخية الى معالم حديثة تشبه الغرب في كافة التفاصيل، وفتح الأسواق على المنتجات والنماذج الغربية واستبدال الأكل البلدي التقليدي بالهامبرغر والهوت دوغ، واللباس الوطني بالجينز وما تصممه دور الأزياء الغربية. فيكون التغيير الإجتماعي مصاحبا للهيمنة الإقتصادية وتكون الهيمنة الإقتصادية مرفقة بالمنظومة الفكرية الغربية في السلوك والقيم المتبعة في الغرب. وفي الوقت عينة تمنع البلدان المدينة من القيام بأي مشروع تنموي يخدم الشعب سواسية. ومن يريد التنمية فعلا عليه ان يقاوم إقتصاديا كما تفعل ايران كما يقول الإمام الخامنئي الذي يؤكد على أن الإقتصاد المقاوم هو السبيل الوحيد لاستمرار حركة تطور البلاد.
وبما أن الغرب هو المخطط والقارئ الجيد للتاريخ نراه يستحضر ما كتبه علماؤنا ومفكرونا ليأخذ منهم العبرة والدروس، كما استحضر الخبير الاقتصادي زياد الحافظ كلاما جاء في وصف لابن خلدون للمغلوب بالقول: "إن المغلوب مولوع بالغالب في مأكله وملبسه ومشربه، أي في انماط عيشه ولباسه وليس في اسباب قوته ونهضته، وذلك لخلود المغلوب للدعة والراحة". وهنا نفسر الرفاهية التي يقدمها البنك الدولي كإغراء للدول المدينة على أنها الدعة والراحة، فلا يعود هناك اي مكان للعمل والجد من اجل التنمية الحقيقية التي تحتاج إلى عمل دائم وليس عمل مؤقت.
هل تحتاج مصر حقا إلى قرض جديد بقيمة 4.8 مليارات دولار من البنك الدولي؟ ولماذا؟ يأتي هذا التساؤل بعد أن رفض حزب الحرية والعدالة (التابع للإخوان المسلمين) هذا الأمر سابقا، ثم عاد وقبله الرئيس مرسي المحسوب على الإخوان المسلمين، مع العلم ان هناك اصواتا كثيرة من الإقتصاديين ينصحون مرسي بالتخلي عن هذا الطلب، وان مصر يمكن لها الإستغناء عنه من خلال المصادر المحلية الكثيرة والمتنوعة التي تنعم بها مصر، وان القرض سوف يؤدي الى زيادة أعباء الديون الخارجية. وبذلك يقول الخبير الاقتصادي المصري د. عبد النبي عبد المطلب ان المفاوضات بين مصر وصندوق النقد حاليا تختلف عن الماضي، موضحا ان مصر اضطرت للجوء الى الصندوق في السابق ليس بغرض الاقتراض وانما بغرض الحصول على شهادة صلاحية تضمن لمصر الحصول على قروض تنموية من البنك الدولي، وقد تشدد الصندوق الى اقصى درجات التشدد مع الادارات الاقتصادية المتعاقبة وفرض الكثير من السياسات الاقتصادية العنيفة مثل الخصخصة وتعويم سعر الصرف، ورفع اسعار السلع الاساسية، والمطالبة بالغاء الدعم وغيرها من السياسات المعروفة. كما وتقول الخبيرة الإقتصادية ورئيسة مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية سلوى حزين حول عدم صلاحية مصر لأخد قرض من البنك الدولي إن مصر ليس لديها رؤية واضحة حول حجم التمويل الإجمالي لاقتصادها ولا تعلم الاحتياجات في كافة القطاعات، ولفتت حزين الى ان الإنفلات الأمني وقدرة الدولة على ضبط الشارع هو اساسي للموافقة على دراسة طلب القرض.
يعارض شباب الثورة فكرة القرض خوفا من رهن مصر الى البنك الدولي مجددا كما كان الحال ايام حكم حسني مبارك، كما يقول الناشط المصري في ثورة 25 يناير محمد عبد السلام في اتصال هاتفي مع الانتقاد، ويتخوف من ان مصر لن تكون قادرة على سداد القرض لأن السياحة ستزداد سوءا كلما تم التضييق على الحريات الشخصية كما يحصل الآن، ويتساءل: "لماذا اثرياء العرب لم يمنحوا مصر معونة وليس قرضا في هذه الظروف"، ويتوجه عبرنا بالسؤال لحكومة هشام قنديل مشككا في منفعة مصر من القرض بالقول: "هل القرض سيكون للإنتاج والتنمية فعلا وفتح فرص عمل للشباب؟ أم انه استهلاك وتخدير للشعب؟" يتابع بالقول: "اعتقد ان القرض هو لعبة يلعبها الحكام الفاشلون المتعاقبون على مصر الذين لا يعرفون او انهم لا يريدون ان يعرفوا كيف يستفيدون من الخيرات والامكانيات الموجودة في مصر، وتحويلها الى بلد نام منتج بدلا من ان تكون بلدا مستهلكا فقط وبالتالي مرتهنا للغرب".
نزيهة صالح
الدولة التي تخشى الولايات المتحدة و"إسرائيل" من اصطفافها مع إيران هي مصر، مصر التي حققت صحوتها وأسقطت حسني مبارك "اللعبة الأميركية ـ الإسرائيلية". هنا يرى ما يسمى المجتمع الدولي انه لا بد من إعادة تلك الدولة إلى ما كانت عليه كي لا تظهر العملية وكأنها إرغام بالسياسة واضحة المعالم، بل لا بد ان تأتي طواعية وبالتدريج وبالإرغام المقنّع، وخاصة بعد النجاح السابق الذي تحقق في دول عدة تم تفقيرها والسيطرة السياسية عليها من خلال قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكي تعود مصر إلى ما كانت عليه من تبعية مقنّعة لا بد من ان تعود مرتهنة للبنك الدولي الذي تم تأسيسه بالأصل من أجل رهن إرادة الدول.
لم يكن من المتوقع أن تسمح مصر الثورة والصحوة بأن تعود مجددا إلى حضن البنك الدولي، وخاصة أن رئيسها مرسي ورئيس وزرائها من المتخصصين والعارفين بالشأن الإقتصادي وبلعبة البنك الدولي نتيجة التجارب السابقة مع مصر ومع غيرها من البلدان التي ساهم البنك الدولي بزيادة الفقر فيها وبزيادة أعداد العاطلين عن العمل والتسبب بانهيار إقتصاد البلد المدين للبنك الدولي من أجل فسح المجال أمام فرض الإملاءات السياسية والعسكرية والإنمائية على حد سواء، لدرجة بيع البلد كليا إلى شركات خاصة وانتقال السلطة والحكم الى يد تلك الشركات من خلال مفهوم الخصخصة الذي يفرضه البنك الدولي على الدول على شكل هيكليات يفرضها للإصلاح كما يدعي، وبذلك تضع الشركات العملاقة العابرة للمحيطات يدها على العالم كله من خلال المديونية التي ترزخ تحتها الدول المدينة. لعبة البنك الدولي لم تعد خافية على أحد، وقد شرح وكتب الكثير من المفكرين والمحللين عن اهدافهما، وقد وافق هذا الشرح وهذا التحليل الكثير من التجارب التي شهدها العالم نتيجة الإرتهان لهما.
يراهن العقل المخطط لما وراء البنك الدولي على عدم قراءة العرب وبعض المسلمين للتاريخ جيدا لاستخلاص العبر، لذلك نراه يكرر المحاولة مجددا مع مصر التي عانت الأمرّين من جراء المديونية ووصل الأمر إلى أن ثار الشعب المصري ضد التجويع والبطالة والظلم الذي مارسه حسني مبارك بحق الشعب المصري نتيجة ارتهانه للبنك الدولي. يراهن العقل الغربي المخطط كما يصفه زياد الحافظ نقلا عن المؤرخ البريطاني برنار لويس على العقل العربي الذي ألف الهزائم على يد الغربيين ما جعل العديد من العرب والمسلمين ينصاعون إلى الغرب وما يقدمه لهم من نماذج، ومنها الرفاهية التي يعد بها البنك الدولي من خلال مشاريع يقدمها الى الدول المدينة يُظهرها على انها الجنة على الارض، ثم بعد ذلك تكون الصدمة بالنتيجة وهي أن الرفاهية تكون من نصيب بعض النخب في المجتمع على حساب الطبقة الفقيرة التي تزداد فقرا بعد أن تصرف الدولة المدينة القروض في مشاريع اعمار لمؤسسات أجنبية وجسور وتغيير معالم البلد التاريخية الى معالم حديثة تشبه الغرب في كافة التفاصيل، وفتح الأسواق على المنتجات والنماذج الغربية واستبدال الأكل البلدي التقليدي بالهامبرغر والهوت دوغ، واللباس الوطني بالجينز وما تصممه دور الأزياء الغربية. فيكون التغيير الإجتماعي مصاحبا للهيمنة الإقتصادية وتكون الهيمنة الإقتصادية مرفقة بالمنظومة الفكرية الغربية في السلوك والقيم المتبعة في الغرب. وفي الوقت عينة تمنع البلدان المدينة من القيام بأي مشروع تنموي يخدم الشعب سواسية. ومن يريد التنمية فعلا عليه ان يقاوم إقتصاديا كما تفعل ايران كما يقول الإمام الخامنئي الذي يؤكد على أن الإقتصاد المقاوم هو السبيل الوحيد لاستمرار حركة تطور البلاد.
وبما أن الغرب هو المخطط والقارئ الجيد للتاريخ نراه يستحضر ما كتبه علماؤنا ومفكرونا ليأخذ منهم العبرة والدروس، كما استحضر الخبير الاقتصادي زياد الحافظ كلاما جاء في وصف لابن خلدون للمغلوب بالقول: "إن المغلوب مولوع بالغالب في مأكله وملبسه ومشربه، أي في انماط عيشه ولباسه وليس في اسباب قوته ونهضته، وذلك لخلود المغلوب للدعة والراحة". وهنا نفسر الرفاهية التي يقدمها البنك الدولي كإغراء للدول المدينة على أنها الدعة والراحة، فلا يعود هناك اي مكان للعمل والجد من اجل التنمية الحقيقية التي تحتاج إلى عمل دائم وليس عمل مؤقت.
هل تحتاج مصر حقا إلى قرض جديد بقيمة 4.8 مليارات دولار من البنك الدولي؟ ولماذا؟ يأتي هذا التساؤل بعد أن رفض حزب الحرية والعدالة (التابع للإخوان المسلمين) هذا الأمر سابقا، ثم عاد وقبله الرئيس مرسي المحسوب على الإخوان المسلمين، مع العلم ان هناك اصواتا كثيرة من الإقتصاديين ينصحون مرسي بالتخلي عن هذا الطلب، وان مصر يمكن لها الإستغناء عنه من خلال المصادر المحلية الكثيرة والمتنوعة التي تنعم بها مصر، وان القرض سوف يؤدي الى زيادة أعباء الديون الخارجية. وبذلك يقول الخبير الاقتصادي المصري د. عبد النبي عبد المطلب ان المفاوضات بين مصر وصندوق النقد حاليا تختلف عن الماضي، موضحا ان مصر اضطرت للجوء الى الصندوق في السابق ليس بغرض الاقتراض وانما بغرض الحصول على شهادة صلاحية تضمن لمصر الحصول على قروض تنموية من البنك الدولي، وقد تشدد الصندوق الى اقصى درجات التشدد مع الادارات الاقتصادية المتعاقبة وفرض الكثير من السياسات الاقتصادية العنيفة مثل الخصخصة وتعويم سعر الصرف، ورفع اسعار السلع الاساسية، والمطالبة بالغاء الدعم وغيرها من السياسات المعروفة. كما وتقول الخبيرة الإقتصادية ورئيسة مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية سلوى حزين حول عدم صلاحية مصر لأخد قرض من البنك الدولي إن مصر ليس لديها رؤية واضحة حول حجم التمويل الإجمالي لاقتصادها ولا تعلم الاحتياجات في كافة القطاعات، ولفتت حزين الى ان الإنفلات الأمني وقدرة الدولة على ضبط الشارع هو اساسي للموافقة على دراسة طلب القرض.
يعارض شباب الثورة فكرة القرض خوفا من رهن مصر الى البنك الدولي مجددا كما كان الحال ايام حكم حسني مبارك، كما يقول الناشط المصري في ثورة 25 يناير محمد عبد السلام في اتصال هاتفي مع الانتقاد، ويتخوف من ان مصر لن تكون قادرة على سداد القرض لأن السياحة ستزداد سوءا كلما تم التضييق على الحريات الشخصية كما يحصل الآن، ويتساءل: "لماذا اثرياء العرب لم يمنحوا مصر معونة وليس قرضا في هذه الظروف"، ويتوجه عبرنا بالسؤال لحكومة هشام قنديل مشككا في منفعة مصر من القرض بالقول: "هل القرض سيكون للإنتاج والتنمية فعلا وفتح فرص عمل للشباب؟ أم انه استهلاك وتخدير للشعب؟" يتابع بالقول: "اعتقد ان القرض هو لعبة يلعبها الحكام الفاشلون المتعاقبون على مصر الذين لا يعرفون او انهم لا يريدون ان يعرفوا كيف يستفيدون من الخيرات والامكانيات الموجودة في مصر، وتحويلها الى بلد نام منتج بدلا من ان تكون بلدا مستهلكا فقط وبالتالي مرتهنا للغرب".
نزيهة صالح