ارشيف من :آراء وتحليلات

"جيوش حرة" بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!

"جيوش حرة" بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!
بغداد ـ عادل الجبوري

تشير مسارات الوقائع والأحداث في الساحة العراقية الى جديّة وخطورة التوجهات والأجندات الساعية لاعادة تحريك عجلة الفتة الطائفية في البلاد، وهذه المرة عبر البوابة السوريّة، وإن لم يكن عبرها، فمن خلال الإستفادة من تفاعلات المشهد السوري.

وحتى المفردات والأطر والعناوين، راحت تنتقل من هناك الى هنا، بحيث لم يعد من الصعب بمكان الإحاطة بأبعاد المخططات الخارجية التي يراد من ورائها خلط الأوراق في أكثر من مكان، ومن ثم رسم وصياغة معادلات جديدة عناوينها ـ كما قلنا في اوقات سابقة ـ طائفية مذهبية.

"الجيش العراقي الحر" أحد ابرز العناوين الجديدة، والذي بدا وكأنه رسالة الى العراقيين مفادها ان السيناريو المعد للإطاحة بنظام الحكم في سوريا سيُصدّر الى العراق، وطبيعي ان مصدر الرسالة هو العواصم الإقليمية التي راحت تلقي بكل ثقلها لرسم وصياغة المعادلات الجديدة.

وليس غريبا ان يصدر الاعلان عن تشكيل ما يسمى بـ"الجيش العراقي الحر" من على شاشة قناة "صفا" السعودية المعروفة بتطرفها ونزعتها المذهبية الحادة، وقد حصل ذلك قبل حوالي عشرة ايام. ولعل مضامين البيان التأسيسي تكشف بما لا يقبل اللبس والغموض طبيعة وحقيقة الاهداف المتوخاة منه.

"جيوش حرة" بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!

وقد جاء في البيان "اما بعد .. فإن بلدنا الحبيب يتعرض لاحتلال إيراني بغيض سياسي واقتصادي وامني وقد هيمن الصفويون على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية جهاراً ونهارا، الامر الذي يوجب على جميع اهل البلد بذل الوسع للدفاع عن الحرمات والاعراض والدين والوطن وبكل الوسائل!.

ولم يتوقف شر الايرانيين في العراق بل توسع الى دول الخليج وافريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها حتى اصبحت ايران خطراً كبيراً على عدة دول عن طريق اذرعها واتباعها في تلك الدول.

لذا فاننا نعلن عن تشكيل الجيش العراقي الحر تحقيقاً للاهداف الاتية:

•صد ودحر الاحتلال الايراني الصفوي الإجرامي.

•ليكون سندا وظهيراً لاخيه "الجيش السوري الحر" خاصة والشعب السوري عامة ليحل محل ما يسمى بالجيش العراقي الذي تشكل تحت رعاية واشراف قوات الحرس الثوري الايراني.

•ليكون عربيا لكل الأسود والابطال من ابناء شعبنا الأبي.

وبهذه المناسبة فاننا ندعو ابناء شعبنا جميعا للتكاتف والتعاون والتناصر للوقوف بوجه العدوان والاحتلال الصفوي سائلين الله تعالى النصر والتمكين".

اذاً الهدف من تأسيس جيش كهذا هو محاربة ايران، والمساعدة في اسقاط النظام السوري بالتحديد، ولا توجد اي اهداف اخرى. واذا كانت اطراف عربية واقليمية ودولية تدعم وتساند منذ عدة سنين جماعات ارهابية اعلاميا وسياسيا وعسكريا ودينيا ولوجستيا من اجل الحؤول دون نجاح التجربة السياسية الجديدة في العراق، وتحت واجهات معينة وبوسائل واساليب مختلفة، فإن تلك الاطراف باتت اليوم تتصرف وتتحرك بطريقة أكثر وضوحا وصراحة وجرأة وصلافة.

لا يمكن تصور تشكيل ميليشيات مسلحة لها أهداف تتجاوز حدود الجغرافية العراقية بمعزل عن إرادات ومخططات خارجية خطيرة، وان ضخ الأموال من خلف الحدود هو العنصر الاساس الذي يعوّل عليه لانجاح خطوة تشكيل " الجيش العراقي الحر"، والتي تتمثل بتجريد السلاح من ايدي الناس بصورة هادئة ما يجعل مسألة دفاعهم عن انفسهم ومناطقهم ورموزهم اذا تطلب الامر عسيرة ان لم تكن مستحيلة، وتتحدث التقارير من مدن عديدة في جنوب العراق عن ارتفاع سعر القطعة الواحدة من بندقية الكلاشينكوف من مائة وخمسين الف دينار عراقي الى اكثر من مليون دينار، في حين قفز سعر بندقية (B.K.C) من مليوني دينار الى عشرة ملايين دينار، ناهيك عن الارتفاع غير المسبوق في اسعار المسدسات والاعتدة والذخائر المختلفة!.

ولان المسألة خطيرة جدا، واهدافها وابعادها واضحة، لذلك اخذت صيحات التحذير من قبل الاوساط الدينية والسياسية تتعالى محذرة من إمرار تلك المخططات الخطيرة، فآية الله العظمى السيد كاظم الحائري، وكذلك آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي اصدرا فتاوى واضحة تحرم بيع السلاح، فضلا عن ذلك فإن مراجع دين آخرين وجهوا وكلاءهم ومعتمديهم الى القيام بحملات توعية وتثقيف على اوسع نطاق ممكن لشرح وتوضيح الأبعاد والنتائج الكارثية الوخيمة لبيع السلاح، ولا يختلف الامر كثيرا سواء تم تهريب السلاح الى الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا، او تمت الاستفادة منه من قبل ما يسمى بالجيش العراقي الحر في داخل العراق.

ولعل هناك سؤالا يطرح نفسه بقوة ألا وهو: من اين تأتي الاموال الطائلة التي يتم من خلالها شراء الأسلحة بأسعار خيالية تفوق كثيرا الاسعار المتعارف عليها؟. وللاجابة عن هذا التساؤل، ينبغي هنا التذكير بما كشفت عنه قبل حوالي شهر ونصف اوساط ومصادر مطلعة من انه بتولي الامير بندر بن سلطان بن عبد العزيز رئاسة جهاز المخابرات السعودي خلفا لعمه الامير مقرن، سيشرع بتنفيذ مخطط لاستئناف دعم الجماعات الارهابية في العراق، كجزء من مخطط واسع يمتد الى سوريا ولبنان وايران ومناطق اخرى الهدف منه ضرب واضعاف المكون الشيعي ـ سياسيا واجتماعيا.

وطبيعي ان مخططا من ذلك القبيل يتطلب تخصيصات مالية كبيرة، وتتحدث جهات متعددة خلف الكواليس عن عشرات الملايين من الدولارات خصصتها الرياض والدوحة لدعم مشاريع الفتنة المذهبية في عدة دول اسلامية، وهذا ما حصل بالفعل في مصر وتونس، وما هو قائم في تركيا، وما يراد له ان يحصل في سوريا وبعدها العراق.

"جيوش حرة" بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!

والمفارقة ان بعض التيارات الاسلامية، بعد ان كانت محاربة ومطاردة من قبل الانظمة الحاكمة والقوى الاقليمية والدولية المساندة والداعمة لها، نراها اليوم تحظى بقدر غير مسبوق من الدعم والتأييد من ذات القوى التي حاربتها في السابق!.

واللافت هنا ان سياسيين عراقيين حذروا قبل حوالي عام، وحينما تصاعدت حدة الصراع المسلح في سوريا، من ان ذلك الصراع سيصل الى أسوار العاصمة العراقية بغداد، وبالفعل فإن الكثير من الدلائل والمؤشرات تؤكد صحة تلك القراءة الاستشرافية المبكرة، ووصول الصراع من داخل حصون سوريا الى اسوار بغداد، يعني ان المخطط واحد والهدف واحد، والوسائل والاساليب واحدة، اي بعبارة اخرى هناك سلسلة من الاجراءات والخطوات التي تكمل بعضها البعض، وهي في حال افلحت ونجحت في سوريا فإنه سيكتب لها النجاح في العراق، وما جاء في بيان " الجيش السوري الحر" كان واضحا الى حد كبير فضلا عن كونه مدروسا بدقة وعناية.

ما ينبغي الاشارة اليه، هو انه لن يصار الى تكرار ذات السياقات التي تم اتباعها خلال الأعوام 2005 و2006 و2007 من قبل الجماعات الارهابية في العراق، لأنها وإن أثّرت بمقدار معين، الا انها لم توصل الى الهدف الاساسي والنهائي لها، لذلك فإن السياقات السابقة يمكن ان تكون مكملة ومتممة للسياقات والخطط الجديدة وفي اطار تحرك على مساحة اوسع وأشمل تتجاوز الحدود الجغرافية بين العراق وبعض جيرانه.

والتحرك على مساحة اوسع وأشمل يعني مزيدا من مشاهد سفك الدماء وإزهاق الارواح بواسطة السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وكواتم الصوت، وبنادق الكلاشنكوف التي يمكن ان يشتريها "الجيش العراقي الحر" من بعض العراقيين بأموال الرياض والدوحة لتقتل نفس الناس الذين باعوها بأثمان باهظة... وهذا هو الجزء الصغير الظاهر فوق سطح الماء من جبل الجليد الغاطس تحته!.

ومن المهم ان تستذكر ونستحضر تجربة "جيش لبنان الحر"، ونتأمل كذلك في تجربة "الجيش السوري الحر".. لنعرف الى اين يمكن ان تصل تجارب تشكيل الجيوش الحرة بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب!.
2012-08-29