ارشيف من :آراء وتحليلات

التيار الأزرق وأتباعه خطط متنوعة لهدف واحد

التيار الأزرق وأتباعه خطط متنوعة لهدف واحد
ثمة مسار سياسي يسلكه فريق الرابع عشر من آذار منذ تشكيل الحكومة الحالية يمكن إيجازه بالتالي:

أولاً: اعلان الحرب على حكومة الرئيس ميقاتي بهدف اسقاطها سريعاً. هذه الحرب ركزت على هدفين رئيسيين داخل الحكومة: الأول هو الرئيس ميقاتي نفسه حيث عمل تيار المستقبل على النيل من سنيته عموماً، ومن ثم النيل منه في عقر داره أي مدينة طرابلس، كما عمل على اتهامه بأنه يعمل على تنفيذ أجندة سورية في لبنان، وأن حكومته ليست إلا حكومة حزب الله، وذلك لدفعه الى الاستقالة، إلا أن الرئيس ميقاتي استطاع فك الطوق عنه من خلال حرصه على إثبات سنيته في كل خطواته مستفيداً من أخطاء خصومه، وان كان ثمن هذا الإثبات كبيراً حيث أدى الى الإبقاء على كل رموز هذا التيار وحلفائه في مفاصل الدولة واداراتها الأساسية، ما أبقى لهم الجانب العميق من الدولة، وأدى الى تبعثر كبير في انتاجية الحكومة، وهذا بحد ذاته مكسب لهذا الفريق. أما الهدف الثاني فتمثل بشن هجوم لا هوادة فيه على حزب الله من خلال اعتماد خطاب تحريضي مذهبي أخذ البلد من حدود الانقسام السياسي الى حدود يتداخل فيها السياسي بالمذهبي لانتاج حواجز مذهبية وعصبية في مواجهة الخطاب المقاوم، ولتحميل الحزب وزر كل فشل أو توتر في عمل الحكومة، وفي الوضع العام زوراً وبهتاناً.

ثمة حرب استنزاف سياسية واعلامية خاضها المستقبل وحلفاؤه استطاعت ان تحقق بعض الأهداف، الا أنها لم تفلح في انجاز الهدف الرئيسي المتمثل باسقاط الحكومة.

ثانياً: مع انطلاق الأزمة السورية وشن تيار المستقبل وأتباعه في فريق الرابع عشر من آذار مرحلة جديدة من الرهانات تمحورت حول تقدير مبالغ فيه بأن النظام السوري مسرع نحو السقوط، وبدأ هذا التيار وأتباعه يعدون الأيام والساعات لهذه اللحظة التي لم تأت.

الرهان هنا كان على ما يتوقع من تداعيات أبرزها التالي: اسقاط الحكومة، واضعاف حزب الله ليتم لاحقاً الاطباق عليه من خلال قلب الطاولة وتشكيل واقع حكومي ينفردون بتشكيله من جهة، وفتح الطريق الى انقلاب مماثل في واقع الأكثرية الحالية من خلال عودة النائب جنبلاط الى حلفائه الذين لم يغادرهم أصلاً إلا لغرض واحد يتمثل بحسابات مصالحه الطائفية، وحسابات زعامته، والأهم أن يشكل قوة تعطيل مع الخط الذي يجمعه مع رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي، لأي انجازات فعلية تصحح المسار الأعوج واللامتوازن لمرحلة حكم الحريري. عندما لم يتحقق هذا الرهان في الأوقات المضروبة له عمد التيار الأزرق وأتباعه الى لعب الورقة الأخطر والمتمثلة بزج لبنان مباشرة في الصراع الدائر في سوريا من خلال تهيئة المناخ والبيئة الملائمة في الشمال لتحويله الى منطقة ملاذ آمن للجماعات المسلحة السورية، والى مرتكز لوجيستي لها.

في هذه المرحلة صعّد هذا التيار من خطابه المذهبي الى الحد الأقصى محولاً الأزمة السورية ليس الى مادة خلاف سياسي فحسب، وانما الى مادة خلاف وانقسام مذهبي بغيض من جهة، والى محاولة لاصطياد رئيس الحكومة في منطقته بهدف عزله واسقاطه، والى سعي لوضع منطقة بل وطائفة بكاملها في وجه سياسة الحكومة التي رأت ان مصلحة لبنان الرئيسية تتمثل في هذه المرحلة بالنأي به عن كل ما يجري في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً.

كان طبيعياً أن تؤدي هذه السياسة الى مجموعة من النتائج أبرزها:
أولاً: اظهار منطقة الشمال وكأنها خارج سلطة الدولة، بل ومتمردة عليها.
ثانياً: وضع منطقة الشمال في مواجهة مباشرة مع الجيش اللبناني بوصفه الأداة الأمنية الموكلة تنفيذ سياسة الحكومة على الأرض .
ثالثاً: التأسيس للصراع العسكري والفلتان الأمني في عاصمة الشمال طرابلس لا سيما بين منطقة التبانة وجبل محسن.
في العموم لم تفلح هذه السياسة في تحقيق الأهداف المرسومة لها سواء على صعيد تعطيل دور الجيش، أم اقحام الشمال في معادلة الصراع داخل سوريا وتحديداً في منطقة حمص التي كان يراهن عليها كمفتاح لقلب الأوضاع في سوريا لمصلحة المجموعات المسلحة فيما لو تمكنت من السيطرة على حمص، أو في احراج رئيس الحكومة ودفعه الى الاستقالة.

وأكثر من ذلك، لقد أفضت هذه الخطة الى نتائج غير متوقعة لا سيما فيما يتصل بواقع تأثير تيار المستقبل في الشمال الذي أخذ يسجل ضموراً لمصلحة قوى صاعدة أبرزها التيارات السلفية. وهكذا خرج هذا التيار مثخناً بالجروح. ولقد بدا واضحاً ان حسابات هذا الفريق قد اصطدمت مجدداً بجملة وقائع صلبة، أبرزها:

التيار الأزرق وأتباعه خطط متنوعة لهدف واحد

أولاً: ان النظام السوري بقي صامداً، ولم يسقط لا في حمص ولا في غيرها.
ثانياً: وجود قرار دولي كبير بالمحافظة على الاستقرار في لبنان في هذه المرحلة خشية ان تؤدي الإطاحة به الى وضع لا أحد يستطيع التكهن بمآلاته وتداعياته المحلية والاقليمية.
ثالثاً: صمود رئيس الحكومة والأكثرية معه لجهة التمسك ببقاء الحكومة باعتبارها الخيار الأفضل للبنان في هذه المرحلة، والى خيار آخر سيكون أسوأ بكثير.
ثالثاً: عمد التيار الأزرق واتباعه إلى خوض حرب استنزاف متنقلة ضد الحكومة والأكثرية فيها لا سيما حزب الله، تمثلت بالتالي:
أولاً: صناعة ظاهرة الشيخ الأسير في صيدا لإقحام الجنوب في بوابته الرئيسية في أتون الفتنة لا سيما من خلال استدراج التحالف الشيعي الى رد فعل ما.
ثانياً: القيام بعملية أمنية ـ عسكرية ضد مكاتب شاكر البرجاوي في السياق نفسه، ولاصطناع معنويات معينة.
ثالثاً: محاصرة الأكثرية بإحراجات متعددة من خلال اتهامها زوراً وبهتاناً بأنها المسؤولة عن عمليات خطف حيناً، واعمال أمنية تستهدف الاستقرار حيناً آخر، والنيل من قيادات بارزة في فريق الرابع عشر من آذار، امعاناً في تشوبه صورة الأكثرية متمثلة تحديداً بتحالف أمل ـ حزب الله - التيار الوطني الحر، واسقاطه بالتالي سياسياً واخلاقياً. واذا بدا أن هذا الفريق قد حقق بعض النقاط لمصلحته، إلا انها نقاط ظرفية يسهل التعامل معها، فإنه بدا أيضاً ان بعض خطواته قد ارتدت عليه سلباً.
رابعاً: شروع التيار الأزرق وأتباعه في خوض غمار اسقاط الحكومة مرة جديدة من خلال استغلال طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس الجمهورية بعدما جرى رفدها بقرار ملكي سعودي، إلا أن هذه المحاولة لم تحقق هدفها أيضاً.
خامساً: انطلاق تيار المستقبل وأتباعه في خوض معركة مستعجلة خاصة بقانون الانتخابات النيابية حيث سارعوا لاعلان رفضهم لقانون النسبية، واعلان استعدادهم لاسقاطه في المجلس النيابي لفرض قانون الستين كقانون وحيد باعتباره ـ وفق حساباتهم ـ الضامن الوحيد لاتيانه بأكثرية نيابية تكفل لهم تأليف حكومة الحاجة، والمجيء برئيس منها للجمهورية حيث بدأ التسويق باكراً لجعجع.

والحقيقة ان تيار المستقبل إذ يحشر اللبنانيين بقانون الستين في حين يدرك تماماً ان الأطراف الأخرى ترفضه بالمطلق، انما يغامر بمصير الانتخابات نفسها، إلا اذا جرى التوافق على قانون جديد للانتخابات برضى الجميع، وهذا أمر لا يبدو وسهلاً.
سادساً: عمل تيار المستقبل واتباعه مؤخراً على رفع وثيقة الى رئيس الجمهورية ضمنها مطالب عدة أبرزها الدعوة الى نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية ـ السورية متذرعة بأن هذا من شأنه أن يحمي المناطق اللبنانية مما يجري في سوريا، إلا أن الحقيقة أعمق وأخطر من ذلك بكثير، لا سيما اذا ما أخذنا بالاعتبار حملة هؤلاء الداعية الى طرد السفير السوري من لبنان والغاء الاتفاقيات الموقعة مع النظام السوري منذ مدة، هذه الحقيقة تتمثل بالتالي:
أولاً: ان هذا الهدف هو من ثوابت هذا التيار وأتباعه، وهو عمل له منذ عام 2006 وتحديداً منذ صدور القرار 1701، وذلك لوضع كل العقبات المرجوة والممكنة التي تحول دون تزويد المقاومة بالسلاح عبر سوريا.
ثانياً: من المعلوم أن هناك مخاوف جدية لدى الاميركي والاسرائيلي من أن يعمد النظام في سوريا في حال الاضطرار الى نقل اسلحته الاستراتيجية الى المقاومة، وبالتالي فهذا الفريق يحاول ان يقدم خدمة لهذين الطرفين من خلال القول ان هذه هي الوسيلة الفضلى لضمان عدم نقل هكذا نوع من السلاح، وبالتالي استدراجه لتأييد طلبه هذا من المنتديات الدولية والعربية اللازمة .
ثالثاً: وضع سوريا والكيان الاسرائيلي في مرتبة واحدة لجهة العداء، والى تقديم سوريا بوصفها دولة عدوة للبنان لا دولة صديقة تربطها لبنان روابط جدية.
رابعاً: اذا اخذنا بالاعتبار أن هذا المطلب يندرج في سياق برنامج من مجموعات خطوات أبرزها اعلان العصيان النيابي، فإن الهدف المضمر أيضاً هو قطع الطريق على الحكومة حتى لا تنجز أي عمل اضافي يتطلب تصويباً نيابياً عليه.
خامساً: تحويل هذا المطلب الى اداة تعبئة انتخابية بعد اخفاق كل شعاراتهم السابقة.
سادساً: التأسيس منذ الان لما سيقوم به هذا الفريق في حال فوزه بالأكثرية النيابية المطلوبة لاحقاً.
سابعاً: من الواضح ان من لوازم هذا الطرح أن هذا الفريق بدأ يبني حساباته على ان النظام في سوريا ليس آيلاً إلى السقوط ، وهو بالتالي يبحث منذ الان عن وسائل حماية له من تداعيات هذه النتيجة.
خلاصة القول هنا، وبالاستناد الى ما تقدم، ان هذا الفريق يعاني من تخبط في حساباته ورهاناته، وهو يتنقل من خطة الى أخرى من دون أن يتمكن من تحقيق أهدافه الأساسية، وان نجح في انجاز بعض النقاط لمصلحته، إلا أنها نقاط غير قابلة للتصريف المطلوب اذا لم يتحقق واحد من الأهداف المرسومة الأساسية:
أ – اسقاط النظام في سوريا.
ب ـ اسقاط الحكومة في لبنان، وهذا لا يعني انه لا يتعين على النواة الوطنية المركزية للأكثرية بذل الجهود المطلوبة لإفشال مخططات هذا الفريق المدمرة للبنان، ولتجاوز افخاخه الهادفة الى الايقاع به.
ان التيار الأزرق واتباعه لا هم لهم الا السلطة وما تبقى لا يعدو الا ذر للرماد في العيون، وذلك في سياق المعركة المفتوحة على موقع لبنان ودوره المقاوم بالدرجة الأولى.
2012-09-11