ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب على سوريا... ماذا بعد تهافت المبررات الكاذبة؟

الحرب على سوريا... ماذا بعد تهافت المبررات الكاذبة؟
رئيس يقتل شعبه! هذا الشعار الذي يتم باسمه تبرير الحرب على سوريا، فقد الكثير من فاعليته منذ تفجر الحدث السوري. فقد بات من المعلوم اليوم، وخلافاً للرواية التي يروجها أعداء سوريا، أن جماعات مسلحة، وإرهابيين من تنظيم القاعدة يأتون من مختلف أرجاء العالم، وعملاء لأجهزة الاستخبارات، ومرتزقة يعملون لشركات أمنية أميركية، وعصابات لصوص حقيقيين تنشط على الأرض السورية وأنها مسؤولة عن المذابح والمجازر التي يتم ارتكابها بحق الشعب السوري.


وفقدت فاعليتها المزاعم التي تنفي أن ما يسمى بـ "الثورة السورية" هي أداة تستخدم من أجل تدمير سوريا لحساب الغرب الإمبريالي والكيان الصهيوني. فهذه المزاعم باتت عاجزة عن الصمود أمام وقائع ملموسة كمستوى الإصرار الذي تشن من خلاله القوى الغربية والإقليمية حربها على هذا البلد.

الأنظمة العربية التي تمول هذه الحرب وتدعم الجماعات المسلحة بكل الوسائل تفعل ذلك دونما شعور بالحرج بقدر ما باتت الأولوية الكبرى بالنسبة لها هي توطيد الصداقة مع الغرب والكيان الصهيوني.الحرب على سوريا... ماذا بعد تهافت المبررات الكاذبة؟

لكن ذلك ليس شأن ذلك القسم من أعداء سوريا الذين كانوا لسنوات خلت يقدمون أنفسهم على أنهم مناضلون صميمون في خدمة قضايا التحرر وأعداء ألداء للأمبريالية والصهيونية.

ففي غمرة الهروع العربي الكبير نحو السلام مع "إسرائيل"، انقلب هؤلاء "المناضلون" ولم يعد لهم من هم غير التشنيع على القوى الرافضة لذلك السلام بدءاً بالفصائل الفلسطينية التي عارضت اتفاقيات أوسلو، وحزب الله الذي يواجه الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح، وانتهاءً بإيران وسوريا، الدولة العربية الوحيدة التي لم توقع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني. لكن هؤلاء "المناضلين" لم يظهروا بشكل مكشوف تعاطفاً مع "إسرائيل" والمعسكر الغربي. فهم يشعرون بما يكفي من الارتياح بقدر ما تسمح لهم تهم الشمولية والدكتاتورية التي توجه عادة إلى قوى الممانعة والمقاومة بشن الهجمات عليها باسم مبادئ الديموقراطية والحرية التي ينادون بها من فوق منابر إعلامية ممولة بسخاء من قبل مشيخات النفط غير الدستورية في الخليج.

مع هذا، وبالرغم من ولائهم لتلك المشيخات، ظل بإمكان هؤلاء "المناضلين" أن يحموا أنفسهم من الاتهام المباشر بالعمالة للغرب الامبريالي وللكيان الصهيوني، مستفيدين في ذلك من الحظر الذي جعل من مفهوم الخيانة في العالم العربي في ـ زمن الخيانة بامتياز ـ واحداً من أكثر المفاهيم التي سفهتها آلة التشريط والترويض التي تستخدمها دوائر السيطرة والهيمنة.

لكن الحدث السوري، وهو الحدث الذي شطب من الخارطة كل مناطق الظل وكل المساحات الرمادية، وضع "المناضلين" السابقين المذكورين من أجل قضايا العرب والمسلمين، وهم بغالبيتهم من القوميين والإسلاميين، وضعهم في خندق واحد مع أعداء تلك القضايا.

هل باتت الذاكرة قصيرة إلى الحد الذي بات يُحتاج فيه إلى التذكير بمن هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني؟

هل في العالم سجل مثقل كسجل هذه الدول بالجرائم المرتكبة بحق الشعوب، وخصوصاً بحق الشعوب العربية. هل ينبغي التذكير بوجود شيء اسمه اغتصاب فلسطين؟ هل يمكننا أن نحصي ـ في جملة ما ارتكبته وترتكبه تلك الدول، وحتى من دون أن نأخذ في الحساب تاريخ الوحشية الاستعمارية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية ـ عدد الضحايا الذين سقطوا ويسقطون في فلسطين والعراق والجزائر وغيرها من بلدان العالم العربي والإسلامي؟

مناضلونا السابقون الذين كانوا لوقت قصير مضى يطلقون على القوى الغربية صفات الإمبريالية والصليبية يشعرون الآن بالحرج لأن الموقع نفسه بات يجمعهم مع تلك القوى. ولكن، بدلاً من أن يراجعوا مواقفهم وأن يعيدوا ارتباطهم بالتطلعات الحقيقية للشعوب التي ينتمون إليها، نراهم يتشبثون بتلك المواقع ويجهدون أنفسهم في تسويغها بمختلف أنواع البهلوانيات التي تلوي عنق الوقائع والحقائق.

ألا يحدث (هذا ما يقولونه في معرض سعيهم لترويج الفرية القائلة بأن النظام السوري شرير وخطر أكثر من الغرب الامبريالي وامتداداته الإقليمية) لفريق يعتبر نفسه ممثلاً للخير والحق والعدل، أن يتحالف مع فريق يعمل عكس ما تمليه القيم المذكورة، بهدف محاربة فريق ثالث أكثر شراً وخطورة؟

الإجابة بـ "نعم" أو "لا" لا تقدم ولا تؤخر. فالأهم هو أن هؤلاء يقرون الآن عبر ما يسمونه تحالفاً بأنهم في موقع واحد مع القوى الغربية والكيان الصهيوني. والأكثر أهمية هو أنهم يجهدون أنفسهم في البحث عن مبررات جديدة بعد سقوط مبرراتهم القديمة. وذلك يكفي للدلالة على أن أزمتهم وأزمة سائر أعداء سوريا قد استفحلت وأن النهاية قد اقتربت.

عقيل الشيخ حسين

2012-09-12